إيصال المساعدات في غزة.. مطبات الحرب تخنق إكسير الحياة
أسبوعان على بدء دخول المساعدات إلى قطاع غزة، تلك المنطقة التي عانت الجوع والنزوح الجماعي، طيلة 15 شهرا من الحرب.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن، هو: هل تدفق تلك المساعدات كاف لأكثر من مليوني فلسطيني يعيشون في القطاع المحاصر، وسط دمار كبير خلّفته الحرب الإسرائيلية؟
معركة شاقة
وكالة "أسوشيتد برس" نقلت عن فلسطينيين وعمال إغاثة قولهم إن ضمان وصول المساعدات إلى الجميع لا يزال معركة شاقة.
ويلوح في الأفق احتمال استئناف القتال إذا انهار وقف إطلاق النار بعد المرحلة الأولى التي استمرت ستة أسابيع.
وبموجب اتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل، قالت الأخيرة إنها ستسمح بدخول 600 شاحنة مساعدات إلى غزة كل يوم.
وتقدر إسرائيل أن ما لا يقل عن 4200 شاحنة دخلت كل أسبوع منذ سريان وقف إطلاق النار.
بيْد أن المؤسسات الإنسانية تشير إلى أن توزيع المساعدات معقد بسبب الطرق المدمرة أو المتضررة، وعمليات التفتيش الإسرائيلية وتهديد القنابل غير المنفجرة.
أشرف سمير أبو هولي، 68 عاما، كان ينتظر عند نقطة توزيع الغذاء في جباليا، وهي منطقة في شمال غزة دُمرت بالكامل خلال غارات إسرائيلية متعددة، قال: "لدي أكثر من عشرة أطفال. كلهم يحتاجون إلى الحليب والطعام. قبل وقف إطلاق النار، كنا نعاني من صعوبة توفير الطعام. أما اليوم فهناك بعض الراحة".
وذكر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، أنه وزع المزيد من الغذاء على الفلسطينيين في غزة خلال الأيام الأربعة الأولى من وقف إطلاق النار مقارنة بما فعله، في المتوسط، خلال أي شهر من الحرب.
ووفق البرنامج، دخل قطاع غزة أكثر من 32 ألف طن متري من المساعدات، منذ وقف إطلاق النار. وتدخل المساعدات الآن من خلال معبرين في الشمال وواحد في الجنوب.
قبل وقف إطلاق النار، قالت منظمات الإغاثة إن التسليم أصبح معقدا بسبب العصابات المسلحة التي تنهب الشاحنات، والهجمات على عمال الإغاثة، وعمليات التفتيش الإسرائيلية الشاقة، والصعوبات في التنسيق مع مكتب تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المكلفة بتسهيل المساعدات.
جنون الأسعار.. والشمال يشكو
في المقابل، لا تزال أسعار المواد الغذائية تشكل تحديا. وفي هذا الصدد، تشير نادين جمعة، وهي شابة من مخيم البريج في وسط قطاع غزة، إلى أن المساعدات ليست متاحة بحرية، لافتة إلى أن الكثير من السلع يتم إعادة بيعها بأسعار مبالغ بها.
وعلى الرغم من انخفاض الأسعار قليلا، فإن الدقيق وغاز الطهي لا يزالان يكلفان ثلاثة أمثال ما كانا عليه قبل الحرب، وفقا لبرنامج الغذاء العالمي.
وتقول نادين، إن أسرتها لا تأكل سوى الأطعمة المعلبة الرخيصة. مضيفة "نحن بحاجة إلى المزيد من الطعام والمياه والأدوات المنزلية للمطبخ والحمام والمستلزمات النسائية".
وعلى الرغم من أن المسؤولين الإنسانيين يقولون منذ فترة طويلة إن أفضل طريقة لمنع الابتزاز هي إغراق غزة بالمساعدات، إلا أن الفلسطينيين في الشمال يؤكدون أن تدفق المساعدات حتى الآن لم يؤد إلا إلى تعزيز الوسطاء المشبوهين.
ويشكو السكان من عدم وجود ما يكفي من الخيام التي تدخل غزة في حين أصبحت المواد غير الأساسية مثل الشوكولاتة والمكسرات والصودا في كل مكان فجأة.
وبحسب أحمد قمر، 34 عاماً، الذي عاد للعيش في أنقاض منزله السابق في جباليا، فإن منطقته لم تشهد سوى بضع عشرات من شاحنات المساعدات.
وروى للوكالة " مئات العائلات هنا تنام في العراء وفي البرد. نحن بحاجة إلى الكهرباء والمأوى، وفي الوقت نفسه تغمر الأسواق الشوكولاتة والسجائر".
من جهتها، لفتت تيس إنغرام، المتحدثة باسم اليونيسف، إلى أن العاملين في مجال الصحة أفادوا بأنهم ما زالوا يسجلون حالات سوء التغذية بين الأطفال والنساء الحوامل.
في الأثناء، لا تزال بعض المستشفيات ومحطات تحلية المياه تعاني من نقص الوقود.
"ذات الاستخدام المزدوج"
من جهة أخرى، لا يزال إدخال أنواع معينة من المساعدات إلى غزة، يشكل تحديا.
وتنظر إسرائيل إلى بعض المواد على أنها "ذات استخدام مزدوج"، وهو ما يمنع دخولها إلى غزة بسبب مخاوف تل أبيب "من تحويلها من قبل المسلحين لأغراض عسكرية".
وفقاً لقائمة وزعتها وحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق على المجموعات الإنسانية وتمت مشاركتها مع وكالة أسوشيتد برس، فإن أجهزة تحلية المياه وتجميع المياه، ووحدات التخزين، والأدوات، ومجموعات الخيام، والأفران، والملابس المقاومة للماء، والمعدات اللازمة لفرق بناء الملاجئ، تتطلب جميعها "موافقة مسبقة" قبل دخول غزة.
في حين يتم السماح للخيام الكبيرة، وأكياس النوم، والمراحيض المحمولة، ومنصات التدفئة واللقاحات بالدخول إلى القطاع دون موافقة إسرائيلية. بحسب المصدر نفسه.
وفي هذا السياق، اعتبرت المتحدثة باسم اليونيسيف، أن القائمة جعلت من الصعب إحضار المولدات والمواد الثقيلة اللازمة لإصلاح شبكة المياه المتضررة في غزة.
ومع عودتهم إلى ديارهم، يعيش العديد من الفلسطينيين في مناطق دُمرت فيها شبكة المياه. وهذا يجعل الجفاف وانتشار الأمراض بسبب الظروف الصحية السيئة والرعاية الطبية المحدودة تهديدا.
وقالت إنغرام إنها سافرت إلى بعض المناطق الأكثر تضررًا في الشمال - جباليا وبيت لاهيا - في الأيام الأخيرة، حيث أصبح الناس "يائسين للحصول على شيء للشرب".
وأضافت: "في كل مكان ذهبت إليه هنا في شمال غزة، كان الناس يطلبون الماء". "يمكنني أن أرى الأطفال على جانب الطريق وهم يقومون بهذا النوع من الإشارات للحصول على الماء".
طرق مدمرة وذخائر غير منفجرة
وألحقت الحرب أضرارا فادحة بالطرق، في حين تنتشر القنابل غير المنفجرة في كل مكان. وتقدر الأمم المتحدة أن 5% إلى 10% من كل الذخائر التي ألقيت في غزة لم تنفجر، مما يجعل المنطقة معرضة للخطر بشكل محتمل بالنسبة للمدنيين وعمال الإغاثة.
وقالت وكالة الأمم المتحدة لمكافحة الألغام، وهي الوكالة التي تتعامل مع الذخائر غير المنفجرة، إنه منذ سريان وقف إطلاق النار، أفادت القوافل الإنسانية والمدنيون بالعثور على قنابل طائرات كبيرة وقذائف هاون وقنابل يدوية.
وفي حديثه من جنوب غزة، تذكر جوناثان كريكس، رئيس الاتصالات في اليونيسيف، أنه كان على طريق حيث "كان الآلاف والآلاف من الأطفال والأسر يسيرون".
"كنت أراهم بلا شيء"، وتابع: "فقط الملابس التي يرتدونها على ظهورهم".
aXA6IDE4LjExOC4xNDYuMTcg جزيرة ام اند امز