تونس 2022.. الاقتصاد لا يتحمل تركة الإخوان "الملغمة" بالكوارث
شهدت تونس خلال 2022 صعوبات اقتصادية وعجزا في المالية العامة وارتفاعا كبيرا في الأسعار مع فقدان المواد الغذائية الأساسية.
وجدت الحكومة الجديدة برئاسة نجلاء بودن نفسها عاجزة أمام تركة الإخوان الكبيرة "الملغمة" بعد تفقير الدولة واستنزافها طيلة العشرية الماضية التي وصفها مراقبون بالعشرية السوداء.
عشر سنوات فقط منذ دخول حركة النهضة إلى تونس كانت كافية لتحدث شللا اقتصاديا غير مسبوق في البلاد منذ أزمة 1984 أواخر فترة حكم الحبيب بورقيبة .
نقص المواد في السوق
طيلة السنة، شهدت تونس أزمة اقتصادية متصاعدة، تسببت في ارتفاع أسعار السلع والخدمات ونقص بعض المنتجات، بسبب تداعيات جائحة كورونا وآثار الأزمة الروسية الأوكرانية حيث بدا النقص في مواد غذائية أساسية واضحا في المتاجر والمراكز التجارية التي صارت تفرض حصصا محددة لكل زبون يريد شراء بضائع مثل الحليب والزبدة والقهوة.
وتشمل المواد التي شهدت نقصا في السوق التونسية طيلة السنة السكر والقهوة والزبدة والحليب والمشروبات الغازية وزيت الطبخ والمياه المعدنية والأرز.
وتحتكر الدولة عن طريق "الديوان التونسي للتجارة" استيراد القهوة والشاي والسكر والأرز وتزويد السوق بها.
أما زيت الطبخ الذي تورده الدولة وتبيعه بسعر مدعم، فقد بات وفق أصحاب متاجر مفقودا بشكل شبه كلي رغم تأكيد وزارة التجارة أنه متوفر.
ويتناول الرئيس التونسي، قيس سعيد، باستمرار ملف غياب سلع أساسية عن السوق، لكنه يعتبر أن سبب النقص هو الاحتكار والمضاربة.
واعتبر نهاية أغسطس/آب أن هناك "تعطيلا في توزيع عدد من البضائع لغايات سياسية"، وأن النقص "لا يتعلق بالقدرات المالية للدولة بقدر ما يتعلق بمحاولة افتعال الأزمات"، وفق بيانات للرئاسة.
أزمة الوقود
كما امتدت الأزمة إلى الوقود، حيث اضطرت العديد من محطات الوقود خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول 2022 إلى إغلاق أبوابها في ظل نفاد الكميات الموجودة وعدم كفايتها لاحتياجات الشعب بعد فشل الحكومة في دفع أثمان الواردات بسبب أزمة موارد العملة الأجنبية.
ومنذ بداية عام 2022، رفعت تونس أسعار المحروقات في أربع مناسبات سابقة، كانت الأولى في الأول من فبراير/شباط، والثانية في الأول من مارس/آذار، والثالثة فكانت في 14 أبريل/نيسان، فيما كانت الرابعة منتصف سبتمبر/أيلول الفارط وفي كل مرة تتم الزيادة ما بين 50 و100 مليما.
وفي شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أقرت الحكومة التونسية زيادة في أسعار المحروقات هي الخامسة خلال العام الحالي، في إطار برنامج تعديل أسعار البترول.
وأرجعت الحكومة التونسية هذه الزيادات لما تشهده السوق العالمية للطاقة من اضطرابات تتعلق بتقلص الإمدادات، وارتفاع كلفة التزود بالمواد البترولية منذ بداية السنة، ليرتفع معدل السعر بالنسبة لخام برنت وفق توقعات السوق إلى 100 دولار للبرميل بحلول نهاية العام من 89 دولارا حاليا.
ارتفاع نسب التضخم
كما شهد التضخم في تونس طيلة هذه السنة نسقا تصاعديا ليبلغ في آخر إحصائيات رسمية 9.8 بالمئة خلال شهر نوفمبر 2022 فيما كان في شهر أكتوبر 9.2 بالمئة.
وهذا الارتفاع بلغ مستوى قياسيا وهو الأعلى منذ أكثر من 3 عقود، بحسب بيانات صادرة عن المعهد الوطني للإحصاء في تونس.
وقالت وزيرة التجارة التونسية فضيلة الرابحي إن ارتفاع نسبة التضخم في تونس يعتبر مقبولا مقارنة ببلدان أخرى التي تجاوزت نسبته فيها 10% .
وفسرت الوزيرة -في حديث مع "العين الإخبارية"- أسباب التضخم بأن تونس تستورد كل احتياجاتها من الخارج مثل الحبوب والزيوت النباتية والأعلاف وبقية المواد الأولية.
إضافة لأن الأسعار العالمية سجلت ارتفاعا وكلفة الشحن كذلك تضاعفت 7 مرات في عديد من القطاعات وكذلك سعر الصرف.
وأكدت الرابحي أنه "لا يمكن حل هذه الأزمة إلا بالعودة إلى العمل والإنتاج وتدعيم التصدير وخلق الثروة والتقليص من الكلفة". وتابعت "نسعى للتحكم في ارتفاع الأسعار عبر العديد من الآليات من أجل تعديل السوق".
ويرى مراقبون للوضع الاقتصادي التونسي أن نسبة التضخم المسجلة خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني تعد أعلى نسبة تحققها تونس منذ ديسمبر/كانون الأول 1984 التي بلغت 10,8 بالمئة.
كما اتسع العجز التجاري التونسي إلى 4.4 مليار دولار في الأشهر السبعة الأولى من العام 2022، من 2.8 مليار دولار في الفترة نفسها من 2021.
يذكر أن الاقتصاد التونسي سجل نموا بنسبة 2.9 بالمئة في الربع الثالث من العام الجاري مقابل 1.7 بالمئة في نفس الفترة من العام الماضي.
خطة إصلاحية
شرعت الحكومة التونسية منذ بداية سنة 2022، في وضع استراتيجية تهدف للخروج تدريجياً من الأزمة الاقتصادية.
كشفت وزارة المالية التونسية عن تفاصيل خطة إصلاحية للسنوات الثلاث المقبلة تتمحور حول أربع أولويات عاجلة تتمثل في مراجعة فاتورة الأجور المرتفعة ونظام الدعم الحكومي وإعادة هيكلة القطاع العام والشركات المملوكة للدولة ونظام الضرائب.
سنة 2022 الأصعب اقتصاديا
ويصنف عام 2022 الأصعب اقتصادياً، غير أن خبراء اقتصاد يتوقعون صعوبات أكثر في 2023 مع بدء تطبيق وصفة صندوق النقد الدولي للإصلاحات الاقتصادية وتواصل شح التمويلات.
وفي أكتوبر/تشرين الأول، توصلت الحكومة التونسية إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على تمويلات لتخفيف حدة الأزمة بقيمة 1.9 مليار دولار سيتم ضخ أول قسط منها في نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول 2022 بينما يطالب الصندوق تونس بإصلاحات قاسية تشمل مراجعة منظومة الدعم والتفويت في عدد من المؤسسات الحكومية وتجميد الرواتب.
وبناء على هذا الاتفاق، تخطو الحكومة التونسية في هذا الاتجاه مع زيادات في أسعار المحروقات بالتزامن مع انفلات في أسعار المواد الغذائية وانخفاض في قيمة الدينار.
ويقول الخبير المالي سالم كشو، أن سنة 2022 كانت الأصعب في تاريخ تونس الحديث.
وأوضح في تصريحات لـ"العين الإخبارية" أن تونس عاشت طيلة هذه السنة وضعا اقتصاديا صعبا، قائلا إنّ "نسبة التضخم خطيرة جدا والوضعية الاقتصادية كارثية". وشدّد على أهمية الاستقرار السياسي والسلم الاجتماعي للتمكّن من تنفيذ الإصلاحات الضرورية.
وأكد أنّ تونس مطالبة العام القادم بسداد أكثر من ملياري دولار من القروض الخارجية، ما قد يشكل ضغطا كبيرا على الموازنة التي لم يتم تحديدها بعد بسبب عدم إيجاد التمويلات الكافية.
وحمل كشو مسؤولية تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد للحكومات المتعاقبة بعد سنة 2011 وعلى رأسها حركة النهضة الإخوانية التي حكمت البلاد طيلة العشرية الأخيرة.
وأكد أن تونس ما زالت لم تسترجع عافيتها الاقتصادية ولم تسترجع مواردها الأساسية من الإنتاج المنجمي والفلاحي والنفطي وكانت عاجزة طيلة هذه على تعبئة مواردها والخروج من الأزمة الاقتصادية الحالية.