شظايا «مثلث الموت» تهدد غانا.. الإرهاب يطوق خاصرة أفريقيا
نفوذ متنامٍ للجماعات الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقي، انعكس على غانا التي كانت معروفة باستقرارها، حتى باتت معرضة لتهديد متزايد من انتشار التطرف والعنف، الذي يتسلل عبر حدودها الجنوبية.
فبعد أن كانت ملاذا آمنا للفارين من الصراعات في دول الجوار، أصبحت تواجه الآن تحديات أمنية جديدة تتطلب يقظة واستجابة سريعة، مع استمرار هروب اللاجئين إلى أراضيها، وسط أوضاع اقتصادية سيئة تعصف بالمنطقة برمتها.
واعتبر خبراء تحدثوا لـ«العين الإخبارية» أن «تدفق اللاجئين من الدول المجاورة، وخاصة بوركينا فاسو، هربًا من العنف والصراعات، أدى إلى خلق بيئة خصبة لتجنيد المتطرفين واستغلال الظروف الاقتصادية الصعبة، وحولها إلى بيئة حاضنة للإرهاب».
وأرجعوا ذلك إلى «الضغط المتزايد على الموارد والخدمات، الذي فاقمته التغيرات المناخية التي أدت إلى اندلاع الصراعات على الأراضي، مما زاد من حدة التوترات الاجتماعية وأضعف قدرة الحكومة على السيطرة على الوضع».
استقبال اللاجئين
وتعتبر غانا التي تقع في المنطقة دون الإقليمية لغرب أفريقيا وتحدها بوركينا فاسو من الشمال إحدى أكبر دول الساحل تعرضا للهجمات الإرهابية من جماعات داعش والقاعدة ونصرة الإسلام والمسلمين المتمركزة في مثلث الموت الحدودي في دول الساحل الأفريقي (مالي وبوركينافاسو والنيجر).
كما أنها كانت من أكثر الدول التي تستقبل آلاف اللاجئين الفارين إليها، بحثاً عن الأمان في العامين الماضيين، ما يزيد الضغط على منطقة الساحل الهشة.
حاضنة للإرهاب
ويرى الخبراء أن مختلف المؤشرات تجعل من غانا بيئة حاضنة محتملة للإرهاب، بسبب تداعيات النزوح الجماعي غير المراقب من بوركينا فاسو.
وأوضحوا أن موجات النزوح الكبرى والمستمرة الناجمة عن تهديد الإرهاب والعنف في بوركينا فاسو ومالي وغيرهما، من شأنها أن تؤثر سلباً على الاقتصادات المنهكة بالفعل في دول الجوار بفعل الفساد، وضعف الإدارة، وقلة الموارد، والاختلالات البنيوية، في وقت لا يمكن لدولة مثل غانا استيعاب أعداد كبيرة من اللاجئين والتعامل مع الهجرة غير المخططة..
ويلزمها تخصيص مبالغ من ميزانيتها العاجزة لتوفير الخدمات الاجتماعية والصحية والأمنية والغذائية لهؤلاء اللاجئين، إضافة لمزاحمة اللاجئين للعمالة الوطنية في الوظائف، وهو ما يثقل كاهل أكرا.
التغير المناخي والقرصنة
وبحسب الخبراء فإن ظاهرة التغير المناخي، وهي أحد أسباب الكارثة، ولعل أحد تجلياتها تتمثل في بحيرة تشاد أكبر مسطح مائي في منطقة الساحل، والتي قُدر انحسار مياهها بنسبة 90% في 60 سنة.
وتشهد درجات الحرارة في حوض بحيرة تشاد ارتفاعا أكبر بمرة ونصف المرة من معدلاتها العالمية.
وأوضح الخبراء أن سوء الأحوال المناخية أدى إلى نشوب صراعات عنيفة بين الرعاة الرحل، الذين يتجهون جنوبا بحثا عن الماء والكلأ، والمزارعين في أحزمة السافانا والغابات المهددين بموجات الوافدين الجدد ومواشيهم الهزيلة.
لكن ما يثير القلق أن ظاهرة القرصنة في خليج غينيا أضحت الآن أحد المهددات الأمنية في غربي أفريقيا.
عزلة الصحراء
وتتقدم عناصر وكتائب الجماعات الإرهابية أبرزها (نصرة الإسلام والمسلمين، وداعش، والقاعدة) بشكل شبه يومي على أراضي بوركينا فاسو، بعد أن فرضت نفسها واقعا معاشا في مالي المجاورة.
فيما اعتبره مراقبون تقدما واضحا يسعى للوصول إلى خليج غينيا الذي تريد هذه التنظيمات الوصول إليه للخروج من عزلة الصحراء وطوقها، إلى فسحة شواطئ البحر التي قد تمتد فيها أعمالها لتصل إلى تهريب الأسلحة، أو إلى القرصنة البحرية مثل ما حدث في الصومال.
ومنذ رحيل التشكيلات العسكرية الأوروبية، وتلك التابعة لدول الساحل، وأخيرا قوات الأمم المتحدة "مينوسما" من مالي، صعّدت هذه الجماعات هجماتها في مالي وبوركينافاسو المجاورة محرزة تقدما لافتا.
وعجزت أمام هذا التقدم الأنظمة العسكرية الحديثة التي انقلبت على السلطة في البلدين، ولا يبدو أن جماعة فاغنر الروسية التي جلبت من قبل دول المنطقة تمثل بديلا أمنيا.
مبادرة أكرا
ومن المعروف أن غانا وبنين وتوغو، أعضاء في مبادرة أكرا، وهو تحالف إقليمي تأسس في عام 2017 بهدف منع انتشار التطرف، وشهدت المبادرة تبادلا مكثفا للمعلومات الاستخباراتية، وعمليات عبر الحدود، وخططا لإنشاء قوة مهام قوامها 10 آلاف فرد مقرها غانا.
لكن أبرز العوائق التي تحول دون نجاح سياسة مكافحة الإرهاب، هو أن حكومات الدول الثلاث ترى التطرف واردا من الخارج، وبالتالي يجب معالجته من خلال زيادة أمن الحدود والتدابير المماثلة، وتضع سياساتها في مواجهة هذه القضية كتهديد خارجي، وتلقي باللوم على دول الساحل.
كما يرجع الخبراء تنامي الإرهاب في هذه المناطق إلى التهميش والفقر والجهل والبطالة والصراع على الموارد وتدهور الأوضاع الأمنية.
غانا مهددة
من جانبه، يرى محفوظ ولد السالك الباحث الموريتاني في الشؤون الأفريقية أن "غانا تعتبر من الدول المهددة بهجمات الجماعات المسلحة منذ سنوات".
وقال ولد السالك لـ"العين الإخبارية" إن "ذلك لعدة أسباب منها موقعها الجغرافي، حيث يحدها خليج غينيا الذي باتت الجماعات المسلحة تهتم به من أجل الحصول على الموارد، ولا يستبعد في هذا الإطار أن تتحالف هذه المجموعات مع مجموعات أخرى تنشط في مجال القرصنة.
وأضاف أن «غانا تحدها شمالا بوركينا فاسو، التي تشهد هجمات مسلحة منذ عقد من الزمان، وتحدها كذلك كوت ديفوار وسبق أن عرفت عدة هجمات، كما تحدها توغو وهي دولة باتت مستهدفة كذلك منذ سنوات».
الموارد الطبيعية
وبحسب الباحث الموريتاني فإن «العامل الثاني الذي يجعل غانا مستهدفة، فهو الموارد، فالدولة الواقعة بالغرب الإفريقي تمتلك ثروات طبيعية مهمة كالغاز والنفط، فضلا عن الذهب والماس، وهي أيضا واحدة من أكبر مصدري الكاكاو في العالم».
واعتبر أن كل ذلك ساهم في جلب العديد من الشركات العالمية إليها، وقال هو ما يدفع إلى الاهتمام بها من قبل الجماعات المسلحة من أجل الموارد.
سواء من خلال السيطرة على بعض نقاط استخراج المعادن، أو من خلال السعي إلى اختطاف الأجانب، وطلب الحصول على فديات مالية.
توسعة النفوذ
ويتفق الدكتور علي يعقوب، الكاتب النيجري في شؤون غرب أفريقيا في أسباب تمدد الإرهاب إلى غانا.
وقال يعقوب لـ"العين الإخبارية" إن "غانا متاخمة لبوركينا فاسو، وإن الجماعات الإرهابية تنتقل إليها بسهولة وبخاصة شمالها وكذلك شمال توغو وساحل العاج".
وأوضح أنهم ينتقلون إليها إما لتوسعة نفوذ انتشارهم أو إذا ضيقت عليهم دول الساحل.
هشاشة أمنية
من جهته، أوضح الدكتور محمد تورشين، الباحث السوداني في الشؤون الأفريقية أن "عمليات الجماعات الإرهابية في الساحل الأفريقي ودول خليج غينيا هي عمليات مرتبطة ارتباطا وثيقا بعضها البعض".
وقال تورشين لـ"العين الإخبارية"، إن "التنظيمات التي تقوم بعمليات في الساحل الأفريقي سواء داعش أو القاعدة أو نصرة الإسلام والمسلمين كلها مرتبطة بمنطقة الساحل، وإن هذه المجموعات ظلت بشكل أو بآخر تحاول نقل عملياتها العسكرية خارج الساحل الأفريقي".
وأضاف أنها "أصبحت تستهدف دول خليج غينيا، في عمليات متكررة في غانا وساحل العاج وبنين وتوغو".
واعتبر أن "هذه الجماعات استغلت حالة الهشاشة والسيولة الأمنية في منطقة الساحل الأفريقي في ظل ضعف الجيوش الوطنية الموجودة".
وقال إن ذلك ساهم بشكل مباشر في استئناف الهجمات الإرهابية في خليج غينيا، معتبرا أن ذلك مؤشر خطير جدا أن الجماعات الإرهابية لن تتوقف ولن يقتصر نشاطها فقط في دول الساحل بل امتد ليشمل منطقة خليج غينيا.
وأشار إلى أن هذه الجماعات بدأت تشعر بشيء من الراحة والعافية الأمر الذي سيسفر عن تمدد أنشطتها واستهدافها لمناطق أخرى.
أسباب رئيسية
بدوره، أوضح الدكتور محمد شريف جاكو الخبير التشادي في الشأن الأفريقي، أن "الأسباب الرئيسية لتمدد الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي، تعود إلى هزيمة الإرهاب في سوريا والعراق، وانهيار دولة الخلافة المزعومة هناك".
وقال جاكو لـ "العين الإخبارية": "حاولت هذه الجماعات البحث عن بديل، وذهبت هذه الجماعات المتطرفة إلى ليبيا عام 2011"، مضيفا أن "الحركات الأزوادية الانفصالية في مالي كانت مع القذافي، ومع مرور الزمن طالب ساركوزي هذه الحركات بالذهاب إلى غرب أفريقيا، وبالذات إلى مالي".
واتهم الخبير "دولا غربية وعلى رأسها فرنسا بتشجيع هذه الحركات للخروج من ليبيا والذهاب إلى غرب أفريقيا".
وقال إن "هذه الحركات الإرهابية وجدت في دول الساحل حرية التنقل في الصحراء وقبائل فقيرة مهمشة غير متعلمة، ما جعلها بالنسبة لهم بؤرة لتجنيد الشباب العاطل، وأنهم وجدوا استجابة وقبول في هذه المناطق".
وأوضح أن "فرنسا بعد الانتهاء من القذافي، وعدت دول غرب أفريقيا بالمساعدة في محاربة الإرهاب، وعندما وصلت هناك، كل التقارير أكدت أن باريس هي التي تمول هذه الحركات بدلا من محاربتها".
وزعم كذلك أن فرنسا «استعانت ببعض جيوش المنطقة كتشاد، لتمكينها من الاستفادة من الموارد الطبيعية الموجودة»، متهما فرنسا بـ«سرقة موارد دول غرب أفريقيا، وأنها اتخذت من هذه الحركات الإرهابية مبررا لسرقتها لهذه الموارد المهمة».
دولة مستقرة
من جانبه، أبان الخبير التشادي، أن "غانا دولة مستقرة منذ فترات طويلة، لا توجد بها انقلابات، وأنها دولة هادئة، ومن أكثر الدول استقرارا في غرب أفريقيا".
وقال إنه "نتيجة هذا الاستقرار حدث هجرة مكثفة إليها من الشعوب التي ضربت من الإرهاب مثل حوض بحيرة تشاد التي يوجد بها أكثر من 20 مليون نسمة من دول تشاد ونيجيريا والكاميرون والنيجر".
وأضاف أنها بحيرة غنية وثاني أكبر بحيرة في أفريقيا، موضحا أن "جماعة بوكو حرام ضربت هؤلاء السكان، وأن حكومات هذه الدول عجزت منذ أكثر من 20 عاما في مجابهة هذه الحركة، ولذلك حدثت هجرة كبيرة جدا إلى غانا"، بالإضافة إلى "المشاكل التي حدثت في دول المثلث الساحلي".
وتابع أن "مالي وبوركينا فاسو والنيجر حاولت التقرب إلى أكرا لإقامة علاقات جيدة، وأرادت النيجر الاستفادة من ميناء غانا لتصدير البترول بعد مشاكلها مع بنين".
ولفت إلى أن "فرنسا تريد أن تتخذ من غانا مقرا للمواجهة لخنق الدول الثلاث للتراجع عن موقفها من رفض الوجود الفرنسي".
واعتبر أن "الضربات الموجعة في الدول الثلاث، جعلت الإرهابيين يرسلون فرقا استطلاعية إلى غانا باعتبارها دولة ليس لها خبرة في محاربة الإرهاب، وليس لها تعاون عسكري مع الدول الثلاث، مع الامتداد الإثني للشعوب بين الدول الثلاث".
وأشار إلى حديث وزيرة خارجية غانا بضرورة مساندة مجلس الأمن لهذه الدول التي عانت كثيرا من الإرهاب.
aXA6IDMuMTQyLjIxMi4xMTkg
جزيرة ام اند امز