دعوة «الاتفاق الثلاثي» في ليبيا.. محاولة حل أم مناورة لكسب شرعية؟
بدعوة للتوافق بين الأطراف المتنازعة، طالب محمد تكالة، رئيس المجلس الأعلى للدولة المنتهية ولايته، بالعودة للاتفاق الثلاثي بين المجلس ومجلس النواب والرئاسي الذي رعته الجامعة العربية، كسبيل لحل الأزمة الليبية.
وتباينت آراء محللين سياسيين ليبيين حول الهدف من دعوة تكالة، ما بين مؤيد لها ووصفها بـ"الأمر الممتاز"، ومن اعتبرها "مناورة ومحاولة للقفز من المركب"، بعد الرفض المحلي والدولي الواسع لقرار المجلس الرئاسي بإقالة محافظ المصرف المركزي، والذي أيده تكالة.
- «القوة القاهرة» و«أزمة المركزي».. كيف تؤثران على أموال ليبيا في الخارج؟
- «مركزي ليبيا» على مائدة حفتر والمبعوثة الأممية.. محاولة احتواء ورسائل
وجاء في البيان أن المجلس الأعلى للدولة يرحّب بما جاء في بيان البعثة الأممية بشأن عزمها عقد اجتماع طارئ بخصوص المصرف المركزي، للحفاظ على استقلاليته واستمراره في أداء مهامه، وذلك عبر إعادة تشكيل مجلس إدارته، طبقا لنصوص الاتفاق السياسي الليبي، الموقع في مدينة الصخيرات.
وطالب بالبناء على الاتفاق الثلاثي، آخر الاتفاقات التي تمت بين رؤساء المجالس الثلاثة (النواب والرئاسي والدولة) بتاريخ 10 مارس الماضي، والذهاب إلى تشكيل اللجنة التي اتفقوا عليها برعاية جامعة الدول العربية، على أن يُعهد لها بمراجعة المسائل الخلافية والعالقة؛ للتوصل إلى اعتماد قوانين انتخابات عليها توافق.
دعوة تكالة جاءت بعد بيان لرئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، صدر الثلاثاء، دعا فيه مجلس النواب إلى سرعة اختيار محافظ للمصرف المركزي، في جلسة قانونية علنية وشفافة، وبالتشاور مع المجلس الأعلى للدولة.
ورغم إبداء المنفي "تفهمه" لقلق البعثة الأممية التي رفضت قراره بإقالة محافظ البنك المركزي، فإنه قال إن قراره استند إلى "اختصاصنا بالاتفاق السياسي بتعيين كبار الموظفين"، وفي نفس الوقت، قال إن "المسؤولية الوطنية تحتم علينا حل خلافاتنا، مهما بلغت، بالحوار غير المشروط".
ودعا للتحرك نحو إجراء الانتخابات العامة في مدة أقصاها 17 فبراير/شباط 2025؛ لينتهي الجدل حول الاختصاصات وشرعية المؤسسات.
وبدأت أزمة المصرف المركزي في 18 أغسطس/آب الجاري، بقرار المجلس الرئاسي إقالة محافظ المصرف، الصديق عمر الكبير، وتعيين محمد الشكري، الذي اعتذر لاحقا عن عدم قبول المنصب "حقنا للدماء"، بعد استنفار جماعات مسلحة مع وضد القرار.
أمر ممتاز
وأشاد رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة درنة، يوسف الفارسي، بدعوة تكالة للعودة إلى الاتفاق الثلاثي الذي عقد بالجامعة العربية، بعد البيان القوي من البعثة الأممية.
ويضيف الفارسي، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن البعثة أكدت أن مجلسي النواب والدولة هما من لهما حق التشاور حول تشكيل إدارة مجلس محافظ المصرف المركزي الجديد.
ووصف دعوة تكالة بالبناء على آخر الاتفاقات التي حدثت في مارس/آذار، وهو الذهاب لتشكيل لجنة للتباحث في القضايا العالقة، بـ"الأمر الممتاز"، مشيرا إلى أن الأزمة الأخيرة جعلت المجتمع الدولي يرغب في حل القضايا الخلافية وإنهاء الأزمة الليبية.
ونص الاتفاق الثلاثي، الذي جرى حينها بالتوافق بين رؤساء المجلس الرئاسي محمد المنفي، والنواب عقيلة صالح، والأعلى للدولة محمد تكالة، على وجوب تشكيل حكومة موحدة، تتولى مهمة إجراء الانتخابات، وتوحيد المناصب السيادية، ورفض التدخل الأجنبي في شؤون البلاد.
جزء من الماضي
لكن الباحث السياسي، إدريس أحميد، يعتبر أن اتفاق الجامعة العربية "أصبح جزءا من الماضي، بعد مخالفات المجلس الرئاسي في قضية مصرف ليبيا المركزي".
ويوضح أحميد لـ"العين الإخبارية" أن محمد تكالة "يحاول أن يجعل له وجودا في السلطة، رغم وجود خلاف حول رئاسة المجلس بينه وبين خالد المشري".
وتساءل: "البعثة الأممية ستدعو لاجتماع يعيد ترتيب الأوضاع الداخلية؛ فماذا سيترتب عليه؟ هل التهدئة وحل أزمة المصرف المركزي فقط أم حل جميع الملفات العالقة؟ هذا ما يجب توضيحه".
وفي ذلك، شدد على أن الدور الحقيقي للبعثة يجب أن يكون الضغط على المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية (المنتهية ولايتها ومقرها طرابلس)، بعد أن تراجعت أزمة البلاد إلى نقطة الصفر، ويجب على الجامعة العربية استغلال الفرصة في حال موافقة الأطراف.
محاولة للقفز من المركب
بدوره، رأى المحلل السياسي الليبي، محمد أمطيريد، أن العودة للاتفاق الثلاثي بالجامعة العربية، صعب في هذا التوقيت، في ظل تضخم الأزمة بشكل كبير بين الأطراف، والانقسام داخل مجلس الدولة نفسه.
ويواجه مجلس الدولة أزمة شبيهة بأزمة المصرف المركزي فيما يخص عدم الاتفاق على رئاسته، فبعد أن فاز خالد المشري برئاسة مجلس الدولة في الانتخابات التي جرت الشهر الجاري، رفض تكالة النتيجة، وأكد أنه هو الفائز وهو رئيس المجلس.
ويعتقد أمطيريد أن دعوة تكالة للعودة إلى الاتفاق الثلاثي "هدفها دغدغة مشاعر مجلس النواب أو المجتمع الدولي، والقفز من مركب التحالف الذي يضم رئيسي المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية"، متهما تكالة بأنه "هو نفسه من عطل هذا الاتفاق من قبل".
وفي تقدير المحلل السياسي الليبي، فإن بيان تكالة "سيظل حبرا على ورق، ولن يؤثر في النزاع الكبير، خاصة أنه أصبح نزاعا في التشريعات، وتكالة أيد قرار المجلس الرئاسي (الخاص بتعيينات المصرف المركزي)، وهو محو لمجلس النواب ولاتفاق جنيف"، واصفا الصراع الآن بأنه "في أشده، وكذلك الانقسام داخل طرابلس، والصراع أكبر مما كان عليه في السابق".
وكان مجلس النواب رفض قرار المجلس الرئاسي إقالة محافظ المصرف المركزي وتعيين آخر، معتبرا أن هذا خارج صلاحيات "الرئاسي".