ما بعد حرب غزة.. سيناريوهات «متشابكة» وبدائل «بلا أفق»

في خضم تجدد قصف غزة، تتشابك الحسابات الإسرائيلية والدولية لصياغة «اليوم التالي» في قطاع تحوّل إلى ساحة مواجهة تتجاوز حدوده الجغرافية.
التصريحات المتضاربة بين تل أبيب وواشنطن، والمبادرات الإقليمية، تكشف عن غياب رؤية موحدة لمصير غزة، فيما تتحرك إسرائيل بين رفض تولي زمام الأمور، والسعي للقضاء على «حماس» كسلطة حاكمة، في ظل غموض يلف البدائل المطروحة.
لكن بين التصريحات الدبلوماسية والحقائق على الأرض، يظل مصير مليوني فلسطيني رهن معادلات سياسية وأمنية معقدة. فهل سيكون «اليوم التالي» محطة نحو استقرار هش، أم فصلا جديدًا في صراع يعيد إنتاج أزماته بوجوه مختلفة؟
يقول دبلوماسي إسرائيلي كبير لمجلة «نيوزويك» الأمريكي، إن إسرائيل ليس لديها أي خطط لحكم الأراضي الفلسطينية التي مزقتها الحرب بمجرد هزيمة حماس.
وأوضح نائب القنصل العام الإسرائيلي في نيويورك، تساش ساعر، لمجلة نيوزويك: «أؤكد لكم أمرًا واحدًا. لا نريد أن نكون في غزة في مرحلة ما بعد الحرب. لا نريد أن نكون هناك. لن تكون حماس. لن تكون إسرائيل».
وأضاف: «لكن لضمان أمن شعبنا، ولضمان عدم مواجهة خطر 7 أكتوبر آخر من غزة، يجب القضاء على حماس، أو على الأقل على قوتها العسكرية وحكمها في قطاع غزة. لذا، لن تكون حماس، ولن تكون إسرائيل. ثم علينا العمل مع أقرب حلفائنا وشركائنا، الولايات المتحدة وغيرها من الأطراف الفاعلة في المنطقة، لإيجاد حلٍّ لذلك اليوم التالي».
هذه التصريحات تأتي في الوقت الذي واصلت فيه إسرائيل هجومها الجديد على غزة، منهيةً بذلك اتفاق وقف إطلاق النار الذي فشل في الوصول إلى مرحلته الثانية وسط اتهامات متبادلة من طرفي الصراع.
بدائل غير معروفة
قال ساعر إن إسرائيل تدرس عددًا من الخطط المحتملة بشأن غزة، بما في ذلك تلك التي أماط البيت الأبيض اللثام عنها. وقد اقترح الرئيس دونالد ترامب مرارًا نقل حوالي مليوني فلسطيني يعيشون في غزة إلى دول أخرى بهدف الاستفادة من فرص التطوير العقاري في القطاع المطل على البحر الأبيض المتوسط. كما ألمح إلى أن الولايات المتحدة قد تُرسي سيطرة مباشرة على غزة.
إلا أن هذه الفكرة التي أثارت ردود فعل عنيفة في العالم العربي، لفتت انتباه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي وصفها بأنها «أول فكرة جيدة أسمعها» حول هذه القضية خلال مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض الشهر الماضي.
ومنذ طرح الفكرة، غيّر ترامب خطابه ليؤكد أنه سيسعى لرحيل الفلسطينيين طوعًا بدلًا من طردهم قسرًا. وهذا أيضًا ما فهمه ساعر للخطة، ووصفها بأنها «معقولة»، مشيدًا بالجهود الأمريكية لإيجاد حل جديد للصراع.
وقال ساعر: «هناك خططٌ عديدة، ولا بد لي من القول إننا نجري محادثاتٍ وثيقةً للغاية مع الأمريكيين. وهم يسعون لاستكشاف أي إمكانيةٍ لإحلال السلام في المنطقة، والمنطقة الأوسع، ويبذلون قصارى جهدهم لإعادة الرهائن».
ومنذ بداية الصراع، حدد نتنياهو باستمرار أهداف الحرب التي تسعى إسرائيل إلى تحقيقها، وهي ضمان إطلاق سراح جميع الرهائن في غزة، والقضاء على حماس ككيان عسكري وسياسي فعال.
ومن بين 251 شخصًا أسرتهم حماس خلال هجومها المفاجئ الأول واسع النطاق الذي أشعل فتيل الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، يُعتقد أن نحو 59 شخصًا، بينهم خمسة مواطنين أمريكيين، لا يزالون في أسر الحركة. وقد قُتل أكثر من 50 ألف فلسطيني و1600 إسرائيلي طوال الصراع، وفقًا للسجلات التي تحتفظ بها مؤسسات الجانبين.
خطة عربية
ومع سيطرة إسرائيل الفعلية على أجزاء واسعة من غزة، دفع اقتراح ترامب المثير للجدل الدول العربية إلى البحث عن حل بديل. وقد عُرض إطار عمل من هذا القبيل، صاغته مصر وأقرته جامعة الدول العربية، في وقت سابق من هذا الشهر.
وتتضمن الخطة إنشاء لجنة إدارية من فلسطينيين مستقلين لتولي مسؤولية غزة لفترة محدودة قبل تسليمها إلى السلطة الوطنية الفلسطينية. كما بحث المشروع فكرة نشر قوة حفظ سلام دولية في غزة والضفة الغربية.
ورحبت حماس والسلطة الفلسطينية بالمبادرة العربية. إلا أن إدارة نتنياهو، التي رفضت أيضًا أي دور للسلطة الفلسطينية في غزة، رفضت الخطة لأنها «لا تعالج واقع ما بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتتمسك بمفاهيم عفا عليها الزمن»، وفقًا لوزارة الخارجية الإسرائيلية.
وردًا على ذلك، قال عضو المكتب السياسي لحركة حماس والمتحدث باسمها، باسم نعيم، لمجلة «نيوزويك»، إن «نتنياهو، بدعم من إدارة ترامب، لديه هدف حقيقي: طرد الفلسطينيين من أرضهم والسيطرة عليها. وقد أُعلن عن هذا وخطط له منذ سنوات قبل السابع من أكتوبر».
نعيم أضاف أن «الحل الأمثل ليس لقطاع غزة فحسب، بل لكل الأراضي الفلسطينية هو إقامة دولة فلسطينية مستقلة وتشكيل حكومة فلسطينية تمثل كل الفلسطينيين بعد انتخابات حرة ونزيهة، أو تشكيل هيئة مستقلة من التكنوقراط المستقلين لإدارة كل الشؤون المدنية في قطاع غزة».
قصة عرضين
واختلف ساعر ونعيم أيضًا حول الرواية المحيطة بانهيار اتفاق وقف إطلاق النار، وهو جزء من اتفاق طرحه الرئيس جو بايدن، آنذاك، في مايو/أيار الماضي، ولم يُحسم في النهاية إلا بعد أن أرسل ترامب فريقه الخاص لدعم المفاوضات عقب فوزه في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني.
وقال ساعر: «أوفت إسرائيل بالتزاماتها في المرحلة الأولى. بعد ذلك، بعد اليوم الثاني والأربعين، رفضت حماس، في الواقع، مقترحين مدعومين من الولايات المتحدة لتمديد وقف إطلاق النار السابق أو تطبيق مراحل إضافية منه. وهذا ما دفعنا فعليًا إلى استئناف القتال».
وفي حين رفض ساعر الخوض في تفاصيل المفاوضات، زعم أن المسؤولين الإسرائيليين «يستكشفون كل السبل الممكنة، وكل الحلول التي يمكننا إيجادها، وكل التفاهمات التي يمكننا إيجادها مع مختلف الأطراف، لأننا لا نتفاوض مباشرة مع حماس، بل لإعادة المزيد من الرهائن إلى ديارهم. هذا ما يوجهنا».
وتابع: لا يوجد وقف إطلاق نار مجاني. سنعيد رهائننا إلى ديارهم. وسيكون ذلك بطريقة أو بأخرى.
تضارب الروايات
وبدا أن مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، الذي لعب دورًا محوريًا في دفع الطرفين لتوقيع الهدنة في يناير/كانون الثاني، يؤيد هذا السرد للخلافات الخفية حول مصير الاتفاق، فصرح لصحيفة فوكس نيوز صنداي قائلا، إن «حماس كانت لديها كل الفرص لنزع سلاحها، وقبول المقترح المرحلي الذي كان سيمنحنا وقف إطلاق نار لمدة 40 أو 50 يومًا، حيث كان بإمكاننا مناقشة نزع السلاح وهدنة نهائية، إلا أنهم اختاروا عدم القيام بذلك».
لكن نعيم رد على ما وصفه بـ«الرواية الكاذبة»، قائلا: «حماس لم ترفض أي مقترح أو مبادرة. ومع ذلك، أكدت التزامها بالاتفاق الذي وقّعه الطرفان برعاية الوسطاء. فلماذا نلجأ إلى اتفاقيات جديدة، خاصة وأن نتنياهو يُصرّح صراحةً بأنه لا يريد سوى تبادل الأسرى واستمرار الحرب؟».
وأضاف: "هذا أمرٌ مرفوضٌ لدى أي فلسطيني. نريد نهايةً للحرب، وانسحابًا للقوات المعادية من أرضنا، وتبادلًا للأسرى".
وأقر ساعر بأن "حماس لا تزال تسيطر على قطاع غزة"، حتى وإن كانت قوتها "متدهورة بالتأكيد"، إلا أنه أضاف: «الخطة التي نركز عليها الآن هي تدمير حماس وإعادة الرهائن، وأي حل يجب أن يضمن ذلك. هذه الأهداف هي نفسها منذ البداية، ولم يكن هناك أي خلاف بين إسرائيل والإدارة الأمريكية، السابقة أو الحالية، حول هذه الأهداف، وهذا أمر بالغ الأهمية للتأكيد عليه».
وأشار إلى أنه «إذا تمكنا من إيجاد بديل لحماس، حتى في الوقت المؤقت، فقد يكون هناك أمل، والناس في غزة يستحقون العيش في سلام».
aXA6IDE4LjExNy4xMzIuNDkg جزيرة ام اند امز