الدبلوماسية تلاحق اندفاعة إلى «كارثة» في غزة

تُلاحق جهود دبلوماسية فتيلًا مشتعلًا في غزة يوشك على الخروج عن السيطرة، ما يُنذر بانزلاق الوضع المتردي أصلًا إلى كارثة إنسانية.
وبينما أعلن الدفاع المدني في غزة مقتل 44 شخصًا على الأقل، الأحد، في ضربات إسرائيلية ردًّا على إطلاق نحو عشرة مقذوفات من القطاع ليلًا باتجاه عسقلان، تترقّب المنطقة قمة ثلاثية فرنسية-مصرية-أردنية تركز على الوضع في القطاع.
وتأتي القمة المرتقبة غداة تأكيد الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الإماراتي، أولوية العمل من أجل التوصّل إلى وقفٍ لإطلاق النار في غزة، وإطلاق سراح الرهائن، وتجنّب اتساع رقعة الصراع في المنطقة.
جاء ذلك خلال استقباله، اليوم في أبوظبي، وزير خارجية إسرائيل جدعون ساعر، في لقاءٍ بحثا خلاله مجمل التطورات الراهنة في المنطقة وتداعياتها، لا سيما الأزمة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة.
وشدّد وزير الخارجية الإماراتي على دعم دولة الإمارات للجهود الدبلوماسية كافة، الرامية إلى حماية المدنيين، وتعزيز الاستجابة للأزمة الإنسانية في القطاع.
كما جدّد التأكيد على الأهمية العاجلة للدفع نحو إيجاد أفق سياسي جاد يعيد إطلاق المفاوضات لتحقيق السلام الشامل، القائم على أساس حل الدولتين، وضرورة العمل من أجل إنهاء التطرف والتوتر والعنف المتصاعد في المنطقة، وتضافر جهود المجتمع الدولي لتلبية تطلعات شعوبها في الأمن والاستقرار والحياة الكريمة.
وأشار إلى أن الأوضاع المأساوية التي يعانيها المدنيون في قطاع غزة، تتطلب بذل الجهود كافة لضمان تدفّق المساعدات الإنسانية الملحّة على نحوٍ آمن ومستدام ومن دون عراقيل.
وأكد الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان مواقف دولة الإمارات الأخوية التاريخية الراسخة تجاه الشعب الفلسطيني، مشددًا على التزام دولة الإمارات الثابت بدعم الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره، والتي لن تدّخر جهدًا في مدّ يد العون للأشقاء الفلسطينيين، وتقديم الدعم الإنساني اللازم لهم بما يلبّي احتياجاتهم.
قمة ثلاثية
والأحد، وصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى القاهرة في زيارة رسمية تركز على إنهاء الحرب في غزة.
ويعقد الرئيسان المصري والفرنسي محادثات رسمية صباح الإثنين، قبل أن ينضم إليهما ملك الأردن عبدالله الثاني في قمة ثلاثية تناقش التطورات في قطاع غزة.
وكان قصر الإليزيه قد قال، في بيان، إن الزيارة التي تستمر 48 ساعة ستناقش الحرب في غزة "بشكل معمّق"، لافتًا إلى أن "مصر والأردن شريكان أساسيان في حل النزاع".
وتقف مصر والأردن في وجه خطة أمريكية لتهجير سكان القطاع، اقترحها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
وكان ترامب قد أعلن أكثر من مرة عن رغبته في أن تستقبل القاهرة وعمان مئات الآلاف من الفلسطينيين من غزة، للسماح بسيطرة أمريكية على القطاع من أجل بناء مشروع سياحي وصفه ساكن البيت الأبيض بـ"ريفييرا على ساحل المتوسط".
وقدّمت القاهرة خطةً منافِسة لإعادة إعمار القطاع دون تهجير سكانه، وتبنّت الجامعة العربية الخطة المصرية.
وواصلت مصر جهود الوساطة، واقترحت خططًا لترميم الهدنة قبل الوصول إلى وضع كارثي.
ويُقتل عشرات الفلسطينيين على نحوٍ شبه يومي منذ أن استأنفت إسرائيل عملياتها العسكرية في غزة في 18 مارس/آذار، بعد وقفٍ لإطلاق النار استمر شهرين مع حركة حماس، أرسى هدوءًا نسبيًا في المنطقة.
غارات متواصلة
وقال المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة، محمود بصل، في تصريح لوكالة "فرانس برس": "حصيلة لا تقل عن 44 شهيدًا في قطاع غزة نتيجة الغارات الإسرائيلية المتواصلة، بينهم 21 في خان يونس بجنوب القطاع".
وأفاد بصل بسقوط ستة قتلى في غارة على شارع النخيل في حي التفاح بمدينة غزة، حيث كان عدد من الأشخاص متجمّعين قرب فرن.
وأشار إلى أن من بين القتلى ثلاثة أطفال.
وأدانت حركة حماس، في بيان، "تعمد قتل الأطفال واستهدافهم"، معتبرة أن ذلك يشكل تأكيدًا "على الطبيعة الوحشية السادية للاحتلال".
وأظهرت لقطات لتلفزيون "فرانس برس"، الأحد، أعمدة كثيفة من الدخان تتصاعد من وسط غزة وشمالها، مع قصف القوات الإسرائيلية مناطق شاسعة من القطاع الفلسطيني المحاصر.
وفي 18 مارس/آذار، استأنفت إسرائيل القصف المكثف على غزة بعد خلافات بشأن مفاوضات المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيّز التنفيذ في 19 يناير/كانون الثاني، إثر حرب مدمّرة استمرت 15 شهرًا في القطاع.
وباءت بالفشل حتى الآن كل الجهود لإحياء وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بوساطة قطرية ومصرية وأمريكية.
الأحد، أصابت غارة منزل عائلة أبو عيسى في دير البلح، ما أسفر عن مقتل نساء وأطفال، وفق شهود عيان.
وقال محمد العزايزة، وهو من سكان المنطقة: "لم يكن هناك مطلوبون في المنزل، حتى الرجال كانوا في المسجد".
وتابع: "كلهم مدنيون، وكلهم أطفال ونساء وفتيات. دمّر صاروخ كل المنزل. شعرت كأن قنبلة نووية قد أصابتنا".
وأظهرت لقطات لتلفزيون "فرانس برس" غارة ليل السبت في مدينة غزة وقد خلّفت دمارًا كبيرًا في موقع مستشفى، ولفّ القتلى بالأكفان.
وقالت أم هيثم السلاخي، وهي تبكي قريبًا لها قُتل في مستشفى الأهلي: "سمعنا الانفجار وهرعنا لتفقّد الأطفال".
وأظهرت اللقطات رجلًا يبكي محتضنًا جثة أحد أقاربه، بينما تجمّع عشرات للمشاركة في التشييع قبل دفن الضحايا.
وقال محمد رحمة، الذي قُتل أحد أفراد عائلته في القصف: "استهدفوا المدنيين العزل خلال نومهم".
وتلقى بعض الجرحى، وبينهم أطفال، العلاج في ممر المستشفى، فيما تجمّع الأقارب على مقربة منهم.
وأظهرت مشاهد من المنزل كتلًا خرسانية منهارة، وقضبانًا معدنية ملتوية، وأطفالًا يبحثون بين الأنقاض عن أي مقتنيات يمكن استعادتها.
حماس ترد
في الأثناء، أعلن الجيش الإسرائيلي رصد إطلاق نحو عشرة مقذوفات من قطاع غزة، ليل الأحد، باتجاه أراضٍ إسرائيلية، مشيرًا إلى أنه تم اعتراض معظمها.
لاحقًا، أعلن الجيش أنه قصف منصة في غزة قال إن الصواريخ أُطلقت منها.
وشدّد الجيش، في بيانه، على أنه "سيواصل العمل على إزالة أي تهديد للمدنيين الإسرائيليين".
وأمر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بـ"ردّ قوي" بعد إطلاق الصواريخ، وفق مكتبه.
وكان الجيش الإسرائيلي قد رصد في الأسبوعين الأخيرين إطلاق عشرة صواريخ من غزة على إسرائيل.
وقالت الشرطة الإسرائيلية إن عناصرها انتشروا في عسقلان، حيث سقط حطام جراء عملية الاعتراض، وأشار مسعفون إلى إصابة رجل بجروح.
وجاء في بيان للشرطة أن "خبراء تفكيك القنابل من المنطقة الجنوبية وعناصر من مركز شرطة عسقلان يعملون على مسح المنطقة بحثًا عن حطام إضافي، من أجل القضاء على أي خطر محتمل على العامة".
ومنذ استئناف القتال، أعلنت وزارة الصحة مقتل 1330 شخصًا في الهجمات الإسرائيلية.
واندلعت الحرب إثر هجوم غير مسبوق شنّته حركة حماس على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وأعلنت وزارة الصحة في غزة ارتفاع الحصيلة الإجمالية للقتلى في القطاع منذ اندلاع الحرب إلى 50695 شخصًا.
مقتل فتى أمريكي
في غضون ذلك، قال مسؤول فلسطيني لوكالة "فرانس برس" إن قوات إسرائيلية قتلت بالرصاص فتى يحمل الجنسية الأمريكية في الضفة الغربية المحتلة، الأحد، في حين أعلن الجيش الإسرائيلي أنه قتل "إرهابيًّا" كان يرشق سيارات بالحجارة.
وأفاد رئيس بلدية ترمسعيا، أديب لافي شلبي، بأن الفتى عمر محمد سعادة ربيع، البالغ من العمر 14 عامًا، "يحمل الجنسية الأمريكية".
وفي بيان، قال الجيش الإسرائيلي إنه خلال "نشاط لمكافحة الإرهاب" في ترمسعيا، "رصد جنود ثلاثة إرهابيين كانوا يرشقون الحجارة باتجاه الطريق السريع، ما يعرّض سائقين مدنيين للخطر".
وتابع البيان: "فتح الجنود النار باتجاه الإرهابيين الذين كانوا يعرّضون مدنيين للخطر، وقضوا على أحدهم، وأصابوا الآخرين".
aXA6IDMuMTM3LjE4NC4xNzAg جزيرة ام اند امز