2022 عام صدمة الإخوان بألمانيا.. 32 ضربة برلمانية واستخباراتية
"الإخوان تترنح" كلمتان تلخصان حال الجماعة الإرهابية في ألمانيا خلال عام 2022، بعد أن ضربت جذورها عاصفة عاتية في البرلمان والاستخبارات.
عاصفة تشكلت في الفترة ما بين يناير/كانون الأول ومارس/آذار، وضربت قواعد الإخوان الإرهابية في ألمانيا على مدار الـ9 أشهر التالية، بلا هوادة، لتكتب أصعب عام في تاريخ الجماعة على الأراضي الألمانية.
هذه العاصفة تكونت إجمالا، ووفق رصد "العين الإخبارية"، من 8 تقارير أصدرتها هيئة حماية الدستور "الاستخبارات الداخلية"، و٥ مشاريع قرارات قدمها حزبي الاتحاد المسيحي "يمين وسط" والبديل لأجل ألمانيا "شعبوي" في البرلمان.
وفي البرلمان "البوندستاغ" أيضا، قدمت الكتل السياسية المختلفة ١٢ طلب إحاطة حول ظاهرة جماعات الإسلام السياسي وفي القلب منها الإخوان الإرهابية، فيما ردت الحكومة بنحو 5 مذكرات رسمية توضح للنواب أنشطة وتحركات الجماعة وما يدور في فلكها من تنظيمات.
وكان اللافت أيضا خلال العام المنصرم، أن البرلمان الألماني عقد جلستين، إحداهما عامة، والأخرى في لجنة الشؤون الداخلية، لمناقشة ملف الإسلام السياسي والإخوان الإرهابية، ما يدفعنا لتسمية عام 2022 بأنه "عام صدمة الجماعة في ألمانيا".
هذا الوضع يضرب بقسوة كل ما أسسه تنظيم الإخوان على مدار 7 عقود كاملة في الأراضي الألمانية، إذ يعود أول ظهور للجماعة بالبلاد إلى خمسينيات القرن الماضي على يد سعيد رمضان، صهر مؤسس الجماعة، حسن البنا، وزعيم إخوان سوريا في ذلك الوقت، عصام العطار، اللذين استقرا في ألمانيا، ولم يتعرضا لأي مضايقات حول نشاطهما، وفق دراسة للمركز الاتحادي للتعليم السياسي "حكومي ألماني".
وبالتزامن مع اكتمال تأسيس المركز الإسلامي بميونخ والذي مارس عليه نشطاء الإخوان نفوذا كبيرا، تأسست منظمة الجالية المسلمة الألمانية في عام 1958، لتضع لبنة الوجود التنظيمي الإخواني في البلد الأوروبي.
ولعقود بعد هذا التاريخ، كانت ألمانيا ساحة حركة آمنة لقيادات الجماعة، إذ استغلت الإخوان حرية الحركة، ونجحت في تأسيس شبكة من المراكز والمنظمات يصل عددها إلى 50 في عموم ألمانيا، بالإضافة إلى عدد آخر من المساجد ومراكز العبادة، ومنظمات الضغط.
جدل سياسي كبير
لكن عام 2022، كان منذ بدايته مختلفا، إذ شهد يناير/كانون الثاني الماضي، جدلا سياسيا وأمنيا كبيرا حول تقرير نشر عن شراء مؤسسة "أوروبا ترست"، صندوق الإخوان الاستثماري بالقارة الأوروبية، عقارا في حي فيدنج في برلين، مقابل 4 ملايين يورو، وانتقال منظمات إخوانية للعمل من العقار فيما بعد، دون امتلاك الأجهزة الأمنية الإمكانات المطلوبة والتفويض القانوني للتحقيق في أمر هذه الصفقة.
هذا الملف وما يحمله من تداعيات، أبرزها تأسيس بؤرة إرهابية في قلب برلين تضم عددا من التنظيمات المتطرفة، كان محور الجدل السياسي والإعلامي في بداية العام، وتزامن مع بدء صدور تقارير هيئة حماية الدستور.
أول هذه التقارير، والذي نشرته "العين الإخبارية"، أكد أن الهيئة ستواصل وضع تنظيمات وجمعيات الإخوان المسلمين تحت رقابتها وتصنيف الأخيرة "جماعة معادية للدستور"، وبرر ذلك بأن الجماعة "تهدف إلى إقامة نظام سياسي واجتماعي وفقًا لأيديولوجيتها المناهضة للدستور"، وفق التقرير.
وأوضح التقرير "هذه الأيديولوجية، بالإضافة إلى شكل الحكومة الذي تسعى إليه الإخوان، لا يتوافقان مع المبادئ الديمقراطية الأساسية؛ مثل الحق في إجراء انتخابات حرة، والحق في المساواة في المعاملة، وحرية التعبير والحرية الدينية".
هذا التحرك من قبل الاستخبارات الداخلية، قابله تحرك من نوع آخر، إذ قرر المجلس المركزي للمسلمين؛ المنظمة الكبرى التي تضم الجمعيات والمنظمات الإسلامية في ألمانيا، طرد منظمة الجالية المسلمة الألمانية، ذراع الإخوان الأساسية، من عضويته، في أواخر يناير/كانون الثاني، لارتباطها بالجماعة الإرهابية.
كرة لهب تزايدت
كرة اللهب تزايدت حدة وحجما مع الوقت، حتى جاء منتصف مارس/آذار الماضي، حين قدم حزب البديل لأجل ألمانيا مشروع القرار رقم "20/1020"، والذي يدعو الحكومة الفيدرالية إلى منع تمويل منظمات الإسلام السياسي من عائدات الضرائب والتبرعات الأجنبية قدر الإمكان في المستقبل، طالما أن هذا التمويل يحمل شكلا من أشكال التأثير السياسي، وفق ما انفردت به "العين الإخبارية" في حينه.
وبعد ذلك بيومين فقط، ناقش البرلمان الألماني مشروعا مماثلا للاتحاد المسيحي؛ أكبر تكتل معارض في البلاد، وحمل رقم مسلسل (20/1012)، وعنوان "كشف ومنع تمويل الإسلام السياسي في ألمانيا"، والذي استند على قضية عقار "أوروبا تراست" المتفجرة في هذا الوقت.
ويطالب مشروع القرار، الحكومة الفيدرالية، بتوسيع سلطات هيئة حماية الدستور (الاستخبارات الداخلية) في مجال التحقيقات المالية المتعلقة بجمعيات وتنظيمات الإسلام السياسي، بشكل يمكنها من "توضيح النفوذ السياسي والمالي بشكل أفضل، خاصة فيما يتعلق بالإسلام السياسي"، وفق الوثيقة التي انفردت "العين الإخبارية" بنشر مقتطفات منها في وقت سابق.
وفي 10 مايو/أيار، جاء مشروع القرار الثالث تحت عنوان "مكافحة التطرف"، وشمل مكافحة التطرف اليميني واليساري والإسلاموي، وقدمه الاتحاد المسيحي يوم 10 مايو/أيار الماضي، وجرى مناقشته في الجلسة العامة للبرلمان، في الـ13 من نفس الشهر.
طالب المشروع الذي نشرت "العين الإخبارية" مقتطفات منه في حينه، الحكومة الاتحادية، بـ"تقديم خطة عمل ضد الإرهاب والإسلام السياسي، بحيث يتم اتخاذ تدابير فعالة من قبل هيئات حماية الدستور (الاستخبارات الداخلية) للكشف عن التدفقات المالية في جمعيات المساجد والمراكز الدينية أو الثقافية، والتي تعتبر نقاط إنطلاق للإسلام السياسي في ألمانيا".
تمويل الإخوان
ولم ينته شهر مايو/أيار، قبل أن يقدم الاتحاد المسيحي، طلب إحاطة ضد تمويل الإخوان في البرلمان، حمل عنوان "انتشار الإسلاموية في ألمانيا وتمويلها من الخارج"، ونشرته "العين الإخبارية" أيضا في حينه.
هذا الطلب كان مقدمة لـ11 طلبا ’آخرين على مدار العام تناولت أنشطة الإسلام السياسي والإخوان، والتنظيمات التي تدور في فلك هذه الظاهرة، وتمويلها، وروابطها العابرة للحدود مع منظمات وجمعيات مماثلة في دول أوروبية مجاورة.
كما لم تتوقف هيئة حماية الدستور من إصدار تقاريرها التي تتناول، من بين عدة أشياء، أنشطة الإخوان الإرهابية، حتى وصل عددها 8، تحذر بشكل عام من أن الجماعة "تنتهج استراتيجية التأثير على المجال السياسي والاجتماعي بألمانيا"، و"نشر أفكار معادية للدستور والنظام الحر"، و"السعي لتقويض النظام الدستوري الحالي على المدى الطويل".
وفي 19 سبتمبر/أيلول، عقدت لجنة الشؤون الداخلية جلسة استماع ضمت مسؤولين بالاستخبارات وخبراء في شؤون الإسلام السياسي والإرهاب، لمناقشة ملف تمويل الإخوان وتنظيمات الإسلام السياسي الأخرى في ألمانيا.
5 مشاريع حول ظاهرة الإسلام السياسي
بعد ذلك بأيام، وبالتحديد في أكتوبر/تشرين الأول، وصل عدد مشاريع القرارات المطروحة أمام البرلمان لمناقشة ظاهرة الإسلام السياسي وفي قلبها الإخوان الإرهابية، إلى 5 مشاريع، مع طرح حزبا البديل لأجل ألمانيا والاتحاد المسيحي مشروعي قرارين جديدين عن عمل فريق الخبراء المعني بتقديم المشورة لوزارة الداخلية في ملف الإسلام السياسي.
ويطالب المشروعان بإعادة فريق خبراء الإسلام السياسي للعمل فورا، وانفردت "العين الإخبارية" بنشر مقتطفات من المشروعين في حينه.
مشروع الاتحاد المسيحي طالب أيضا بتأسيس مركز توثيق للإسلام السياسي على غرار النمسا، يتولى فحص ودراسة أنشطة منظمات الإسلام السياسي، والإخوان.
كل هذه الضربات سواء من الاستخبارات أو البرلمان أو المجلس المركزي للمسلمين، وضعت الإخوان الإرهابية في ألمانيا تحت ضغوط غير مسبوقة، ومجهر سياسي وإعلامي يرصد كل هفوة وتحرك، ما حد إلى حد كبير من أنشطتها في 2022.
كما أن هذه التحركات، وفق مراقبين، ساهمت بشكل كبير وغير مسبوق، في زيادة الوعي سواء في النخبة السياسية أو بين الشعب الألماني، بخطر الإخوان على النظام العام في ألمانيا، وتشكلت كتلة حرجة تضغط باستمرار من أجل مكافحة وجود الجماعة على الأراضي الألمانية.
وفي ضوء هذه التطورات، يتوقع المراقبون أن تواجه الإخوان واقعا أصعب في 2023، ولن يمهلها العام الجديد وقتا لالتقاط الأنفاس، إذ من من المتوقع أن تتزايد حدة التحركات داخل البرلمان وفي الاستخبارات، ضد الجماعة الإرهابية منذ الأسابيع الأولى في العام الجديد.
aXA6IDMuMTQzLjUuMTYxIA==
جزيرة ام اند امز