«شاحنات الحياة».. رحلة الأمل والمعاناة من العريش إلى غزة
نحو 6 أشهر من الحرب، أفرغت قطاع غزة من مظاهر الحياة الآدمية، بل وصل الأمر إلى حافة المجاعة.
وباتت شاحنات المساعدات هي شريان الحياة الرئيسي لسكان غزة، في قلب الأزمة الإنسانية المتصاعدة التي تعصف بالقطاع، إلا أن تلك الشاحنات تقف بلا حراك محملة بالمواد الغذائية، بسبب المنع الإسرائيلي.
وبحسب مسؤول في الهلال الأحمر المصري فإن نحو 2400 شاحنة، ظلت متوقفة هذا الشهر في مدينة العريش المصرية على بعد نحو 50 كيلومترا من غزة.
وبعد مرور أكثر من 5 أشهر على الحرب التي تشنها إسرائيل ضد حركة حماس الفلسطينية، حذرت هيئة عالمية معنية بالأمن الغذائي في تقرير من أن المجاعة أصبحت وشيكة في مناطق من غزة، حيث أُجبر أكثر من ثلاثة أرباع السكان على ترك منازلهم وتحولت مساحات واسعة من القطاع إلى أثر بعد عين.
وبعدما روعته تقارير وصور لأطفال يتضورون جوعا، يضغط المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة على إسرائيل لحملها على تسهيل دخول المزيد من المساعدات لغزة.
وأسقطت عدة دول مواد غذائية جوا على القطاع المطل على البحر المتوسط، وأعلنت واشنطن مؤخرا أنها ستبني رصيفا قبالة ساحل غزة للمساعدة في توصيل مساعدات إضافية.
ويقول مسؤولو وكالات الإغاثة إن الإجراءات الإسرائيلية تبطئ تدفق الشاحنات التي تحمل إمدادات غذائية، ويرفض المسؤولون الإسرائيليون هذه الاتهامات، كما اتهمت إسرائيل حماس أيضا بسرقة المساعدات، وهو ما نفته الحركة الفلسطينية.
وبحسب وكالة رويترز، فإن شاحنات المساعدات تخضع لسلسلة من إجراءات التفتيش الإسرائيلية قبل دخولها غزة، وقد تمر شاحنة من إحدى مراحل العملية لكن ربما تتعثر في الأخرى، وفقا لما ذكره 18 من عمال الإغاثة ومسؤولي الأمم المتحدة المشاركين في جهود الإغاثة.
كيف تصل المساعدات إلى غزة؟
قبل أن تشرع بعض المساعدات في رحلتها إلى غزة يتم نقلها جوا إلى القاهرة أو شحنها بحرا إلى مدينة بورسعيد المتاخمة لشبه جزيرة سيناء المصرية على بعد نحو 150 كيلومترا غربي العريش، ومن هناك تُنقل بشاحنات إلى مدينة العريش على ساحل البحر المتوسط، كما يتم نقل بعض المساعدات جوا مباشرة إلى العريش.
وبمجرد وصولها إلى القاهرة أو العريش، تخضع المساعدات لأول فحص لها، وتقدم الوكالات الدولية بيانا مفصلا بكل شحنة للجيش الإسرائيلي عبر الأمم المتحدة للتصريح بدخولها، ودأبت إسرائيل على منع دخول مواد "ذات استخدام مزدوج" تقول إنها يمكن أن تستخدمها حماس في صنع أسلحة.
وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية لرويترز إن "من بين 153 طلبا قُدمت للسلطات الإسرائيلية للموافقة على دخول بضائع إلى غزة بين 11 يناير/كانون الثاني الماضي و15 مارس/آذار الجاري، وافقت إسرائيل على 100 طلب ورفضت 15 طلبا على الفور وما زال 38 طلبا قيد النظر".
ولم يحدد مسؤولو الأمم المتحدة ما إذا كان الطلب يشير إلى عدد معين من الشاحنات أو حجم معين للمساعدات.
ويفيد محضر اجتماع لوكالات الإغاثة اطّلعت عليه رويترز بأن رد إسرائيل يستغرق ما يقرب من شهر في المتوسط.
وبحسب مسؤول الهلال الأحمر المصري فإن الدول المانحة تفرغ المساعدات في العريش أو في مطار العريش ويتولى الهلال الأحمر والسلطات المصرية بعد ذلك مسؤولية توصيل المساعدات إلى غزة.
ومن العريش، تقطع الشاحنات رحلة طولها 50 كيلومترا إلى نقطة عبور رفح على الحدود بين مصر وغزة.
المحطة التالية تكون المراكز الإسرائيلية لفحص الشاحنات.
وبمجرد وصولها إلى الجانب المصري من معبر رفح، يُطلب من بعض الشاحنات أن تقطع مسافة 40 كيلومترا على طول الحدود المصرية الإسرائيلية إلى منشأة تفتيش على الجانب الإسرائيلي تسمى "نيتسانا".
وفي تلك المنشأة يفحص جنود إسرائيليون الشحنات يدويا كما يستخدمون أجهزة المسح وكلاب مدربة بحسب موظفي الأمم المتحدة ووكالات إغاثة أخرى.
وتُرفض بعض الأشياء أثناء التفتيش لا سيما تلك التي تعتقد إسرائيل أنها يمكن أن تستخدمها حماس والفصائل الفلسطينية لأغراض عسكرية، وتُعاد بعض الشحنات التي تحمل مواد مزدوجة الاستخدام إلى العريش.
وقال مسؤولون في الأمم المتحدة وعمال إغاثة إن نفس المنتج الذي يُسمح بدخوله ذات يوم يمكن رفضه في يوم آخر.
وبحسب الجيش الإسرائيلي إنه يمكنه مسح ما مجموعه 44 شاحنة في الساعة عند نقطة "نيتسانا" وعند معبر كرم أبوسالم من إسرائيل إلى غزة، حيث يتم تفتيش شاحنات الإغاثة.
لكن مسؤولي وكالات الإغاثة يقولون إن العدد الفعلي الذي تم مسحه ضوئيا أقل، ورفض الجيش الإسرائيلي الإفصاح عن عدد الساعات التي يُفتح فيها "نيتسانا" ومعبر "كرم أبوسالم" يوميا.
وبمجرد اجتياز الشاحنات للتفتيش في "نيتسانا" تقطع رحلة لمسافة 40 كيلومترا إلى رفح، حيث تنتظر العبور إلى غزة.
وفي أواخر يناير/كانون الثاني الماضي بدأت مجموعات من الإسرائيليين بمن فيهم أصدقاء وأقارب لأكثر من 130 شخصا ما زالوا رهائن لدى حماس في الاحتجاج على تسليم المساعدات إلى غزة.
وأغلقت الاحتجاجات "نيتسانا" و"كرم أبوسالم" لمدة 16 يوما بين أواخر يناير/كانون الثاني الجاري وأوائل مارس/آذار الماضي بحسب وكالات الإغاثة.
وذكر موظفون بالأمم المتحدة ووكالات الإغاثة أنه عند معبر كرم أبوسالم يتم تفريغ البضائع من الشاحنات التي تم مسحها ضوئيا وإعادة تحميلها على شاحنات فحصها الجيش الإسرائيلي، وبعد ذلك تقوم هذه الشاحنات برحلة طولها كيلومتر واحد إلى مستودع داخل غزة ليتم تفريغ المساعدات مرة أخرى.
وتُحمل البضائع بعد ذلك مجددا على شاحنات يقودها فلسطينيون وتنقلها إلى مستودعات تدير معظمها الأمم المتحدة في رفح الفلسطينية.
ونتيجة لضغط دولي متزايد بدأت إسرائيل هذا الشهر استخدام طريق جديد لإيصال المساعدات مباشرة إلى شمال غزة، يُعرف باسم البوابة 96.
وبحلول 20 مارس/آذار الجاري، قالت وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق إن 86 شاحنة مساعدات دولية على الأقل دخلت عبر المعبر الجديد.
بمجرد دخولها إلى غزة، تتزايد التحديات في طريق شاحنات المساعدات.
فقد تعرضت قوافل للهجوم على الطريق من معبر كرم أبوسالم إلى المستودعات في غزة من جانب أشخاص يحملون أسلحة بدائية منها الفؤوس والقواطع الحادة، وفقا لمسؤولين في الأمم المتحدة وسائقي شاحنات.
وفي عمق غزة تكتظ مناطق أخرى بحشود من الناس في أمس الحاجة إلى الغذاء.
ووفقا لأرقام الأمم المتحدة، كانت 200 شاحنة في المتوسط محملة بالمساعدات تدخل غزة يوميا قبل الحرب، وتدخل 300 شاحنة أخرى يوميا عبر إسرائيل محملة بواردات تجارية تشمل مواد غذائية وإمدادات زراعية ومواد صناعية.
لكن منذ بداية الحرب، تدخل نحو 100 شاحنة في المتوسط إلى غزة يوميا، وفقا لمراجعة لإحصاءات الأمم المتحدة وإحصائيات الجيش الإسرائيلي بشأن شاحنات المساعدات.