"لندن وإسطنبول".. صراع الإخوان على منصب المرشد و"كسر العظام"
الصراع بين أجنحة جماعة الإخوان المتهالكة بلغ أشده مع سعي جبهة إسطنبول "للقفز" على قيادة الجماعة المتشرذمة، ومحاولات جبهة لندن تسمية خليفة جديدة لمنصب "القائم بأعمال المرشد".
معركة دخلت مرحلة "طحن" العظام يخوضها "محمود حسين" الأمين العام السابق لجماعة الإخوان، وزعيم ما يعرف بـ"جبهة إسطنبول"، بإعلان نفسه من جانب واحد "قائما بأعمال المرشد"، وإصداره بيانا يحذر فيه من تجاوزه وتعين أي شخص آخر.
تحركات محمود حسين السريعة يقابلها تلكؤ "غير مفهوم" من جبهة لندن في تسمية خليفة للقائم بأعمال المرشد، بعد وفاة "إبراهيم منير"، واشتعال الصراع على القيادة الجديدة بين العديد من الأسماء والتي من بينها "حلمي الجزار" و"محي الدين الزايط"، وحتى "محمد البحيري"، الذي ظهرت إشارات قوية لتوافق التنظيم عليه مؤخرا، قبل أن تتجه الأمور من جديد إلى القيادي القطبي "صلاح عبد الحق" الذي تتحدث مصادر داخل جبهة لندن عن تسميته رسميًا نهاية ديسمبر/كانون الأول الجاري.
خطوة حسين أثارت العديد من التساؤلات حول تمكنه من السيطرة على الجماعة المنهارة وسعيه لتوحيدها، خاصة أنه أطلق مؤسساته الإعلامية لتجهيز الصف الإخواني لقبوله، ليثبت تموضعه التنظيمي وسيادته على الجماعة، لتضيق الخناق على غرمائه، وتقليل الفرص أمام جبهة لندن، حيث لا يكون حل الأزمة إلا بخروج المرشد، صاحب الحق الأصيل في إدارة الجماعة، أو القبول بالوضع الراهن بدلا من تفتيت الجماعة وتمزيقها.
الصراعات والحروب داخل الجماعة المنهارة والمتشرذمة، والتي وصلت لحد "طحن العظام"، وأحدثها خطوة محمود حسين، اعتبرها خبراء في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، لن تقدم جديدا، ومسألة إعادة ترتيب البيت من الداخل ليست هينة لجماعة ممتدة وممزقة، ولم تعد على قلب رجل واحد.
وحول من سيسبق الآخر ويحمل راية قيادة الجماعة؟ فأوضح الخبراء أن الارتباك الذي أصاب الجماعة جعل من الصعب توقع خطوتها القادمة، خاصة أن "جبهة لندن" ما زال في جعبتها الكثير.
الانشقاق سيستمر
أحمد سلطان، الكاتب والباحث في الإسلام السياسي، يرى أن جبهة لندن لن تتمكن في المستقبل المنظور من الهيمنة على الجماعة، فأمام قادتها العديد من العقبات ستمنعهم من فرض سيطرتهم قريبا.
وقال لـ"العين الإخبارية" "إننا أمام عدة أجنحة لجماعة واحدة، فلم تعد الجماعة التي عرفها الشارع هي ذاتها التي نتحدث عنها اليوم، فالانشقاق طال كل شيء، والهزيمة حطمت أركانها سواء على المستوى الفكري أو التنظيمي أو حتى على الاجتماعي والنفسي".
وتابع أن جبهة لندن تواجه عدة مشكلات وتحديات كبرى ستمنعها من الهيمنة، منها عدم وجود قنوات اتصال كافية بالتنظيم المصري بالداخل، وضبابية المشروع الذي ستحمله في الفترة القادمة، و"المسجونين" وأسرهم وكيف حل الأزمة مع الدولة المصرية، إضافة إلى أنها لا تسيطر على كافة المكاتب في تركيا، وأخيرا غياب "إبراهيم منير" الشخصية المركزية في الجبهة، أضعفها بشكل كبير وحجم قدرتها على السيطرة على الجماعة".
وأوضح أن جبهة لندن تواجه العديد من الصعوبات لكنها لن تذوب أو تتلاشى أو تنضم إلى جبهة "حسين"، فالجبهة لديها شخصيات تاريخية كبيرة، وتملك مقدرات مالية يصعب التخلي عنها، والسيناريو الأقرب استمرار الوضع على ما هو عليه، وأن تتحول الجماعة إلى تنظيمين كاملين مستقلين.
سياسة الاحتواء
وحول الخطوات التي قامت بها جبهة لندن لفرض سيطرتها يؤكد سلطان أن كل ما قامت به هو إعلان "وثيقة سياسية" وتصريحات لرويترز عن توقف الجماعة عن الصراع على السلطة، مما يعني الانسحاب من المشهد السياسي على أمل أن يكون خطوة للسماح لهم بالعودة مجتمعيا".
واستكمل: "هذه الخطوات موجهة للدولة المصرية وللرأي العام، وليست موجهة للصف الإخواني، وبالتالي ما زالت جبهة لندن تبحث عن التموضع التنظيمي السياسي، ولا يوجد لديها برامج لمواجهة فشل المشروع وسقوط النموذج، ولا برامج تربوية تعمل على احتواء القيادات وأبناء الصف الإخواني الذين استهلكوا نفسيا وأمنيا، بعد كافة القرارات الخاطئة والرهانات الخاسرة التي قامر بها قادة الجماعة.
ويرى سلطان أن تأخر جبهة لندن في إعلان اسم القائم بأعمال المرشد الجديد نقطة ضعف وتسمح بنشر الشائعات حولهم، رغم أن الأخبار من داخل الجماعة كانت تؤكد اقتراب تسمية القائم بأعمال المرشد الجديد، وأوصى منير بثلاث شخصيات، أحدهم صلاح عبدالحق، وهو اختيار مثالي رغم العقبات، والتي منها أنه لم يكن مقيما في تركيا ويحتاج إلى توفيق أوضاع إقامته بشكل قانوني، ولم يكن من مجلس شورى الجماعة، ولم يكن قريباً من الأعمال الإدارية طوال الأربعين سنة الماضية مكتفيَا بالعمل بلجنة التربية، كما أن هناك أصواتاً تعترض عليه خوفا من تكرار تجارب المرشد، ويكون مجموعة تدير من خلف الستار، ربما هذا هو السبب الحقيقي لتأخرهم في إعلان القائم بالعمال الجديد.
لا أحد سيقود الجماعة
طارق البشبيشي، القيادي السابق في الجماعة والكاتب والباحث في الإسلام السياسي، يرى أنه لا جبهة لندن ولا إسطنبول يمكنهما قيادة الجماعة، فما واجهته الجماعة من بعد 30 يونيو/حزيران أكبر من الهزيمة وأقل من الإجهاز.
وقال لـ"العين الإخبارية" إن الضربات التي تلقتها الجماعة كافية لأن تتشظى لا أن تنشق فقط، فقد سقطت الجماعة في الاختبار، فكل وعودها بأنها قادرة على الحل فشلت، وكل المنظومة الفكرية لحسن البنا حول التغيير أو إقامة مجتمع جديد تجاوزها الزمن، ولم يعد يجدي معها إصلاحاً أو بعث كيان جديد".
وتابع "لن يجتمع المنشقون في جماعة واحدة أو تحت قيادة واحدة، على الأقل في المستقبل القريب، كل جبهة تحاول فرض رؤيتها وقيادتها على الأخرى، متجاهلتين ما حدث داخل الجماعة، كل هذا في ظل صراع أجيال وأموال وسلطة، وسينتج عنه تحطيم وتكسير للأطر الفكرية والتنظيمية التي كانت تمسك أطراف التنظيم في جماعة واحدة، وما حدث سيجعل من المستحيل جمع الجماعة من جديد، أو تكوين جماعة جديدة بعيداً عن الأوراق المحروقة في المرحلة الحالية".
ويستطرد البشبيشي "أن بعث جماعة الإخوان من جديد يعد مستحيلا، فمحاكاة ما حدث في السبعينيات صعب تكراره، ولم يكن هيمنة فصيل على فصيل أو حتى بعث الجماعة من الرقاد، بل سرقت شباب تنظيمات أخرى وضمهم إلى الإخوان عبر عمليات تحايل كبرى، وخداع انطلت على أمراء الجماعات الإسلامية في ذلك الوقت، وهو ما لا يتوفر في الوقت الحالي، كما أن صراع الإخوان في الخمسينيات والستينيات كان مع أنظمة الدولة، ولم يكن الشعب طرفا فيه، أما الصراع الحالي فبين الإخوان والشعب الذي طردهم في مظاهرات 30 يونيو/حزيران، والإخوان لم ولن ينسوا ما قام به الشعب وسيحاولون العودة للثأر".
وأكد البشبيشي أن الانشقاق سيستمر في ظل غياب المرشد، ولن تستطيع أي من الجبهات فرض هيمنها، وإذا استمر الانشقاق سيظلون مبعثرين إلى أن يفنيهم العمر ويضعف تأثيرهم، والفرصة الوحيدة التي يمكن تعيد الجماعة للتموضع الاجتماعي والسياسي في العامل العربي قائمة على شقين يجب أن يجتمعا معًا، الأول نسيان الشعب المصري والعربي جرائم الجماعة الإرهابية، والثاني فرض التسوية مع الجماعة بعد ضغوط اقتصادية على مصر، والحمد لله أن هذا ما ترفضه القيادية السياسية والإرادة الشعبية حتى الآن.
aXA6IDE4LjIyNC43My4xNTcg جزيرة ام اند امز