حرب غزة بعد 50 يوما.. تمديد الهدنة «ممكن» والحل بيد أمريكا
يرى خبراء أن "الهدنة" بين إسرائيل وحركة حماس، التي وصفوها بـ"التطور الإيجابي"، "فرصة حقيقية" للتوصل لاتفاق شامل لوقف إطلاق النار.
ومنذ صباح أمس الجمعة، يشهد قطاع غزة هدنة إنسانية تستمر 4 أيام، تتضمن وقف العدائيات وتبادل إطلاق سراح الرهائن والأسرى، فضلا عن دخول المساعدات للقطاع المحاصر.
وفي وقت سابق اليوم، تحدثت السلطات في مصر وقطر، الوسيطين في الهدنة الحالية، عن جهود لتمديد التهدئة ليوم أو اثنين إضافيين، ما يحرك آمالا في دفع عجلة الحل.
وفي هذا الإطار يؤكد خبراء، في أحاديث منفصلة لـ"العين الإخبارية"، ضرورة البناء على الهدنة الحالية كنقطة انطلاق للقوى الفاعلة دوليا وعربيا، لتثبيت وقف إطلاق النار، وإيجاد تسوية سياسية عادلة وعاجلة للقضية الفلسطينية.
وفي استشراف للمستقبل نبه الخبراء إلى أن قطاع غزة مقبل على مرحلة مساومات إقليمية ودولية، لكن الأهم أن يسهم الفلسطينيون في تحديد مصيرهم، وألا يٌترك هذا الأمر لأي قوة إقليمية.
وشددوا في الوقت ذاته على أن المطلوب وجود سلطة فلسطينية قوية قادرة على إدارة القطاع والضفة بشكل موحد، ونبذ الخلافات والانقسامات من أجل حاضر ومستقبل فلسطين.
ودخلت الهدنة حيز التنفيذ في السابعة من صباح أمس الجمعة بتوقيت فلسطين، وتضمنت وقفاً كاملاً لإطلاق النار دون خروقات من أي جانب، على أن تشمل شمال وجنوب قطاع غزة، وقد التزم الأطراف بذلك إلى حد بعيد.
ومن المنتظر أن تسري الهدنة أربعة أيام، وهي قابلة للتمديد، وتنص على تبادل 50 رهينة محتجزين في غزة بـ150 معتقلا فلسطينيا.
"خسارة في المعسكرين"
وفي تقديره للموقف، يقول الدكتور مبارك آل عاتي المحلل السياسي السعودي، في حديث خاص لـ"العين الإخبارية"، إن الهدنة بمثابة التقاط أنفاس للجانبين لإعادة تقييم للسلوك الميداني للجيش العسكري والمقاومة الفلسطينية.
ويرى آل عاتي أن الهدنة تؤكد أن الطرفين (حماس وإسرائيل) خاسرين من الحرب، وأنهما تعبا من استمرار هذه الحرب التي كلفت الكثير، حيث إن قطاع غزة نٌسف تماما، بل مسح من خارطة التكوينات الجغرافية لآلة الحرب الإسرائيلية وبمغامرات غير محسوبة".
ويتابع "الأمر الآخر إسرائيل لم تدخر أي جهد، فكل آلة وكل قذيف وصاروخ استخدمته لنسف هذا القطاع، لكنها لم تفلح حقيقة في تحقيق أهدافها التي أعلنت عنها، متمثلة في إنهاء حماس وتعقب قياداتها"، مضيفا "في اعتقادي إنها كانت أهدافا غير حقيقية وغير واقعية".
آل عاتي قال أيضا "كل طرف يريد تحقيق مكاسب إعلامية وسياسية على الصعيد الداخلي، وأمام المجتمع الدولي بشكل عام".
ويتابع "وقعت إسرائيل تحت ضغط داخلي رهيب جدا، أدى إلى حدوث انقسام في الداخل الإسرائيلي، وضغط على حكومة بنيامين نتنياهو بالقبول بالمطالب الفلسطينية، والإفراج عن عدد من الأسرى الفلسطينيين، مقابل الإفراج عن عدد من أسرى إسرائيل".
ويقود هذا، الحديث للمحل السياسي السعودي، إلى "القبول أو إلى الاقتناع بأن إسرائيل أرغمت على القبول بهذه المطالب تحت ضغط المطالب الإسرائيلية الداخلية التي باتت تؤرق حكومة نتنياهو".
"التمديد ليس مستبعدا"
كما تؤكد الهدنة أنه بالإمكان تمديدها والتوصل لاحقا إلى وقف إطلاق النار بين الطرفين بشروط وضمانة دولية، كما حدث خلال مفاوضات هذه الهدنة، وفق المحلل السعودي الذي قال "الهدنة يمكن أن تمدد، أو تطبق على وقف لإطلاق النار، في حال وجود ضمانات أو ضغوط أمريكية على الجانب الإسرائيلي وضمانات عربية أيضا للجانب الفلسطيني".
وللتوصل إلى وقف نهائي لإطلاق النار يقول آل عاتي إن "الأمر في حاجة لمزيد من الوقت، ولمزيد من الضمانات الدولية والإقليمية، والحاجة أيضا للضغوط على كل الأطراف في الإقليم بأن تتنبه إلى عدم توسع الحرب في المنطقة، لأن الجميع سيدفع ثمنا باهظا".
ويوضح "المحور الارتكازي في هذه العملية هو قناعة الطرف الأمريكي بوجوب وقف إطلاق النار، لأن الولايات المتحدة بالفعل هي من تملك قراري الحرب والسلام، لذا فالمطلوب جهد عربي كبير جدا من خلال لجنة قمة الرياض العربية والإسلامية، التي يقودها وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان وممثلو جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي".
مساومات إقليمية ودولية
ويعول المحلل السعودي على الدور الصيني في اجتماع مجلس الأمن الدولي المقرر يوم 29 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، إذ قال "سيعقد مجلس الأمن الدولي اجتماعا على مستوى وزراء الخارجية برئاسة الصين، حيث توصلت المجموعة العربية إلى تفاهمات مع الجانب الصيني، نأمل في أن تؤدي إلى صدور قرار قابل للتطبيق، وأن تقتنع به كل الأطراف الدولية للضغط على الجانب الإسرائيلي لتنفيذه لتحقيق وقف لإطلاق النار".
وفي استشرافه للمستقبل، يقول آل عاتي إن "قطاع غزة مقبل على مرحلة مساومات إقليمية ودولية، لكن الأهم أن يسهم الأشقاء الفلسطينيون في تحديد المصير؛ لأنهم أهل الحل والعقد في هذا الأمر وهم المعنيون بمستقبل هذا القطاع وألا يترك هذا الأمر لأي قوة إقليمية وعليهم أن يقرروا مستقبلهم".
ويستطرد "مطلوب أيضا وجود سلطة فلسطينية قوية قادرة على إدارة الأراضي الفلسطينية بشكل موحد، وأن ينبذ الأشقاء الفلسطينيون خلافاتهم وانقساماتهم التي أدت إلى هذا الوضع المأسوي الذى تعيشه القضية الفلسطينية".
وتدير حماس قطاع غزة منذ السيطرة عليه في عام 2007، ومنذ ذلك الحين اختفى الوجود الأمني للسلطة الفلسطينية في القطاع.
وفي حين تقول الولايات المتحدة إن إسرائيل أبلغتها بأن لا نية لديها لإعادة احتلال القطاع، فإن إسرائيل تقول أيضا إنها لا تريد عودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع.
ولا يخفي مسؤولون في الجيش الإسرائيلي الرغبة في إقامة حكم عسكري في غزة، على أن يكون انتقاليا ولفترة زمنية محدودة ما بين انتهاء الحرب وبروز قيادة فلسطينية قادرة على تحمل المسؤولية عن القطاع.
"تعادل ميداني"
من وجهة نظر الدكتور هشام النجار، الكاتب والخبير السياسي المصري في شؤون حركات الإسلام السياسي، فإن "الجميع خاسر، والبطل الوحيد هو الشعب الفلسطيني المناضل الصامد، وعدم رضوخه لمخططات التهجير على وقع حرب الإبادة الجماعية التي تنفذها قوات الاحتلال".
وقال النجار، في حديث خاص لـ"العين الإخبارية"، "رغم أن إسرائيل دمرت أجزاء كبيرة من قطاع غزة، وشردت مئات الآلاف وقتلت وأصابت عشرات الآلاف، إلا أنها لم تحقق أهدافها المعلنة من الحرب، ولم تقض على حماس ولم تتخلص من سلاحها ولم تلق القبض على قادتها".
ويرى النجار أن "الهدنة الإنسانية علامة على تعادل الطرفين في الميدان، رغم ترجيح موازين القوة العسكرية لصالح إسرائيل"، مردفا "الهدنة ستساعد الطرفين على التقاط الأنفاس، وإعادة التموضع، والاستعداد لجولات جديدة تبدو فاصلة، لكنها في نفس الوقت نقطة انطلاق أيضا للقوى الفاعلة العربية والدولية لإيجاد تسوية عادلة وعاجلة عقب تثبيت دائم لوقف القتال".
وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن أكد، أمس الجمعة، في حديثه مع صحفيين، أن الفرص "حقيقية" لتمديد هدنة بين إسرائيل وحماس، معربا عن أمله في الإفراج عن المواطنين الأمريكيين الذين تحتجزهم حماس قريبا.
وحضّ الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي ساند منذ بداية الحرب إسرائيل سياسيا وزودها بأنواع مختلفة من الدعم العسكري، على بذل جهود إضافية، سعيا إلى "تجديد عزمنا على استكمال حلّ الدولتين"، معتبرا أنه "أهم من أي وقت مضى".
ضغوط مطلوبة
إلى ذلك، أبدى النجار تقديره لجهود الدول العربية، وفي مقدمتها مصر بعد أن "خاضت معركة دبلوماسية واستخبارية معقدة للتوصل لهدنة إنسانية"، مضيفا أن هذا "يمثل رغم كل شيء بارقة أمل للشعب الفلسطيني ولأهل غزة".
وتابع "أتوقع ممارسة ضغوط على مختلف الأطراف لإيجاد تسوية سياسية وتقوية سلطة فلسطينية تبسط يدها على الأرض، وتدير شؤون الفلسطينيين وتحمي حقوقهم كبداية لحل مختلف الإشكالات العالقة".
فشل نتنياهو
ويذهب الدكتور حميد الكفائي، الباحث العراقي في الشؤون السياسية والاقتصادية، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إلى أن "إسرائيل اضطرت إلى الهدنة بسبب الضغط الدبلوماسي العالمي، والضغط الشعبي بعد مرور خمسين يوما على حرب لا هدف لها سوى الانتقام من المدنيين والأطفال والنساء، وهذا أثار العالم كله ضدها".
ويقول إن "نتنياهو كان يأمل في تحقيق نصر للحصول على تأييد الشعب الإسرائيلي، لكنه فشل وازداد غضب الإسرائيليين من حكومته، وهي حكومة آيلة إلى السقوط بعد انتهاء هذه الأزمة".
ويشدد الكفائي على أن "الهدنة المؤقتة لا تكفي وستسمح لإسرائيل ولأي حكومة تأتي لاحقا بأن تستأنف الحرب في أي وقت ضد المدنيين، لذلك من الضروري أن يسعى المجتمع الدولي والولايات المتحدة تحديدا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي والدول العربية والإسلامية إلى ممارسة الضغوط اللازمة لبدء المفاوضات مع ممثلي الشعب الفلسطيني الحقيقيين وهم قادة منظمة التحرير الفلسطينية".
ويضيف الباحث العراقي "يجب أن تبدأ المفاوضات لإرساء حل الدولتين، لأن عدم وجود دولة فلسطينية يجعل الكثير من الجماعات المتطرفة تدعي بأنها تمثل الشعب الفلسطيني، لذا فوجود الدولة أمر ضروري جدا، وعدم وجودها خطر على السلم والأمن والاستقرار في المنطقة والعالم".
ويرى أيضا أن المجتمع الدولي أدرك أن "إهمال القضية الفلسطينية كان خطأ شنيعا ارتكبته الدول الغربية والولايات المتحدة تحديدا".
تطور إيجابي
بدوره، يقول الدكتور طه عودة أوغلو، المحلل السياسي التركي في حديث خاص لـ"العين الإخبارية"، إن "الهدنة تطور إيجابي، في ظل الحرب المستعرة التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة".
طه أوغلو نوه إلى أن الهدنة الإنسانية "دليل على رضوخ إسرائيل بعد أن فشلت في تحقيق أهدافها، وهو القضاء على حماس وتحرير أسراها".
ويعتبر المحلل السياسي التركي أن "التطور الأهم أن القضية الفلسطينية عادت إلى الواجهة من جديد، ولكن عادت هذه المرة بقوة، خاصة بعد تعاطف شعوب أوروبا مع القضية الفلسطينية، وهو ما تجسد في المظاهرات الحاشدة بعدد من دول الغرب".
aXA6IDMuMTM3LjIxOC4xNzYg جزيرة ام اند امز