في شهر مايو من عام 1980م، تأسس مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وكانت الانطلاقة من العاصمة الإماراتية أبوظبي.
وهذا المجلس يشكل في العرف السياسي منظمة تخص إقليم الدول الخليجية العربية سياسيا واقتصاديا وعسكريا وأمنيا، وقد تشكل هذا المجلس من ست دول كلها عربية وتطل على الخليج العربي، وقد اجتمع الآباء المؤسسون لهذا المجلس في أبوظبي لإعلان انطلاقة المجلس وفق معايير وقيم محورية لتحقيق عمليات كبرى ورسم أهداف هذه المنظمة السياسية، وفي مقدمتها تحقيق الاندماج الكامل بين دول المنظومة الخليجية في جميع المجالات.
الدول الست التي تشكل منها هذا المجلس تتمتع بمشتركات سياسية وثقافية واجتماعية واقتصادية، وهذا ما يصعب اكتشاف فروقات كبرى بين دول المنظومة الخليجية، لذلك بقيت هذه المشتركات بوابة كبرى للأمل في تحقيق الإنجازات لهذه المنظومة كما رسمها الآباء المؤسسون، وللتاريخ يجب الاعتراف بأن فكرة تشكيل المجلس لاقت قبولاً كبيراً من قيادات الدول الست عند إنشائه، وهذا ما جعل البداية والانطلاقة قوية وصارمة، وينسب للمجلس بقياداته صموده كل هذه السنوات انطلاقا من عالم سياسي واجتماعي مشترك تم نقله عبر الأجيال.
تعرض المجلس خلال مسيرته التاريخية للكثير من الأزمات والتي تم تجاوز الكثير منها، ولكن المنعطف الأكثر ضراوة في التأثير على منظومة مجلس التعاون أتى بعد تحولات سياسية حدثت في قطر، خاصة تلك التي جرّت المنطقة إلى أشكال متعددة من الاستقطاب الأيديولوجي والإعلامي والعسكري، ما أسهم في نشوء صراع تجاوز المشتركات الخليجية وظهر هناك تسامح سياسي وإعلامي شديد عبر قنوات فضائية تنطلق من قطر لتهاجم بقية الدول الخليجية.
تعاملت الدول الخليجية بكل حكمة مع هذه النزوات السياسية القطرية، ومن أجل تنفيذ الوصايا التاريخية للآباء المؤسسين لهذا المجلس، أبدت الدول الخليجية صبرا وتأنيا مع كل التشققات التي ظهرت على علاقاتها التاريخية، وقد ظهرت هذه المعاناة الخليجية تحديداً في العقدين الأخيرين من القرن الماضي، وقد أسس هذا الانشقاق لتحولات لم تكن متوقعة بين دول المجلس، وظهر أن الصبر بدأ ينفد فكان التعامل السياسي هو أحد الحلول المتوقعة لترويض التجاوزات، هذا التاريخ لا يمكن نسيانه أو التغاضي عنه أو دفنه في أروقة الماضي، والانتقال إلى مرحلة التصالح أمر طبيعي ومطلوب ولكنه لا يلغي أخطاء الماضي بل يصححها.
اليوم وكما يظهر في الأفق الإعلامي والسياسي، تقود المملكة العربية السعودية مساراً لتجاوز الأزمة الخليجية، انطلاقا من مكانة السعودية على اعتبار أنها الدولة الأكبر جغرافيا وديمغرافيا وتاريخيا، وتبدي الدول الخليجية جميعها ثقتها بالمسار السعودي نحو تعزيز الحوار الخليجي وتجاوز الأزمة، ولن يكون ذلك مجرد تجاوز لفظي، ولذلك فإن التجاوز الحقيقي للأزمة كما تريده السعودية وبقية الدول الخليجية هو التأكيد على الولاء للمعايير التاريخية التي وضعها الآباء المؤسسون للمجلس في أبوظبي قبل أربعة عقود.
وقد نكون أمام الفرصة الأخيرة للمحافظة على المجلس في إطاره التاريخي ومهامه السياسية والاقتصادية والأمنية، خاصة أن جميع الدول تعطي المجال للفرصة الأخيرة لكي تحدث ليعود المجلس إلى معاييره وقيمه ويستمر في تحقيق أهدافه، فالدول الخليجية الست بحاجة ماسة إلى أن تنضوي تحت هذه المنظومة من جديد وبأدوات أكثر قوة واندماجا من أجل مواجهة التحديات الدولية التي تنتظر المنطقة والعالم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة