نقص الغاز يهدد 200 عام من تراث لندن القديمة
مصابيح الغاز القديمة في لندن ليست مجرد وسيلة إضاءة في بعض أحيائها، لكنها جزء من التراث العتيق الذي يمتد لمئات السنين لهذه المدينة.
وقد تسببت أزمة نقص الغاز في بريطانيا، منذ اشتعال الحرب الروسية الأوكرانية في 24 فبراير/شباط 2022، في الضغط على مخزون الطاقة في البلاد، الأمر الذي دفع الحكومة البريطانية للتقليل من هذه المصابيح أو إحلالها بأخرى كهربائية.
وجاء هذا الأمر على غير رغبة الكثير من سكان لندن ومحبي التراث، الذين يتمسكون بهذا النوع من المصابيح كونه جزءا مهما من تاريخ لندن، يقبل السياح من كل مكان على زيارة الأحياء التي توجد فيها هذه المصابيح، خاصة حي كوفنت جاردن.
وتابعت وكالة الأنباء الفرنسية تطورات الأوضاع بالنسبة لمصابيح الغاز اللندنية، حيث رصدت أمام ويستمنستر آبي وتحت أنظار السياح، الموظف البريطاني المسؤول عن إضاءة المصابيح "بول دوي" بينما كان يصعد على سلّم ثم يرفع غطاء مصباح غاز ينير المكان ويضبط التوقيت ويشعل شبكة صغيرة من القماش تنتج من خلال تسخين المعدن، ضوءاً خافتاً تشتهر به هذه المصابيح.
ويقول "بول" الذي يستيقظ يومياً عند الخامسة صباحاً لإنجاز هذه المهمة في حي كوفنت جاردن السياحي "أحب الجانب التاريخي من هذا العمل".
وأضاف بول، أحد عناصر فريق يضمّ خمسة أشخاص يتولون إنارة مصابيح الشوارع، أنّ العمل يتمثل بصورة أساسية في ضبط الساعات الميكانيكية التي تعود إلى 100 عام وتعديل توقيت تشغيل المصابيح، إلا أنّ هذا التقليد الذي يعود إلى 200 سنة اختفى تقريباً من وسط لندن، وخلال السنوات الأخيرة تُستبدل المصابيح القديمة بأخرى أكثر حداثة وتعمل بالكهرباء.
وترغب سلطات ويستمنستر في إبدال نحو 300 مصباح تعمل بالغاز لا تزال موجودة في شوارعها، مما أثار استياء بعض السكان ومحبي هذا النوع من التراث.
وبعد تنظيم هؤلاء حملة كبيرة نجحوا في إقناع البلدية جزئياً برغبتهم، فوافقت في بيان أصدرته هذا الأسبوع على الاحتفاظ بـ174 مصباحاً، خصوصاً تلك المثبتة في أماكن تُعدّ "مميزة".
قضية مصابيح لندن في البرلمان
أُثير موضوع إزالة مصابيح الغاز القديمة من الشوارع في البرلمان أخيراً، مع موافقة عدد من النواب على الاحتفاظ بها.
قبل نحو عام، اكتشف تيم برايزس، مالك مكتبة صغيرة في كوفنت جاردن ويقف وراء الحملة الداعية إلى إنقاذ مصابيح الشوارع، صدفة مشروع البلدية.
وقال برايزس: "في أحد الأيام، خرجت صباحاً من متجري لأصادف رجلين من المنطقة يحفران ثقباً، وعندما سألتهما ماذا يفعلان قالا لي ألّا أقلق إنهم يعاينون مدى سهولة تحويل مصابيح الغاز إلى صيغة كهربائية".
ويعتبر برايزس أنّ قرار بلدية المدينة الاحتفاظ بالمصابيح يشكل "خطوة أولى مرضية"، مشيراً إلى أنّ عليها إنجاز المزيد فيما يتعلق بهذه المسألة.
وأكد أننا نحتاج إلى التزام سياسي قوي للحفاظ فعلياً على مصابيح الغاز، لا الاحتفاظ ببعضها حتى تصبح متداعية.
مصابيح الغاز هوية لندن
تضم لندن أكثر من ألف مصباح غاز من ماركات وتصاميم عدة، جرى تركيبها بدءاً من مطلع القرن التاسع عشر، حين اعتُبرت تطوّراً مهماً في مركز مدينة شوارعها مظلمة ولبعضها سمعة سيئة أو يشكل مكاناً خطراً.
في وسط لندن، تضيء هذه المصابيح جزءاً من جادة ذي مول التي تؤدي إلى قصر باكنجهام، وشوارع كوفنت جاردن الصغيرة، والمناطق المحيطة بدير وستمنستر، لتضفي أجواء من الغموض تشتهر بها روايات تشارلز ديكنز وأفلام كـ"ماري بوبنز" وتلك التي برزت فيها شخصية شرلوك هولمز.
ويؤكّد الكاتب المتخصص بالآثار والمشارك في حملة المحافظة على مصابيح الغاز في لندن "لوك هانيه" أنّ هذه المصابيح "تمثّل جزءاً مهماً جداً من تاريخ لندن، وهي بمثابة هويتها".
تبرير الحكومة
بررت السلطات البريطانية مشروع إزالة المصابيح القديمة بأسباب تتعلق بالسلامة وبأهدافها الرامية إلى الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، فضلاً عن الصعوبة في المحافظة عليها.
ويقول عضو المجلس البلدي بول ديلمودنبرج، في حديث إلى وكالة فرانس برس قبيل انطلاق جلسة مشاورات عامة: عندما تتكسّر المصابيح يسود الظلام في الشوارع لفترة طويلة فتصبح غير آمنة بما يكفي للمشاة.
وكانت البلدية تأمل في إقناع المدافعين عن المحافظة على المصابيح بأنّ النماذج التي تستند إلى ثنائي باعث للضوء ("ليد") تصدر إضاءة مشابهة جداً لتلك الخاصة بمصابيح الغاز.
وقال المسؤول عن فريق صيانة المصابيح القديمة في شركة "بريتيش غاز" جو فولر إن "بعض المصابيح الحديثة تبدو جميلة جداً، لكنها تبقى مختلفة عن تلك الأصلية القديمة"، مؤكداً "ضرورة المحافظة على هذا التراث وإيلائه اهتماماً قدر الإمكان".
وأشارت البلدية إلى أن 94 مصباح غاز من أصل المصابيح الثلاثمائة المعرضة للخطر ستُستبدل بنماذج كهربائية سيجري تحديث فوانيسها بصورة أكبر لتصبح مشابهة أكثر لفوانيس المصابيح التقليدية، تماشياً مع ملاحظات أفادت بها الهيئات التي تدافع عن التراث.
ويعتزم المدافعون عن التراث التحقق من الأسباب التي اختيرت على أساسها المصابيح التي ستُستبدل، ويأملون في إنقاذ بعض منها، بحسب تيم برايزس (صاحب المكتبة).
aXA6IDMuMTQ3LjY4LjM5IA==
جزيرة ام اند امز