«القوة القاهرة» و«أزمة المركزي».. كيف تؤثران على أموال ليبيا في الخارج؟
أزمة وراء أخرى تتسابق منذ بدء أزمة المصرف المركزي لتضرب الاقتصاد الليبي، ما قد يؤثر على سعر العملة المحلية وتوفير السيولة في الداخل، وتعريض المعاملات الليبية الرسمية في الخارج للخطر، بما فيها ضياع الأموال المجمدة.
فبعد أزمة اقتحام قوة مسلحة خارجة عن القانون، مقر المصرف في العاصمة طرابلس، الأحد الموافق 25 أغسطس/آب الجاري، ردت الحكومة المكلفة من البرلمان الليبي، ومقرها في شرق ليبيا، بإعلان حالة "القوة القاهرة" على جميع الحقول والموانئ والمؤسسات والمرافق النفطية، وتوقف إنتاج وتصدير النفط حتى إشعار آخر.
وقبل انتهاء الساعات الأخيرة من مساء الإثنين، أعلنت شركتا "الواحة" و"سرت" بدء إغلاق الصمامات في آبار حقول سرت والواحة في منطقة الواحات؛ تنفيذا لقرار الحكومة بوقف إنتاج النفط.
قرار إعلان حالة القوة القاهرة على حقول ومؤسسات ومرافق النفط يأتي انطلاقاً من واقع المسؤولية القانونية والاجتماعية الملقاة على عاتق الحكومة الليبية في حفظ وصيانة المال العام، والحفاظ على قوت الليبيين وأموالهم واحتياطاتهم لدى مصرف ليبيا المركزي، وما سيتم تحصيله من إيرادات النفط من الوقوع تحت تصرف ثلة خارجة عن الشرعية، وتستهدف الاستحواذ عليها وتبذيرها.
في الوقت ذاته هناك تداعيات مرتقبة كون النفط المورد الرئيسي لاقتصاد ليبيا؛ وفق ما أفاد خبراء اقتصاد ليبيون، لـ"العين الإخبارية"؛ إذ يشكل 95% من تمويل ميزانيتها، وبلغ إنتاجها من النفط نحو 1.2 مليون برميل يوميا، وقبل الأزمة استهدفت زيادة الإنتاج إلى 1.4 مليون برميل يومياً بنهاية عام 2024، وذلك وفق خطة طموحة أعلنتها المؤسسة الوطنية للنفط، تستمر 3 سنوات.
مستقبل الاحتياطي النقدي والحقول
وفق المستشار الليبي في قطاع النفط والغاز، الدكتور عبدالجليل معيوف، فإن أي نقص في إنتاج النفط سينعكس سريعا على اقتصاد البلاد؛ لأنه العمود الفقري لهذا الاقتصاد.
ويلفت معيوف إلى أن التأثير السلبي لنقص إنتاج النفط سيتضاعف؛ لأنه يأتي في وقت اندلاع أزمة المصرف المركزي، وإذا ما توقفت إيرادات النفط "فإننا نتجه للاحتياطي النقدي في المصرف؛ ما ينعكس على سعر صرف الدينار الليبي، بخلاف أن من يسيطر على المصرف الآن جماعات مسلحة".
كما سيطول أمد الآثار السلبية لغلق حقول النفط، وهو أنه إن استمر الإغلاق، فإنه يعني مشكلات ستواجه عمليات الصيانة وإعادة الآبار للإنتاج، حسب ما يحذر معيوف.
زيادة العجز التراكمي
يتفق مع معيوف، المحلل الاقتصادي الليبي، خالد بوزعكوك، مشيراً إلى أن قرار الحكومة، التي يقودها أسامة حماد، بفرض القوة القاهرة على الموانئ والحقول النفطية؛ ما يعني توقف تصدير النفط، يأتي في وقت تعاني الميزانية من عجز في الأساس، بالإضافة لعجز نحو 2 مليار دولار في الميزانية السابقة، بخلاف العجوزات السابقة، حتى إن العجز التراكمي بلغ 12 مليار دولار.
وعن المشكلات التي ستترتب على استمرار هذا الوضع، يقول بوزعكوك إن الدولة ستواجه مشكلة في تدبير الدولار في بعض المصارف، وسيتراجع سعر الدينار أمام الدولار ، بل وستمتد الآثار لخارج البلاد بارتفاع أسعار النفط بمقدار 3%.
ويضرب المحلل الاقتصادي مثلا على بدء ظهور هذه المشكلات، بأن "المصرف الليبي الخارجي"، الذي يعد الوعاء الرئيسي للعملة الصعبة، حذر من أنه قد لا يستطيع الوفاء بالتزاماته تجاه زبائنه والشركات في القطاع المصرفي، فيما يخص التحويلات وإجراءات تغطية التزامات الاعتمادات المستندية، وغير ذلك؛ ما ستترتب عليه مسؤوليات قانونية تجاه الأطراف المستحقة للسداد.
عواقب ائتمانية
فيما تحدث بوزعكوك عن التأثير السلبي لوقف إنتاج النفط وأزمة المصرف المركزي على الوضع الائتماني لليبيا، والذي هو في الأصل ضعيف ويقع في المؤشر الأحمر؛ ما سيجلب تبعات خطيرة جدا، يتحملها المواطن الليبي الذي يعاني أصلا من ارتفاع نسبة التضخم وأزمة في السيولة وتدبير نفقات الحياة اليومية.
وبالنسبة لوضع المصرف المركزي، يواصل بوزعكوك، فإن اجتماع أزمته مع أزمة النفط، والتشكك في استقلالية المصرف، سيتسببان في عزله عن المنظومة المالية والمصرفية الدولية، ويعرض أموال الدولة الليبية لمزيد من المخاطر، مع ما قد يترتب على ذلك من تنشيط إجراءات قانونية في قضايا مرفوعة ضد الدولة الليبية، تخص الحجوزات وتجميد هذه الأموال في الخارج.
ويوجد لليبيا 200 مليار دولار في عدة بنوك بأوروبا، خاصة في إيطاليا وبريطانيا وبلجيكا وألمانيا، تم تجميدها تحت بند تطبيق عقوبات على نظام حكم الرئيس الراحل معمر القذافي، ولم تفلح المفاوضات والجهود القانونية التي قامت بها ليبيا حتى الآن في فك هذا التجميد.
وزاد على ذلك أن بعض الدول في أوروبا تسعى لأخذ جزء من هذه الأموال تحت بند "تعويضات"، مثل بريطانيا التي طالبت بالحصول على 20 مليار دولار بحجة تعويض ضحايا هجمات نفّذتها حركة الجيش الأيرلندي ضد أهداف بريطانية، مستخدمة أسلحة ليبية.