"جدار تطرف وفقر" يقسم ألمانيا بعد 30 عاما من سقوط الحاجز الأكبر
رغم مرور 3 عقود وتحقيق ألمانيا الموحدة قفزات هائلة فإن التباين بين شرقها وغربها لا يزال قائما، وكأن جدارا غير مرئي يفصلهما
في قلب برلين، وبالتحديد في محيط متحف طبوغرافيا الإرهاب، تقف عدة حوائط شاهدة على جدار لطالما كان حديث الناس والإعلام والساسة لعقود، لكنه هوى فجأة في يوم خريفي من عام 1989، وبقت ظلاله تخيم على ألمانيا حتى الآن.
وفي التاسع من نوفمبر الجاري، تحتفل ألمانيا بالذكرى الثلاثين لسقوط جدار برلين الذي كان رمزا للانقسام بين شرق البلاد وغربها طوال حقبة الحرب الباردة "1945-1991".
ورغم مرور 3 عقود وتحقيق ألمانيا الموحدة قفزات اقتصادية هائلة جعلتها البلد الأقوى أوروبيا، فإن التباين بين شرقها وغربها لا يزال قائما، وكأن جدارا غير مرئي يفصل بينهما.
تقول كاتيا مكفايا، وهي ألمانية أربعينية، لـ"العين الإخبارية": "كنت طفلة عندما هتف الناس في شوارع برلين "سقط الجدار"، وعادت المدينة موحدة، لكني الآن أستطيع أن أقول إن التباين بين الشرق والغرب اقتصاديا وسياسيا لا يزال قائما، ولم ينته".
وتتابع: "عليك فقط أن تنظر لأحياء برلين الشرقية والغربية، وترى التباين في المعمار، والشوارع، وكثافة انتشار المتاجر، ونسبة الفقر، لتتأكد أن حاجزا ما يفصل بينهما".
وفي تصريحات صحفية قبل أيام، قال مفوض الثقافة في ولاية برلين، كلاوس ليدرر المسؤول عن تنظيم احتفالات سقوط جدار برلين، إن الأجواء هذا العام ستكون "تأملية" أكثر منها احتفالية.
وتابع: "الروح الإيجابية التي شاهدناها قبل 30 عاما، أو حتى قبل 5 أو 10 أعوام لم تعد موجودة، ومع ذلك فنحن نحتفل، ننظر إلى التاريخ معاً، ونتحدث عن المستقبل".
فوارق كبيرة.. باعتراف الألمان
لا تزال الفوارق بين شرق ألمانيا وغربها كبيرة رغم مرور 3 عقود على سقوط الجدار، حيث يرى ما يقرب من نصف الألمان (48%) أن الاختلافات بين الشطرين تفوق أوجه التشابه، وفق استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "كانتار" لقياس اتجاهات الرأي العام "خاصة"، ونشرته وكالة الأنباء الألمانية، الأربعاء.
وفيما يشعر 71% من الألمان المنتمين لغرب البلاد بأنهم "ألمان"، يشعر بذلك 44% فقط في ولايات الشرق، وفق استطلاع أجراه معهد "النس باخ" (خاص) في أغسطس/آب الماضي. كما أن 47% من سكان شرق ألمانيا يقولون بوضوح إنهم يشعرون بانتمائهم لألمانيا الشرقية أكثر من ألمانيا الموحدة.
وحول نظام الحكم الديمقراطي الحالي، يرى 72% من ألمان الغرب بأنه النموذج الأفضل للحكم، مقابل 31% من ألمان الشرق، وفق الاستطلاع ذاته.
الشرق.. أكثر فقرا وبطالة
ووفق صحيفة "دي فيلت"، فإن هناك فجوة بين ولايات الشرق والغرب فيما يتعلق بالفقر والبطالة، حيث يعيش الهامش الأكبر من إجمالي 12.6 مليون فقير ألماني، في شرق البلاد.
كما أن متوسط الدخل في الغرب أعلى بـ30% من الشرق، ويبلغ متوسط الرواتب في شرق ألمانيا ألفين و317 يورو، مقارنة بـ3 آلاف في الغرب. فيما تبلغ نسبة البطالة في الشرق 6.9%، مقابل 4.8% في الغرب.
وفيما يتعلق بالإنتاجية، فإن متوسط إنتاجية الفرد في ولايات الشرق يبلغ 32 ألف يورو سنويا، مقارنة بـ42 ألفا و971 يورو في الغرب. وبعبارة أخرى، ينتج الشرق 75% من إنتاج الغرب، وفق دراسة لمعهد بيو البحثي الأمريكي نشرت الصيف الماضي.
ووفق تقرير حكومي ألماني نشر مؤخرا، فإنه لا توجد شركة واحدة من شرق ألمانيا على قائمة "داكس 30"، وهو مؤشر البورصة الألمانية الرئيسي. كما أنه لا يوجد شركة عملاقة تملك مقرا في شرق ألمانيا.
ولم يتوقف الأمر عند ذلك، فالفوارق طالت الأمل، حيث يقول 58% من سكان الشرق إنهم لا يشعرون بالتفاؤل حول مستقبل أبنائهم المالي. أما في الغرب فإن 50% يشعرون بالتفاؤل، و50% لا يملكون الإحساس نفسه، وفق معهد بيو.
ولمواجهة التباين في الفقر والبنية التحتية، طالبت زعيمة كتلة حزب الخضر في البرلمان الألماني، كاترين جورينج، بالاستثمار في البنى التحتية في الولايات الشرقية.
وقالت في تصريحات لإذاعة صوت ألمانيا "دويتشه فيلا"، الجمعة، إن "الناس في الشرق لا يثقون بدولة نستهم حاليا".
سياسيا.. الشرق مركز التطرف
وعلى صعيد السياسية، تظهر أيضا الفوارق الكبيرة بين 6 ولايات شرقية (يقطنها 16 مليون نسمة)، و10 ولايات غربية (يقطنها 67 مليون نسمة)، حيث يعد الشرق حاليا بمثابة حاضنة لليمين المتطرف الذي يشهد صعودا كبيرا في ألمانيا.
وعلى سبيل المثال، كانت مدينة كيمنتس الشرقية مسرحا لمسيرات اليمين المتطرف في 2018، التي تخللها اعتداءات صادمة على اللاجئين.
وفي مدينة دريسدن "جنوب شرق"، أعلنت البلدية حالة طوارئ مؤخرا لمواجهة خطر "النازيين الجدد"، ووجدت حركة بيجيدا المعادية للإسلام موضع قدم.
وفي 2017، أصبح حزب البديل لأجل ألمانيا أول حزب يميني متطرف يدخل البرلمان الألماني، بعدما حقق ما يفوق الـ12% من أصوات الناخبين، وبات يملك ثالث أكبر كتلة برلمانية. وحصد الحزب أغلبية أصواته في شرق البلاد.
والشهر الماضي، واصل الحزب طفرته، وحقق نتائج غير مسبوقة في الانتخابات البلدية في ولاية تورنجن "شرق"، حيث حصد 23% من الأصوات وحل في المرتبة الثانية خلف حزب اليسار بـ31%، ومتقدما على الحزب الديمقراطي المسيحي الذي تنحدر منه المستشارة أنجيلا ميركل، بـ21%.
الحكومة الاتحادية تتمسك بالإنجازات
وفي أغسطس/آب الماضي، كان كريستيان هيرت، المفوض الحكومي لشرق ألمانيا، في جولة صيفية بمدن البلاد الشرقية، وحاول إيصال رسالة سياسية للسكان الغاضبين من التباين في مستويات التنمية والمعيشة مع الغرب.
وقال: "رغم المزاج السيئ الذي يخيم على شرق البلاد خلال الفترة الراهنة، كانت عملية توحيد الشرق والغرب بمثابة نجاح كبير لألمانيا"، وفق صحيفة فايننشال تايمز البريطانية.
وتابع: "ألمانيا الشرقية اليوم في وضع أفضل مما كانت عليه في أي وقت مضى"، مضيفا: "يجب أن نتوقف عن استخدام اللغة السلبية، لدينا أسباب عدة لننظر لإنجازاتنا بكل فخر"، حسب ما نقلته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية.
لكن الألمانية صوفي مولر التي تنحدر من ولاية تورنجن الشرقية، تقول لـ"العين الإخبارية": "لا يمكن للحكومة أن تتحدث عن إنجاز حققه الشعب عندما هب لاقتحام جدار برلين قبل 30 عاما"، وتضيف: "نريد من الحكومة الحالية والحكومات السابقة معرفة ماذا فعلوا لكي يحققوا المساواة في التنمية والثروة بين شرق البلاد وغربها".
وتتابع: "نعم هناك تباين بين الشرق والغرب، ويبدو أننا بحاجة إلى شيء استثنائي لهدم حاجز الفقر والتطرف في البلاد".
فيما يرى الطبيب النفسي المنحدر من ألمانيا الشرقية، هانس يواخيم ماتس، أن الألمان الشرقيين يملكون علاقة متحفظة مع الدولة بسبب خضوعهم لعقود لحكم النظام الشيوعي قبل توحيد البلاد".
ويتابع: "الناس في الشرق ينتقدون الرأسمالية والإعلام والنخبة بصفة عامة، ومن ثم هناك حركة احتجاجية ضد هيمنة الغرب السياسية".
وفي 9 نوفمبر 1989، سقط جدار برلين الذي كان يفصل بين شطري المدينة الشرقي والغربي، إثر تحرك شعبي في ألمانيا الشرقية ضد النظام الشيوعي الحاكم "آنذاك"، قبل أن يتم توحيد البلاد رسميا في 3 أكتوبر 1990 بعد مفاوضات طويلة بين ألمانيا الشرقية والغربية.