جيش ألمانيا و"ثغرات التسلح".. ندوب الماضي تثقل خطى الحاضر
ندوب الماضي تلاحق حاضر ألمانيا في قدراتها العسكرية، تاركة فيها "ثغرات خطيرة"، في وقت تنشد فيه "الجيش الأفضل تجهيزا" في القارة العجوز.
هذا ما حمله تقرير جديد عن التسلح، صادر عن وزارة الدفاع الفيدرالية الألمانية، بحسب ما طالعته "العين الإخبارية" في موقع "بريكينغ ديفينس" الأمريكي المختص بالشؤون العسكرية.
وتحت عنوان "التقرير السادس عشر حول المشتريات المختارة"، أقرّت وزارة الدفاع الألمانية أن لديها ثغرات "خطيرة" في القدرات العسكرية، سببها ثلاثة عقود من نقص التمويل في "وقت السلم"، وأن ملء هذه الفجوات بسرعة لن يكون رخيصا.
كما أن مشروع ميزانية الدفاع لعام 2023 سيتم تحديده بمبلغ 50.1 مليار يورو، أي أقل بمقدار 300 مليون يورو من الإجمالي الرسمي لعام 2022.
ومع ذلك، تتوقع برلين بتفاؤل أن الإنفاق على المشتريات سيزداد بشكل كبير ليصل إلى هدف 15 مليار يورو بحلول عام 2024، قفزا من 9.9 مليارات يورو المقرر إنفاقها على المعدات في عام 2022.
تحول تاريخي
توربين شوتز، زميل برنامج الأمن والدفاع في المجلس الألماني للعلاقات الخارجية، وهو مركز أبحاث للسياسة الوطنية، اعتبر أن قرار ألمانيا بالموافقة على تمويل خاص للأسلحة بقيمة 100 مليار يورو بعد أيام من الحرب الأوكرانية "تحول تاريخي في طموحات الأمن القومي للبلاد".
وقال إن "هذه الخطوة صُممت لتقريب ألمانيا من تحقيق هدف إنفاق الناتج المحلي الإجمالي لحلف الناتو البالغ 2%، والذي لطالما انتقد شركاء التحالف برلين لفشلها".
مستدركا "ولكن أيضا للحصول على معدات جديدة يحتاجها الجيش الألماني بشدة في مواجهة روسيا".
يُشار إلى أن قانون إدخال صندوق الأسلحة الخاص بالجيش والبالغ قيمته 100 مليار يورو "دخل حيز التنفيذ" في الأول من يوليو/تموز الماضي، حسب التقرير.
وبعد أيام من زحف الجنود الروس إلى أوكرانيا، أعلن مستشار ألمانيا أولاف شولتز عن تمويل بقيمة 100 مليار يورو، لتعزيز الدفاعات العسكرية الألمانية وتعويض عقود من نقص التمويل المزمن.
ولكن وفقا لكريستيان مولينج، مدير الأبحاث في المجلس الألماني للعلاقات الخارجية، فإن هذا الرقم البالغ 100 مليار يورو "ليس صحيحا تماما".
فالرجل يقول إنه "التضخم يأكل 10% أخرى من الإجمالي، ويترك 85 مليار يورو"، مشيرا إلى أن "الصندوق الخاص موجود لتمويل تلك القدرات اللازمة لسد فجوات القدرات بين ما وقعته ألمانيا مع الناتو ولم تقدمه حتى الآن".
أفراد ومشاريع
الموقع الأمريكي اعتبر أن تقرير التسلح الصادر عن وزارة الدفاع يؤكد أن ألمانيا لا تزال ملتزمة بزيادة عدد جنودها إلى 203.000 فرد بحلول عام 2031، بعد تعديله من المستوى الحالي البالغ حوالي 183.000 جندي.
إلى جانب التغييرات في الأفراد يتم تقييم إجمالي 19 عملية شراء من قبل وزارة الدفاع الألمانية، بحسب الموقع، بدءا من مشاريع الطائرات المقاتلة، والطائرات المروحية، إلى الفرقاطات والطرادات ومركبات قتال المشاة، والعمليات متعددة الجنسيات مثل النظام الجوي القتالي المستقبلي الفرنسي الألماني والإسباني.
ويكشف التقرير أيضا أنه تم نقل عشر عمليات استحواذ من ميزانية الدفاع الوطني إلى صندوق الأسلحة الخاص، كالغواصة 212، والمروحية الثقيلة للرفع CH-47F، وغيرها.
وفي تعليقه على الجزئية الأخيرة، قال كريستيان مولينج إن "تلك المشاريع لم يتم تمويلها بشكل صحيح قبل تحويلها إلى صندوق الأسلحة الخاص"، موضحا في هذا الصدد "إذا نظرت إلى الوراء في القرارات التي اتخذتها الحكومة السابقة بشأن المشتريات، كان هناك عدد كبير من الأمثلة، حيث لم تغط الميزانية 100٪ من التكاليف ولكن مع ذلك تم اتخاذ قرار شراء المعدات".
وكانت الحكومة الألمانية قد أعلنت في مارس/آذار الماضي، أن الطائرات المقاتلة لوكهيد مارتن ستحل محل طائرات تورنادو ذات القدرة النووية.
ويذكر التقرير الجديد أن خطة التخلص التدريجي لـ"تورنادو" ستكتمل بحلول منتصف 2023.
في المقابل، تعتبر طائرات F-35 الجديدة ضرورية لألمانيا لمواصلة مهام المشاركة النووية.
وعن هذا الأمر، أوضحت أولريك فرانك، زميلة السياسة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، وهي منظمة دولية فكرية: "على الرغم من الموافقة على شراء F-35، فقد واجهت بالفعل عددا من التعقيدات، بما في ذلك تقرير وزارة الدفاع الألمانية الأخير إلى لجنة الميزانية الذي أشار إلى مخاطر التأخير وزيادة التكاليف".
وبحسب توربين شوتز، زميل برنامج الأمن والدفاع في المجلس الألماني للعلاقات الخارجية، فقد "وصفت إحدى المخاطر الصعوبات المتعلقة بتعيين مقاولين مؤهلين بشكل كافٍ وقادرين على المضي قدما في الترقيات اللازمة في قاعدة بوشل الجوية (حيث من المتوقع أن تتمركز طائرات إف-35)"، مشيرا إلى أنه "من غير الواضح إلى حد ما مدى احتمالية حدوث هذه المخاطر خلال السنوات القادمة".
وكانت وكالة رويترز قد ذكرت أن الجلسة القادمة للجنة الميزانية الألمانية، المقرر عقدها في 14 ديسمبر/كانون الأول الجاري، ستقرر ما إذا كانت ستمرر حزمة F-35 بقيمة 10.5 مليارت دولار.
وبغض النظر عن شراء المقاتلة، ستتخذ برلين أيضا قرارا بشأن ما إذا كانت ستنضم إلى برنامج ترقية طائرات الهليكوبتر الهجومية Tiger MkIII قبل نهاية عام 2022، حسب ما ذكر تقرير التسلح.
وفي مارس/آذار الماضي، وقعت كل من فرنسا وإسبانيا على المشروع مع غياب ألمانيا بشكل مفاجئ عن الإجراءات.
والتزم المسؤولون الألمان الصمت إلى حد كبير بشأن القرار، لكن الاهتمام بطائرة بوينج AH-64E Apache Guardian لا يزال سببا واضحا للاعتراض.
ووفق التقرير، اختارت برلين 60 طائرة من طراز بوينج سي إتش-47 شينوك، للاستحواذ على طائرة هليكوبتر ثقيلة طويلة المدى، في يونيو/حزيران الماضي.
وهناك ثلاث طائرات متبقية من طلبية تضم 18 طائرة هليكوبتر للنقل البحري، من المتوقع أن يتم تسليمها بحلول بداية عام 2023.
وتتضمن تحديثات المشتريات الأخرى في الوثيقة الواردة بالتقرير، أول رحلة جوية في يناير/كانون الثاني2027 لشركة "يورو درون". وهي جهود نظام جوي غير مأهول في أوروبا مكون من أربع دول والذي عانى من التأخيرات.
وأشار التقرير إلى أنه من المقرر أيضا تسليم أول طائرة ألمانية من طراز "يورو درون ونظام تحكم أرضي في أبريل/نيسان 2030.
فيما يتعلق بالمسائل البحرية، سيتم تشغيل الفرقاطة F125 الأولى في فئتها بحلول عام 2023، بينما سيتم توفير التمويل لأربع فرقاطات من طراز F126 لتحل جزئيا محل أسطول كورفيت K130 في عام 2023 من قبل صندوق الأسلحة الخاص.
ويعاني الجيش الألماني من قلة ضعف التسليح وقلة الإقبال عليه، وهو الأمر الذي دعا الحكومة تخصيص أموال إضافية لتحديثه بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا في فبراير/شباط الماضي.
وقبل أيام، عقدت المستشارية الألمانية قمة عاجلة مع شركات تصنيع الأسلحة لسد الفجوة في نقص الذخيرة، بعد أن تحدثت تقارير عن عدم كفايتها سوى لثلاثة أيام قتال.
ولا يزال الجيش الألماني يواجه صعوبات كبيرة في الانتقال من حالة إنفاق الحد الأدنى قبل الحرب الأوكرانية إلى إعادة البناء، وسط مطالبات بتغيير هيكل القيادة وجعله احترافيا.
وكان المستشار الألماني أولاف شولتز أكد استعداد بلاده للقيام بدور قيادي في ضمان أمن أوروبا، متعهدا بتحويل جيش ألمانيا إلى "الأفضل تجهيزا" في القارة العجوز.
وألمانيا، التي تطاردها حربان عالميتان، تتقدم دائما بهدوء وخفة على المسرح العالمي عندما يتعلق الأمر بالصراعات والأمور العسكرية.
aXA6IDE4LjIxNy4xNDAuMjI0IA==
جزيرة ام اند امز