خبراء يرسمون لـ«العين الإخبارية» خريطة مناطق «تغذية» الإرهاب بليبيا
على رقعة ليبيا المتخمة بالصراعات السياسية، والمهددة بالمليشيات، يجد الإرهاب ضالته في أماكن بالداخل تمتد للخارج يقف لها الجيش بالمرصاد.
وعلى مدار 10 سنوات، وحتى اليوم، وجه الجيش الليبي ضربات للتنظيمات الإرهابية التي سيطرت في فترات على مساحات واسعة من البلاد، قبل أن يحررها من قبضتها، لتفر جماعات من هذه التنظيمات إلى "ملاذات آمنة" في غرب البلاد ودول مجاورة؛ ما أبقى خطرها متجددا.
وعبر خبراء ومحللين في ملف الجماعات الإرهابية بمنطقة الساحل والصحراء، ترسم «العين الإخبارية» خريطة تمركز تلك العناصر الإرهابية في ليبيا وامتداداتها بدول الجوار، وانعكاس انتشارها على الوضع الأمني الليبي.
- إرهاب على حدود ليبيا.. مسؤول عسكري يكشف لـ«العين الإخبارية» خطط الردع
- بالقنابل.. إرهاب مليشيات غربي ليبيا يستهدف منزل برلمانية
وفي إفادتها الدورية إلى مجلس الأمن في 20 أغسطس/آب الجاري، قالت المبعوثة الأممية بالإنابة ستيفاني خوري إنه في جنوب ليبيا، لا تزال التنظيمات المتطرفة محافظة على وجود لها من خلال الاستفادة من علاقاتها بالجريمة المنظمة المحلية والعابرة للحدود.
ولا تزال ليبيا، خاصة في المدن الغربية، تعاني من جرائم المليشيات المتحكمة في الكثير منها.
نقاط الجذب والتمركز
وفي هذا الإطار، رصد الخبير الليبي الدكتور محمد زبيدة، لـ"العين الإخبارية" نقاط تمركز التنظيمات الإرهابية قبل وبعد عام 2014.
وأوضح أن الجماعات الإرهابية، التابعة لتنظيمي القاعدة وداعش، كانت تتمركز بشكل أساسي في مدن بنغازي ودرنة وسرت، بشرق ليبيا، وسمّتها "الإمارة الإسلامية" أو "الخلافة الإسلامية"، وشكلت أذرعا محلية منها "أنصار الشريعة"، و"مجالس الشورى".
لكن كل هذه التنظيمات تم القضاء على وجودها في شرق ليبيا على يد القوات المسلحة في معارك ضارية، امتدت بين عامي 2014 و2019.
ومن نجا من المعارك فرَّ إلى غرب ليبيا، كما اتخذت هذه الجماعات نقاط تمركز في جنوب غرب ليبيا، في المثلث الذي يربط البلاد بالجزائر والنيجر وتشاد، حيث تتمركز جماعات أخرى تابعة أيضا للقاعدة وداعش، لكن لاحق الجيش الليبي هذه الجماعات.
بعدما تمكن الجيش من الوصول إلى هذه التمركزات، في جنوب البلاد، انقسمت الجماعات الإرهابية إلى قسمين، الأول توجه للخارج، فذهب البعض إلى مالي وانضم إلى الحركات المسلحة في إقليم أزواد، أو إلى نيجيريا لينضم إلى حركة "بوكوحرام"، والآخر توجه إلى غرب ليبيا، خاصة مدن الساحل (المطل على البحر المتوسط)، مثل مصراتة وطرابلس وصبراتة، وفق زبيدة.
وأشار إلى أن المجموعات في المدن الغربية الساحلية لا تزال موجودة تحت مسميات مختلفة، لكن كلها تنتمي للقاعدة وداعش، وبعضها اعتقلته مجموعة "قوة الردع"، بقيادة عبدالرؤوف كارة (من الحركات المسلحة المتحكمة في غرب البلاد) المتمركزة في قاعدة معيتيقة بمطار معيتيقة.
مناطق "التغذية"
الباحث التشادي محمد علي كيلاني، مدير مركز رصد الصراعات في الساحل الأفريقي، يضيف للملاذات ونقاط الجذب المذكورة أعلاه، دولة السودان، قائلا إن "السودان يعتبر من أكثر المناطق الجاذبة لهذه التنظيمات؛ نظرا للعلاقة الوطيدة بين المتطرفين فيه وبين شبكات الإرهاب في العالم".
ويضيف لـ«العين الإخبارية» أن "الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء (الواقعة جنوب الصحراء الكبرى وتمتد من ساحل المحيط الأطلنطي غربا إلى ساحل البحر الأحمر شرقا)، تتغذى على الصراعات المسلحة".
ووفق تعبير كيلاني، فإن الصراع في السودان "جذب تشكيلات إرهابية، ترتبط مباشرة مع تنظيم الإخوان في السودان، لا سيما أن التقارير الإعلامية والاستخباراتية تؤكد أن تشكيلات إرهابية مسلحة دخلت السودان للمشاركة في الحرب الدائرة".
وحسب الباحث التشادي، فإن تقارير أيضا تحدثت عن أن السودان "بات مسرحا للتنسيق بين تشكيلات متطرفة، منها تنظيم الشباب العامل في الصومال، والحوثيون العاملون في اليمن".
ويتفق الكيلاني مع ما ذكره "زبيدة" بشأن انتقال بعض الجماعات الإرهابية من ليبيا إلى مالي، مضيفا أنها كذلك توجهت إلى بوركينا فاسو والنيجر، خاصة بعد الدور الكبير الذي لعبه الجيش الليبي في مكافحة الإرهاب، وبات يسيطر على أهم المنافذ الحدودية بين ليبيا ودول الجوار.
ومن أشهر المسميات التي باتت تنتمي لها هذه الجماعات في منطقة الساحل الآن، يشير كيلاني إلى "الحركة السلفية الجهادية"، وجماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، و"ولاية داعش في الصحراء الكبرى"، و"إمارة الصحراء" التابعة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، و"أنصار الدين"، و"المرابطون"، وتنشط هذه الحركات في مالي وبوركينافاسو والنيجر ودول أخرى تقع في شمال خليج غينيا.
ورغم جهود مكافحة الإرهاب، فإن مدير مركز رصد الصراعات في الساحل الأفريقي يؤكد أن هذه الجماعات "لا تزال تمثل خطرا كبيرا في منطقة الساحل؛ لأنها تستغل صراعات المنطقة في الانتشار والتمدد".
وفي تقرير قدمه الفريق المكلف من الأمم المتحدة برصد أنشطة تنظيمي "القاعدة" و"داعش" وما يرتبط بهما من كيانات، إلى مجلس الأمن الدولي يوم 19 يوليو/تموز الماضي، جاء أنه في ليبيا أدت عملية مكافحة الإرهاب، التي يقوم بها الجيش، إلى تقليص هذه الجماعات بشكل كبير.
غير أنه أشار كذلك إلى لجوء ما يسمى بقادة "جيش الصحراء" في جنوب ليبيا، إلى تمويل نشاطهم عبر الاستخراج غير المشروع للهيدروكربونات، والاتجار غير المشروع بالمواد المعدنية، كما ينشط مئات "الدواعش" عبر محاور السودان وتشاد والنيجر مع ليبيا.