فريدريش ميرتس.. هل يعيد «وريث ميركل» المحافظين إلى السلطة؟
صبر طويل خاضه فريدريش ميرتس، قائد المحافظين في الانتخابات الألمانية العام المقبل، مر عبر «علاقة صعبة» بأنغيلا ميركل المستشارة الألمانية السابقة، ثم وراثة تركتها.
فمع ترشيحه لمنصب المستشار، أثبت ميرتس على الأقل أنه قادر على حشد كل من الحزب الديمقراطي المسيحي وشقيقه الاتحاد الاجتماعي المسيحي النشط في بافاريا "جنوب"، طرفي الاتحاد المسيحي (تكتل معارض)، خلفه.
لقد استغرق ميرتس وقتاً طويلاً للوصول إلى بطاقة الترشح للمستشارية؛ فقد كان يُنظر إليه على أنه الوعد الكبير الذي لم يتحقق للاتحاد المسيحي، والشخص القادر على قيادة التكتل إلى السلطة مجددا، بعد سنوات من نهاية عهد أنغيلا ميركل قائدة الاتحاد السابقة.
وبدأت مسيرة ميرتس السياسية الأولى في عام 1989 كعضو في البرلمان الأوروبي، قبل أن يصبح في عام 1994 عضوًا في البوندستاغ "البرلمان" الألماني.
في ذلك الوقت، كان هيلموت كول مستشاراً فيدرالياً وزعيماً للاتحاد الديمقراطي المسيحي. وسرعان ما صنع ميرتس لنفسه اسماً كسياسي وخبير مالي ليبرالي.
علاقة صعبة مع ميركل
بعد فضيحة تبرعات ضربت الاتحاد المسيحي، تولى ميرتس رئاسة المجموعة البرلمانية في البرلمان عام 2000، وهذا ما جعله زعيم المعارضة في ذلك الوقت، تماما كما هو اليوم.
ووصف مايكل شبرنغ الذي نظم حملة الاتحاد المسيحي الانتخابية لعام 2002 ما حدث لميرتس، في مقال سابق نشرته صحيفة "هامبورغ أبندبلات"، بالقول: "كانت قصة نموذجية لرجل موهوب، ولكنه متغطرس ومغرور استهان بامرأة ماكرة وحازمة ومتواضعة".
وبعد خسارة انتخابات البرلمان عام 2002، طالبت ميركل زعيمة الاتحاد الديمقراطي المسيحي برئاسة المجموعة البرلمانية، واضطر ميرتس الخاسر إلى الاستسلام وأصبح نائبا لها.
وتبع ذلك صراع صعب، انتهى باستقالة الرجل من جميع المناصب القيادية في الحزب والمجموعة البرلمانية.
لكن ميرتس ظل عضوا في البرلمان حتى عام 2009، لكن المحامي ورجل المال صاحب الباع الطويل، كرس نفسه الآن لمهنته الثانية. أو كما يُقال غالبا في مثل هذه الحالات: لقد علّق اتصالاته السياسية.
بدأ ميرتس العمل محاميا مرة أخرى منذ عام 2002، وعمل في شركات محاماة كبيرة، وأصبح رجلًا ثريًا. ولم يعد ميرتس إلى السياسة إلا عندما انتهت قيادة ميركل للمستشارية الألمانية.
ويقول المراقب السياسي ونائب رئيس تحرير صحيفة "دي فيلت"، روبن ألكسندر: ”فريدريش ميرتس رجل عرفه الألمان منذ فترة طويلة.. لكنهم سينظرون إليه الآن بعيون مختلفة. سيقولون مع كل جملة: هل هذا هو المستشار الذي نريده؟ لذا فإن الاختبار الحقيقي لم يأتِ بعد".
ملف الهجرة
ويركز ميرتس بشكل كبير على موضوعات معينة، خصوصا موضوع الساعة: سياسة اللجوء. ويحظى المرشح للمستشارية بأكبر قدر من التصفيق عندما يتحدث عن مشكلات اللاجئين.
ويشرح ميرتس لجمهوره عن اللاجئين: "لديهم فكرة ثقافية مختلفة، ولديهم صورة مختلفة عن المرأة.. هذه هي الحقيقة في ألمانيا".
هذا هو الصوت الذي نعرفه من ميرتس. الصوت الذي يبقيه في العناوين الرئيسية، لكن غالبًا ما يتعرض لانتقادات بسبب مواقفه المتشددة.
ومن المرجح أن يكون أداؤه في موضوع اللجوء والهجرة أكبر اختبار لميرتس في العام المقبل. إذ يقول عالم السياسة في فرانكفورت توماس بيبريشر: "أنا متشكك فيما إذا كان هذا الموضوع يمكن أن يكون قضية رابحة بالنسبة للاتحاد الديمقراطي المسيحي على وجه الخصوص".
الاتحاد المسيحي يُعد المتهم الأول في قضية الهجرة واللجوء، إذ سمحت رئيسته ميركل، لمليون لاجئ بدخول البلاد في خضم أزمة الهجرة عام 2016، ما عرضها لانتقادات جمة من أقصى اليمين.
ولهذا السبب، وعلى الرغم من تغيير الاتحاد الديمقراطي المسيحي لمساره بشأن الهجرة، لا يستطيع ميرتس إظهار أي نجاحات كبيرة في هذا الملف.
وقال ميرتس نفسه، مرارا وتكرارا، إنه لا يريد أن يجعل الهجرة قضية حملة انتخابية، وإن السياسة الاقتصادية هي القضية الحقيقية بالنسبة له.
ومع ذلك، لا يبدو أن الاتحاد المسيحي على اتفاق تام في هذا الشأن. فزعيم الاتحاد الاجتماعي المسيحي ماركوس زودر يقول بوضوح تام إن ميرتس هو المرشح لمنصب المستشار؛ لأنه أعاد الاتحاد إلى "المسار الصحيح" فيما يتعلق بالهجرة.
وكانت سياسة ميركل بشأن اللاجئين أفسدت العلاقة بين طرفي الاتحاد المسيحي، لكن هذا الأمر قد "عُولج" الآن مرة أخرى، وفق زودر.
عام تحت المراقبة
ولكن في الوقت نفسه، هناك رجل آخر مهم في الحزب الديمقراطي المسيحي لديه رأي مختلف تمامًا، هو هندريك فوست، رئيس وزراء ولاية شمال الراين-ويستفاليا؛ أكبر ولايات ألمانيا، وتحدث في مقابلة مع "دير شبيغل" عن تأييده سياسات الوسط في ملف الهجرة، وهو ما يتعارض مع موقف زودر المتشدد.
وبصورة أو بأخرى، أمام ميرتس عام صعب للغاية حتى الانتخابات المقررة خريف 2025، ربما يرسخ فيه نفسه كأبرز مرشح لقيادة الحكومة المقبلة، أو يخسر تقدم تكتله المريح في استطلاعات الرأي عن بقية الأحزاب؛ إذ يحظى بتأييد 30% من الناخبين.
وفي هذا السياق، يقول كارل شنايدر الذي كان رفيقا لميرتس قبل 50 عاما: "كان حازمًا وقائدًا قويًا". لكن شنايدر يتحدث -أيضًا- عن أكبر نقاط ضعف ميرتس: "إنه يأخذ الأمور أحيانًا على محمل شخصي وربما يحتاج إلى تصحيح ذلك".
ويوضح: "من الآن فصاعدًا، سيكون ميرتس تحت المجهر لمدة عام، وسينظر إليه الألمان بعيون مختلفة عن ذي قبل. عام سيستغل فيه خصومه السياسيون جميع نقاط ضعفه بلا رحمة، عام سيُقال فيه للألمان إن فريدريش ميرتس قد كسب الكثير من المال، ويمتلك طائرة خاصة وليست لديه خبرة في الحكومة".
aXA6IDk4LjgwLjE0My4zNCA= جزيرة ام اند امز