محنة غزة في صورة.. العناق الأخير لجثة فقيد
تكثفت فيها كل معاني الألم، لدرجة أن اللغة ضاقت بأحرفها، فما عادت تتسع للتعبير عن وجعها وهي تحتضن جثمانا مكفنا في لحظة صمت مدوّ.
هكذا يبدو الوجع في غزة: كبيرا بحجم دهر من المعاناة، وبشعا بحجم الأسابيع الطويلة من الفقدان والرعب التي اختبرها سكان القطاع منذ تجدد التصعيد مع إسرائيل قبل نحو شهر.
فحتى قبل وقت قريب، كان العالم يختزل الألم في صورة لا تنسى وقديمة قدم البشرية لامرأة تحتضن طفلا وهي جاثية، لكن هذه المرة وفي تحول بالغ الكآبة عن المعتاد، تحتضن المرأة جثمانا صغيرا ملفوفا بالكفن بقوة في لحظة صمت وحزن عميق.
والمرأة المحجبة تدفن رأسها في الجثمان الذي لا يعرف من الصورة في البداية إن كان لطفل إم لطفلة، إذ لا أحد يعلم من هي سوى أنها فلسطينية من غزة.
هذا الجثمان الصغير واحد من آلاف فقدوا أرواحهم في حرب إسرائيل وحماس، أغلبهم لن نعرف أسماءهم وسيخلف فراقهم حزنا لباقي العمر في قلوب ذويهم الذين لن نقابلهم أبدا.
تقول منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) إن 20 طفلا في المتوسط يقتلون أو يصابون بعاهات مستديمة يوميا في الحروب على مستوى العالم في القرن الحادي والعشرين.
في مشرحة مستشفى
ورأى مصور «رويترز» محمد سالم هذا المشهد في مشرحة مستشفى ناصر بخان يونس في جنوب قطاع غزة يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حيث يبحث سكان عن ذويهم المفقودين.
ورأى سالم المرأة وهي جاثية على ركبتيها على الأرض في المشرحة تبكي وتحتضن الجثمان بقوة.
وقال: "كانت لحظة مؤثرة وحزينة وشعرت بأن الصورة تلخص الشعور العام لما يحدث في قطاع غزة.. الناس مرتبكون.. يركضون من مكان إلى آخر.. متلهفون لمعرفة مصير أحبائهم، ولفتت انتباهي هذه المرأة وهي تحمل جثة الطفلة الصغيرة وترفض تركها".
لحظة كان لها تأثير خاص أيضا بالنسبة لسالم الذي أنجبت زوجته طفلهما قبل أيام قليلة.
وفي قطاع غزة الذي انقطعت فيه الاتصالات، أصبحت معرفة مكان الأشخاص مهمة مليئة بالصعوبات.
لكن بعد أسبوعين من التقاط الصورة، تمكنت «رويترز» من تعقب المرأة الموجودة في الصورة وإجراء مقابلة معها في منزلها بخان يونس.
إنها إيناس أبومعمر، والجثة التي كانت تحملها في الصورة هي سالي ابنة أخيها البالغة من العمر خمس سنوات.
وهرعت إيناس إلى منزل عمها عندما سمعت أنه تعرض للقصف ثم توجهت إلى المشرحة.
«فقدتُ الوعي»
قالت: "فقدت الوعي عندما رأيت الفتاة، أخذتها بين ذراعي.. طلب مني الطبيب أن أتركها.. لكنني طلبت منهم أن يتركوها معي".
ووالدة سالي وشقيقتها، وكذلك عم إيناس وعمتها قتلوا. وكان لسالي منزلة خاصة لدى إيناس فقد اعتادت أن تذهب إلى منزل جدتها وهي في الطريق إلى روضة الأطفال وتطلب من عمتها التقاط صور لها.
وقالت إيناس: "معظم مقاطع الفيديو والصور الموجودة على هاتفي المحمول لها".
وكان أحمد شقيق سالي البالغ من العمر أربع سنوات خارج المنزل عندما تعرض للقصف ونجا.
ويعيش أحمد الآن مع إيناس التي تقول إن ليس لديه رغبة تذكر في اللعب وإنه نادرا ما يتكلم إلا عندما يسأل عن مكان أخته سالي.
aXA6IDMuMTQ1LjUwLjcxIA== جزيرة ام اند امز