الإمارات وألمانيا.. 48 عاما من الشراكة والتعاون
الزيارات المتبادلة بين قادة ومسؤولي البلدين على فترات متقاربة تؤكد التواصل المستمر لتنسيق المواقف تجاه مختلف قضايا المنطقة والعالم
علاقات متميزة وراسخة تجمع الإمارات وألمانيا، بدأت قبل نحو 48 عاما، وتطورت إلى شراكة استراتيجية قوية بفضل حرص قيادتي البلدين على دفعها إلى الأمام في مختلف المجالات.
تجلت مظاهر تلك الشراكة في الزيارات المتبادلة بين قادة ومسؤولي البلدين على فترات متقاربة، والتواصل المستمر لتنسيق المواقف تجاه مختلف قضايا المنطقة والعالم.
وخلال الفترة القليلة الماضية، أجرى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، زيارتين لألمانيا، إحداها في يناير/كانون الثاني الماضي، وسبقتها زيارة في يونيو/حزيران 2019، تم خلالها وضع خارطة طريق لتعزيز العلاقات بين البلدين على مدار 15 عاما المقبلة.
وإضافة إلى الزيارات المتبادلة، يحرص قادة البلدين على التباحث الهاتفي باستمرار، لتعزيز العلاقات الثنائية وبحث القضايا الإقليمية والدولية.
وكانت ألمانيا من أوائل الدول التي رحبت بمعاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل، ووصفتها بأنها "تاريخية"، فيما كان التواصل مستمرا بين قادة البلدين خلال الفترة الماضية لبحث جهود احتواء فيروس كورونا.
وفيما تعكس تلك المباحثات المتواصلة والزيارات المتبادلة، في وقت قريب وقصير، الحرص المتبادل بين الجانبين على تعزيز التعاون وتبادل الرؤى وتنسيق الجهود باستمرار، فإنها تعد في الوقت نفسه أحد مظاهر قوة الشراكة الاستراتيجية بين الدولتين.
تهانٍ خاصة بيوم الوحدة
تلك العلاقات القوية تجسدت في حرص قادة الإمارات على توجيه تهانٍ لألمانيا بمناسبة يوم الوحدة.
وبعث الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الإمارات برقية تهنئة إلى الدكتور فرانك فالتر شتاينماير رئيس جمهورية ألمانيا الاتحادية، وذلك بمناسبة يوم الوحدة لبلاده.
وبعث الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة برقيتي تهنئة مماثلتين إلى الرئيس الدكتور فرانك فالتر شتاينماير.
كما بعث الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان، برقيتي تهنئة بهذه المناسبة إلى المستشارة الاتحادية أنجيلا ميركل.
وتحتفل ألمانيا يوم الثالث من أكتوبر/تشرين الأول بمرور 30 عاما على عودة الوحدة بين الشرق والغرب، وتحقق النمو المشترك والاندماج في العديد من أوجه الحياة.
وتم في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول عام 1990 في برلين التوقيع على اتفاقية الانضمام، التي قررت بموجبها جمهورية ألمانيا الديمقراطية التخلي عن سيادتها مقابل الانضمام إلى جمهورية ألمانيا الاتحادية.
وكانت هذه هي الخطوة الأخيرة لإتمام عودة الوحدة الألمانية، حيث كانت المسيرة إلى هذا اليوم قد بدأت مع مظاهرات يوم الإثنين التي انطلقت في لايبزيج في ألمانيا الديمقراطية DDR في الرابع من سبتمبر/أيلول 1989، وبلغت ذروتها الرمزية مع سقوط جدار برلين في التاسع من نوفمبر/تشرين الأول.
علاقات تاريخية
بدأت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين قبل نحو 48 عاما، وبالتحديد عام 1972، واتسمت على الدوام بالتعاون والاحترام المتبادل فأتاحت فرصا للتنسيق المشترك في مختلف المجالات وتمخض عنها إعلان شراكة استراتيجية بين البلدين في أبريل/نيسان عام 2004.
وشهدت الأعوام الماضية تبادلا للزيارات بين قيادتي البلدين، وعكست ما تشهده العلاقات الثنائية من نمو وتطور مستمرين والتنسيق المستمر بشأن القضايا السياسية المشتركة.
وساهمت الإرادة السياسية القوية والصادقة لدى قيادتي البلدين في تعميق وتعزيز الروابط القائمة، وأظهرت توافقا في المواقف تجاه العديد من القضايا الإقليمية والدولية، وذلك إيمانا منهما بأهمية هذا التوافق الهادف لتحقيق الأمن والسلم الدوليين.
خارطة طريق لـ15 عاما مقبلة
وخلال الفترة الماضية، زار الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ألمانيا يومي 11 و12 يونيو/حزيران 2019، وأجرى مباحثات مع عدد من المسؤولين على رأسهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.
وتناولت المباحثات تعزيز الشراكة الاستراتيجية القائمة بين البلدين.. إضافة إلى عدد من القضايا والمستجدات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
وأشار الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى أن العلاقات الإماراتية-الألمانية قوية ومتنوعة ومتنامية، ونوه بأن ثمة توافقاً بين البلدين حول ضرورة الحفاظ على الأمن الإقليمي، وضمان سلامة الملاحة الدولية.
من جانبها، أشارت مستشارة ألمانيا إلى حرص بلادها على توثيق روابط الصداقة مع دولة الإمارات، والتطلع إلى مزيد من التعاون في المجالات التي تخدم مصالح البلدين والشعبين الصديقين.
وأكدت الإمارات وألمانيا في بيان مشترك التزامهما المشترك بمكافحة التطرف والإرهاب بجميع أشكاله، على الصعيدين الإقليمي والدولي.
كما أكدتا التزامهما "بتعزيز شراكتهما الاستراتيجية"، وذلك عبر العمل على الارتقاء بالعلاقة إلى مستوى "الشراكة الاستراتيجية الشاملة".
وقال الشيخ محمد بن زايد آل نهيان "إن الزيارة إلى ألمانيا تؤكد أن لدينا خريطة طريق جديدة.. 15 سنة مقبلة.. نتطلع إلى أن يتضاعف التبادل التجاري بصورة أكبر".
مجددا زار الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ألمانيا مطلع العام الجاري، وعقد اجتماعاً مع أنجيلا ميركل في 18 يناير/كانون الثاني الماضي خلال زيارة لبرلين بدعوة من المستشارة الألمانية.
وتم خلال اللقاء تناول العلاقات الثنائية المتميزة بين البلدين وسبل دعمها وتطويرها على المستويات كافة والتطورات والمستجدات في منطقتي الخليج العربي والشرق الأوسط خاصة الشأن الليبي، إضافة إلى القضايا ذات الاهتمام المشترك.
وأكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان أن الإمارات وألمانيا شريكتان استراتيجيتان رئيسيتان، وتتسم العلاقات بينهما بالقوة والنمو وذلك بفضل حرص قيادتي البلدين على دفعها إلى الأمام في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية وغيرها.
وبين أن أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط يمثل مصلحة إقليمية وعالمية، بالنظر إلى ما تمثله هذه المنطقة من أهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة إلى العالم كله، مشدداً على موقف الإمارات الداعي إلى الحكمة في التعامل مع كافة التطورات التي تشهدها المنطقة.
وأوضح أن كلاً من الإمارات وألمانيا تلعبان دوراً مهماً في العمل من أجل الاستقرار الإقليمي والدولي.
من جانبها شكرت المستشارة الألمانية الشيخ محمد بن زايد آل نهيان على زيارته لألمانيا، ودوره المهم في تعميق أواصر الصداقة الإماراتية-الألمانية خلال السنوات الماضية.
وأكدت أنها حريصة على التشاور معه بشكل مستمر حول قضايا الخليج العربي والشرق الأوسط، وأن الإمارات وألمانيا تشتركان في العمل من أجل السلام والتنمية وتعزيز قيم التسامح والتعايش ومواجهة التطرف والإرهاب في العالم.
وعلى مدار الفترة الماضية، حرص كل من الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وأنجيلا ميركل على إجراء مباحثات هاتفية متواصلة لبحث سبل تعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة القائمة بين البلدين وتفعيلها بما يحقق طموحات شعبيهما في التنمية والتقدم، إضافة إلى بحث عدد من القضايا والموضوعات ذات الاهتمام المشترك خاصة تطورات انتشار فيروس "كورونا " وجهود احتواء تداعياته وآثاره على المستويات كافة الاقتصادية والإنسانية.
توافق سياسي.. وترحيب بمعاهدة السلام
تلك الزيارات المتبادلة والتواصل المستمر أسهم في توافق كبير بين البلدين في وجهات النظر تجاه عدد من الملفات الدولية الهامة.
ورحبت الحكومة الألمانية بمعاهدة السلام بين دولة الإمارات وإسرائيل، وأكدت أن من شأنها أن تمضي قدما بالتسوية والشراكة بين إسرائيل والعالم العربي.
وأعرب شتيفن زايبرت الناطق باسم الحكومة الألمانية، في تصريح له في برلين، عن أمله في أن تمهد المعاهدة الطريق مجددا نحو حل الدولتين القائم على التفاوض.
من جانبه رحب هايكو ماس وزير خارجية ألمانيا بمعاهدة السلام بين إسرائيل والإمارات، واعتبرها "خطوة تاريخية".
على صعيد العمل الإنساني يجمع البلدان الصديقان أيضا الحرص المشترك على تعزيز دور المساعدات الإنسانية كأحد المرتكزات الأساسية للسياسة الخارجية لهما، حيث تحتل دولة الإمارات لعدة أعوام المركز الأول كأكبر مانح مساعدات إنسانية وتنموية في العالم بالنسبة لدخلها القومي، كما تعد ألمانيا من أكبر المانحين الدوليين أيضا.
أيضا تعد ألمانيا الاتحادية من أهم الشركاء الاستراتيجيين لدولة الإمارات في المجال الصحي والسياحة العلاجية، إذ يسعى البلدان إلى تعزيز العلاقات الثنائية وتطويرها في مختلف المجالات، منها تعميق التعاون بين وزارتي الصحة ووقاية المجتمع في الدولة والاتحادية الألمانية للصحة.
وستحظى ألمانيا بمشاركة متميزة في إكسبو دبي العام المقبل، حيث تبلغ التكلفة الإجمالية لجناحها في المعرض الدولي نحو 50 مليون يورو، ويمتد على مساحة 4500 متر مربع، ليكون بذلك أحد أكبر أجنحة البلدان المشاركة في الحدث ويوفر لزواره رحلة معرفية نحو الاستدامة.
وتتطلع دولة الإمارات وجمهورية ألمانيا الاتحادية للمضي قدما في تطوير علاقتهما الثنائية المتميزة وشراكتهما الاستراتيجية في المجالات كافة، وكذلك العمل سويا نحو ترسيخ دعائم الاستقرار والسلام في المنطقة والعالم أجمع.
تعاون اقتصادي
تلك الشراكة الاستراتيجية لم تنعكس آثارها على المستوى السياسي والإنساني فحسب، بل على الصعيد الاقتصادي أيضا.
ويكتسب التعاون الاقتصادي بين البلدين أهمية خاصة، فألمانيا تعد قاطرة الاقتصاد في القارة الأوروبية وتتميز بتنوعها الاقتصادي وارتفاع مستوى الصناعة وجودة قطاع الخدمات.
أيضا تعد دولة الإمارات مركزا تجاريا وماليا مهما في المنطقة والعالم، وتعمل على بناء اقتصاد متنوع قائم على المعرفة ولديها بيئة مثالية لجذب الاستثمارات الخارجية، وهو ما يشجع الاستثمارات الألمانية للعمل في الإمارات ويساعد على فتح أسواق منطقة الخليج العربي أمام المنتجات الألمانية، حيث تعد الإمارات بوابة تجارية واقتصادية أساسية لدخول أسواق المنطقة.
وتعد دولة الإمارات الشريك التجاري الأول عربيا لألمانيا، فيما تعد ألمانيا أكبر شريك تجاري أوروبيا لدولة الإمارات، وتستحوذ الدولة على ما نسبته حوالي 22% من مجمل التجارة العربية الألمانية.
وشهد التبادل التجاري غير النفطي بين البلدين خلال الفترة من عام 2010 حتى 2017 نموا إجماليا نسبته 60% ووصل إلى نحو 13.45 مليار دولار أمريكي عام 2017.
وتعمل في دولة الإمارات مئات الشركات الألمانية، فضلا عن وجود ما يقارب 14 ألف مواطن ومواطنة من ألمانيا يقطنون في الدولة ويساهمون في مسيرة التنمية.
وتشير الزيادة المطردة في هذه المؤشرات والإحصائيات بوضوح إلى مدى التطور الذي شهدته الشراكة الاستراتيجية القائمة بين الدولتين طوال الفترة الماضية.