من اليابان لألمانيا.. أزمة الطاقة تعيد الروح لـ"النووي"
تبرز الطاقة النووية مجددا كحل في ظل أزمة الطاقة ومتطلبات الأهداف المتعلقة بالمناخ، فتحظى باهتمام حاليا لدى العديد من الدول من اليابان إلى ألمانيا.
في ألمانيا، يتزايد الجدل حول تمديد عمل 3 محطات نووية متبقية في ألمانيا، لتفادي أزمة طاقة متوقعة في الشتاء.وبسبب أزمة الطاقة التي احتدمت نتيجة الحرب الروسية على أوكرانيا، يدور جدل حاليا منذ شهور حول إذا ما كان يجب إطالة مدة تشغيل محطات الطاقة النووية في ألمانيا لمدة أطول عما كان مخططا لها.
وقالت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك (حزب الخضر)، في مقابلة صحفية نشرت الأحد، إنها ليست مقتنعة بأن محطات الطاقة النووية ستحل مشكلة الغاز لبلادها.
وتابعت "يتم إجراء اختبار الإجهاد حاليًا للشبكات لتحديد ما إذا كان لا يزال بإمكاننا مواجهة مشكلة في الطاقة".
وأوضحت أن أولئك الذين كانوا يتحدثون عن الطاقة النووية يريدون العودة إلى الطاقة النووية.
وأضافت "دفعنا مليارات الدولارات من أجل الإلغاء التدريجي لاستخدام المفاعلات النووية خلال العقد الماضي،و التراجع عن ذلك سيكون جنونا وسيكلفنا أكثر.
ومن المقرر أن يتم غلق آخر ثلاث محطات نووية متبقية في ألمانيا بحلول نهاية 2022.
لكن وزير المناخ روبرت هابيك (حزب الخضر)،وهو من دعاة حماية البيئة، فتح الجدل بإعلانه منذ شباط/فبراير بأنه قد يكون "من المناسب" تأجيل الإغلاق في ظل الحرب في أوكرانيا.
وقبل هذه التصريحات، اعتبر المستشار أولاف شولتز المنحدر من الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم أن تمديد عمر محطات الطاقة النووية، "أمر ممكن". لكن رئيسة الحزب الاشتراكي الديمقراطي، ساسكيا إيسكن التي لا تملك منصبا حكوميا، عارضت ذلك.
لكن وزير النقل السابق أندرياس شوير، وهو منحدر من الاتحاد المسيحي، لا يدعو إلى إطالة عمر المفاعلات القديمة فحسب، بل بناء محطات طاقة نووية جديدة.
وقال في تصريحات لمجلة دير شبيجل الألمانية، الأحد، "صيغتي المقترحة هي ثلاثة زائد ثلاثة زائد ثلاثة"، موضحا "ثلاث محطات للطاقة النووية يجب أن يمدد العمل بها، وثلاثة يجب أن يعاد تنشيطها (أغلقت بالفعل مؤخرا)، وثلاثة يجب بنائها من الصفر".
وتابع"نحن بحاجة إلى مصدر موثوق للطاقة للاقتصاد، وإلا سيستمر تراجع التصنيع في ألمانيا"، مضيفا أن ألمانيا عالقة في الفخ الإيديولوجي لحزب الخضر الذي يرفض معظم عناصره العودة لاستخدام الطاقة النووية.
غير أن خبير الطاقة في فرع ألمانيا لمنظمة جرينبيس جيرالد نويباور رأى أن "تمديد النووي لا يشكل حلا لأزمة الطاقة"، مؤكدا أن هذا المصدر للطاقة له فاعلية محدودة للتعويض عن الغاز الروسي. وأكد أن "الغاز يستخدم بصورة خاصة للتدفئة وليس للكهرباء".
ورغم هذه التصريحات المتباينة، فإن أمر تمديد عمل المحطات النووية الثلاثة المتبقية لم يتم حسمه في أروقة الحكومة.
وفي الأشهر الأخيرة، تراجعت ‘مدادات الغاز الروسية إلى ألمانيا، وسط توقعات بتوقفها مع حلول الشتاء في إطار التوتر بين موسكو والغرب حول حرب أوكرانيا، ما حرك أزمة طاقة في ألمانيا ومخاوف من شتاء صعب.
اليابان
بعد 11 عاما على كارثة فوكوشيما التي حملت على وقف الاعتماد على النووي، عادت هذه الطاقة إلى الواجهة ولم يعد الصناعيون والسياسيون المؤيدون لاستخدام الذرة يخفون تفاؤلهم.
وفي بادرة تحمل رمزية كبرى، تعتزم اليابان نفسها إطلاق ورشة بناء محطات جديدة.
فقد أعلنت حكومتها أنها تدرس الانطلاق مستقبلا في تشغيل "مفاعلات من الجيل الجديد مجهزة بآليات سلامة جديدة"، حرصا على ضمان الحياد الكربوني، إنما كذلك إزاء الارتفاع الحاد في أسعار الكهرباء والغاز منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا.
وتنوي طوكيو في الوقت الحاضر إعادة تشغيل بعض المواقع وتمديد مهلة صلاحيتها، ما يعكس تبدّلا جذريا في موقف بلد كان يستمد أقل من 4% من كهربائه العام الماضي من النووي بالمقارنة مع 30% قبل 2011 حين كان يشغل 54 مفاعلا.
وبات هذا المشروع ممكنا في ظل الظروف الحالية المؤاتية، في وقت يبدي الرأي العام مخاوف من أزمة طاقة وقلقا حيال الاعتماد على واردات الغاز والنفط والفحم.
كما بدلت بعض الدول موقفها بعدما سلكت طريق التخلي عن الطاقة النووية، ومنها بلجيكا التي تعتزم تمديد العمل بمفاعلين لمدة عشر سنوات.
وفي ظل التوقعات بالاعتماد بشكل متزايد على الكهرباء في المواصلات والصناعة والبناء وغيرها، أعلنت عدة دول السعي لتطوير منشآتها النووية، وفي طليعتها الصين التي تملك حاليا أكبر عدد من المفاعلات، وكذلك بولندا وتشيكيا والهند التي تعتزم الحد من اعتمادها على الفحم.
وأفصحت فرنسا وبريطانيا وحتى هولندا عن طموحاتها بهذا الصدد، وفي الولايات المتحدة تشجع خطة الرئيس جو بايدن الاستثمارية هذا القطاع.
وفيما يؤمن النووي المستخدم في 32 بلدا، 10% من توليد الكهرباء في العالم، قامت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في أيلول/سبتمبر 2021 ولأول مرة منذ كارثة فوكوشيما، برفع توقعاتها إلى مضاعفة القدرة الإنتاجية بحلول 2050 في أفصل الحالات.
غير أن خبراء الهيئة الدولية يقرون بأن "نشر النووي في المستقبل قد يواجه قيود الأفضليات الاجتماعية"، إذا أن هذا الموضوع يثير انقساما في الرأي العام بسبب مخاطر حصول حوادث كارثية ومشكلة النفايات النووية التي لم تلق حلا بعد.
ولا تزال بعض الدول مثل نيوزيلندا تعارض استخدام الطاقة النووية، وظهر هذا الاختلاف في الموقف في بروكسل خلال النقاش حول إدراج النووي في قائمة الأنشطة "الخضراء".
ومن المشكلات المطروحة أيضا مسألة القدرة على بناء مفاعلات جديدة تكون كلفتها ومهل إنجازها تحت السيطرة.