غزة.. من «فك الارتباط» إلى «الاحتلال»

قبل عقدين، كان المشهد في غزة يتجه نحو فراغ عسكري إسرائيلي، لكن الأحداث تتابعت حتى انقلب المسار من انسحاب كامل إلى قرار بالعودة لقلب المدينة
"فك الارتباط"
في عام 2005، نفذت إسرائيل انسحابا أحاديا من قطاع غزة ضمن خطة رئيس الوزراء آنذاك أرييل شارون، الذي برر قراره بمخاوف أمنية ورؤية استراتيجية، من بين أسباب أخرى.
دافع شارون عن خطته باعتبارها السبيل الوحيد لتأمين مستقبل بلده، قائلا عام ٢٠٠٤: "هذه لحظة مصيرية لإسرائيل".
وبموجب تلك الخطة، تم تفكيك 21 مستوطنة في قطاع غزة، وأُجلي المستوطنون، وأكمل الجيش الإسرائيلي انسحابه صباح 12 سبتمبر/أيلول في عملية أطلق عليها "المراقبة الأخيرة".
كان ذلك الانسحاب أول تخلي إسرائيلي عن أرض احتلتها في حرب 1967 أو ما تسمى "حرب الأيام الستة".
وأثار الانسحاب جدلا واسعا داخل إسرائيل بين مؤيدين يعتبرونه خطوة نحو الأمن، ومعارضين يرونه تنازلا خطيرا.
لكن الأوضاع لم تستقر. فقد ظل قطاع غزة تحت حصار مشدد وسيطرة إسرائيلية على المعابر والأجواء والبحر، فيما تكررت جولات القتال والحروب.
وتصاعد التوتر إلى ذروته بعد الهجوم المباغت الذي نفذته حركة حماس، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، الذي ردت عليه إسرائيل بحرب واسعة دمرت معظم البنية التحتية في القطاع وأجبرت سكانها البالغ عددهم نحو 2.4 مليون نسمة، على النزوح المتكرر وسط تحذيرات أممية من مجاعة وشيكة.
العودة للاحتلال
بعد 22 شهرا من الحرب، أقرّ المجلس الوزاري الأمني الإسرائيلي (الكابينيت) في اجتماع استمر حتى ساعات فجر الجمعة، خطة للسيطرة على مدينة غزة.
وبحسب ما أعلنه مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، اليوم الجمعة، فإن "الكابينيت" اعتمد بأغلبية الأصوات، خمسة مبادئ لإنهاء الحرب في غزة، تشمل:
1. نزع سلاح حركة حماس.
2. إعادة جميع الأسرى – الأحياء والرفات على حد سواء.
3. نزع السلاح الكامل لقطاع غزة.
4. فرض سيطرة أمنية إسرائيلية على قطاع غزة.
5. إقامة إدارة مدنية بديلة لا تكون تابعة لحماس ولا للسلطة الفلسطينية.
وأشار المجلس في بيان صادر عنه، إلى أن الجيش الإسرائيلي سيستعد للسيطرة على مدينة غزة، مع توفير المساعدات الإنسانية للسكان المدنيين خارج مناطق القتال.
ووفق ما طالعته "العين الإخبارية" في موقع "أكسيوس" الأمريكي، فقد صدر القرار بعد أكثر من عشر ساعات من المشاورات في مجلس الوزراء الأمني، وهو المرحلة الأولى من هجوم قد يشمل احتلال قطاع غزة بأكمله.
السيطرة بدأت قبل قرار الفجر
الجيش الإسرائيلي، الذي كان قد توغل في نحو 75% من مساحة القطاع، بدأ التحرك نحو قلب المدينة وسط قصف متواصل، بينما تتصاعد التحذيرات الدولية من كارثة إنسانية أكبر.
يأتي الإعلان الإسرائيلي في وقت يعاني فيه مليونا نسمة من سكان قطاع غزة من المجاعة، حيث أثارت صور الأطفال الهزيلين غضبا دوليا بعد ظهورها في وسائل الإعلام حول العالم.
حكم "الإعدام"
القرار أثار انقسامات داخل إسرائيل نفسها، إذ وصفه زعيم المعارضة يائير لابيد بـ"الكارثة"، محذرا من سقوط المزيد من الرهائن والجنود، وتكلفة اقتصادية ودبلوماسية باهظة. أما حماس، فاعتبرت أن الاحتلال الكامل "لن يكون نزهة" وأنه سيكلّف إسرائيل كثيرًا.
على الصعيد الدولي، نددت أطراف عدة بالخطوة، منها بريطانيا التي اعتبرتها "خطأً" سيدفع نحو المزيد من الدماء بدل إنهاء النزاع.
أما عائلات الأسرى الإسرائيليين، فاعتبرت قرار الكابينيت "حكما بالإعدام على الرهائن الأحياء، وحكما بالاختفاء على المتوفين".
وقالت في بيان لها، إن "قرار مجلس الوزراء بالشروع في عملية احتلال القطاع هو إعلان رسمي عن التخلي عن الرهائن، متجاهلا تماما التحذيرات المتكررة من القيادة العسكرية والإرادة الواضحة لغالبية الشعب الإسرائيلي".
البيان لفت إلى أنه "لم يسبق لحكومة في إسرائيل أن تصرفت بمثل هذا الإصرار ضد المصلحة الوطنية"، مشيرا إلى إلى القرار بمثابة "خطوة خداع وإهمال أخلاقي وأمني لا يُغتفر".
لكن عائلات الرهائن ترى أن "الأوان لم يفت بعد"، داعية الشعب الإسرائيلي إلى "وقف هذه الخطوة الخطيرة".
وشددت على أن السبيل الوحيد لإعادة المخطوفين "هو اتفاق شامل. لا حرب عبثية بعد الآن. لا هروب متعمد بعد الآن".
قرار "عبثي"
زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد، انتقد قرار مجلس الوزراء باحتلال مدينة غزة، واصفا إياه بـ"الكارثة التي ستؤدي إلى كوارث أخرى كثيرة".
وقال لابيد في منشور على حسابه في "إكس"، اليوم، "خلافا لموقف الجيش والأجهزة الأمنية، جرّ (وزير الأمن القومي إيتيمار) بن غفير، و(وزير المالية) سموتريتش، نتنياهو إلى خطوة ستستغرق أشهرا، وستؤدي إلى مقتل الأسرى ومقتل العديد من الجنود، وستتسبب بانهيار سياسي".
مضيفا "هذه بالضبط النتيجة التي أرادتها حماس: احتلال بلا هدف وبدون خطة لليوم التالي".
"السجن المفتوح"
قطاع غزة هو جيبٌ محاصر، ويصفه البعض بأنه "أكبر سجن مفتوح في العالم"، لكنه كنز جغرافي واقتصادي يسبح على ضفاف المتوسط.
تحده مصر من الجنوب الغربي، وإسرائيل من الشمال والشرق, ومن الغرب البحر المتوسط.
يبلغ طوله حوالي 41 كيلومترا وعرضه يتراوح من ستة كيلومترات إلى 12 كلم، أما مساحته الإجمالية فتبلغ 360 كيلومترا مربعا.
يُعتبر قطاع غزة كبرى مناطق جنوب فلسطين وأهمها منذ آلاف السنين وحتى اليوم، بحسب ما طالعته "العين الإخبارية" في مركز المعلومات الفلسطيني.
والقطاع هو واحد من منطقتين فلسطينيتين، الثانية هي الضفة الغربية التي تشمل أيضا القدس الشرقية، وتحتلها إسرائيل.
وفي غزة وُلد الإمام الشافعي، وتضم أيضا قبر هاشم بن عبد مناف، جد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولذلك سميت بغزة هاشم.
وتسيطر إسرائيل على مجالها الجوي وساحلها، وكذلك البضائع التي يمكن أن تعبر حدود غزة.
كانت غزة محطة رئيسية على طريق التجارة القديم بين مصر والشام، واليوم لا تزال نقطة ذات أهمية جيوسياسية، خصوصا مع قربها من قناة السويس، أحد أهم الممرات المائية في العالم.