في ظل الأزمة الدموية التي تجري الآن في قطاع غزة وتهدد المنطقة كلها، بل النظام العالمي بتصاعد غير مسبوق، تتردد طوال الوقت مطالب من الغالبية الساحقة من دول العالم بضرورة الالتزام بقواعد القانون الدولي عموماً والقانوني الدولي الإنساني خصوصاً.
وهي القواعد التي استقر عليها المجتمع الدولي بصورة تراكمية منذ قرون، وباتت هي التي تنظم سلوك الأطراف المختلفة في كل أنواع النزاعات المسلحة الخارجية والداخلية.
وقد تردد أيضاً وكثيراً مصطلح "جرائم الحرب"، التي يحرمها كل من القانونين المشار إليهما، والتي تستوجب العقاب في المحاكم والجهات الدولية المختصة.
وسنحاول في هذا المقال أن نكتشف معاً المعاني المقصودة لهذه المصطلحات كما استقرت عليها المنظمات الدولية والدول الأعضاء بها، وهو ما يجعلها ملزمة لجميع أطراف المجتمع الدولي.
وسوف نعتمد في طرح هذه المصطلحات بصورة كاملة على ما ورد في شأنها في الوثائق الرسمية لمنظمة الأمم المتحدة، وبعض الهيئات التابعة لها، مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
والبداية بمفهوم القانون الدولي، والذي يتحدد معناه بصفة عامة بأنه مجموعة القواعد والمعايير القانونية التي يتم تطبيقها بين الدول ذات السيادة وغيرها من الكيانات الأخرى ذات الصفة الدولية، وتحدد سلوكها تجاه بعضها البعض، ويتألف بصفة رئيسية من المعاهدات والاتفاقيات الثنائية ومتعددة الأطراف بين الدول فضلاً عن المبادئ العامة للقانون.
وينقسم القانون الدولي إلى قسمين: عام وخاص، حيث يعالج الأول العلاقات بين مختلف البلدان والمنظمات الدولية، وهو يحدد القواعد الخاصة بالقضايا التي تهم البشرية كلها كالبيئة، والمحيطات، وحقوق الإنسان، والأعمال التجارية الدولية وغيرها، وتقوم هيئات دولية مختلفة بتطبيق هذه القواعد.
أما القانون الدولي الخاص فينظم العلاقات المختلفة بين المواطنين من مختلف البلدان، وكذلك العلاقات التجارية بينها، ويحدد طرق وهيئات التقاضي المختصة بنظر الدعاوى المتصلة بها.
أما القانون الدولي الإنساني فهو مجموعة القواعد التي تهدف إلى الحد من آثار النزاعات المسلحة لدوافع إنسانية، وهو يحمي الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة أو بشكل فعال في الأعمال العدائية أو الذين كفوا عن المشاركة فيها مباشرة أو بشكل فعال، كما أنه يفرض قيوداً على وسائل الحرب وأساليبها.
وبداخل هذا القانون الدولي الإنساني توجد عدة قواعد رئيسية، أبرزها اتصالاً بيما يجري اليوم في غزة، هو ما يطلق عليه "القاعدة 156".
وتتضمن هذه القاعدة مجموع المواد والضوابط التي تحدد الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني، والتي تشكل ما يسمى "جرائم حرب"، وطرق التعامل الدولي القانوني معها.
وتتعدد هذه الجرائم بصورة مفصلة في مختلف وثائق هذا القانون، ونشير فقط هنا إلى بعض منها المتصل بما يجري حالياً في غزة.
فمثلاً هناك "جعل السكان المدنيين أو الأفراد المدنيين الذين لا يشاركون بشكل مباشر في العمليات العدائية محلاً للهجمات، وشن هجوم، مع العلم أنه سيؤدي إلى خسائر عرضية في أرواح المدنيين أو إصابات بينهم، أو إلى أضرار في الأعيان المدنية، ويكون مفرطاً وبشكل واضح في تجاوز ما ينتظر أن يسفر عنه من ميزة عسكرية ملموسة ومباشرة".
كذلك هناك "اتخاذ المواقع المجردة من وسائل الدفاع والمناطق المنزوعة السلاح هدفاً للهجوم". أيضاً من هذه الجرائم: "نقل دولة الاحتلال لجزء من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها، أو الترحيل أو النقل الكلي أو الجزئي لسكان الأراضي المحتلة داخل هذه الأراضي أو خارجها".
وبوضوح يعد جريمة حرب "جعل الأبنية المخصصة لأغراض دينية أو تربوية أو فنية أو علمية أو خيرية، أو الآثار التاريخية، محلاً للهجمات، ما لم تكن أهدافاً عسكرية".
وبوضوح تام تحدد وثائق الأمم المتحدة أنه من هذه الجرائم "استخدام تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب، بحرمانهم من أشياء لا غنى عنها لبقائهم، بما في ذلك إعاقة تزويدهم بمؤن الإغاثة".
وبنفس الوضوح تحدد هذه الوثائق جريمة أخرى، وهي "جعل الأشخاص أو الأعيان المستخدمة في عمليات المساعدة الإنسانية أو مهمات حفظ السلام وفقاً لميثاق الأمم المتحدة محلاً للهجمات، ما دامت مؤهلة للحماية الممنوحة للمدنيين أو الأعيان المدنية بمقتضى القانون الدولي الإنساني".
المؤكد هو أن المجتمع الدولي، ومنذ قرون مضت، قد استطاع أن يبلور ويصوغ القواعد المنظمة للعلاقات بين أعضائه وسلوك كل منها خصوصاً في أوقات الحروب، وأصبح لدى البشرية قانونها الدولي وقانونها الدولي الإنساني، إلا أن قدرة هذا المجتمع تظل بعد كل تلك القرون موضع شكوك وانتقادات كثيرة، فيما يخص التطبيق الفعلي لهذه القواعد وإخضاع مخالفيها لما تنص عليه من عقوبات تقررها المحاكم والجهات الدولية المختصة بإنفاذ هذين القانونين.
diaarashwan@gmail.com
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة