توغو وغانا وبنين.. الإرهاب يستثمر «ثغرات» غرب أفريقيا
تتحرك عواصف الجماعات الإرهابية من منطقة الساحل، جنوبا لتهدد كل المناطق الساحلية في غرب أفريقيا، وتخلق وضعا دوليا مقلقا.
وبحسب مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، نفذت جماعات متطرفة 171 هجوما خلال عام 2023، في دولة بنين الواقعة غرب أفريقيا، وهو ما يمثل زيادة هائلة مقارنة بـ71 هجوما في عام 2022.
الأمر لم يتوقف عند بنين، إذ شهدت توغو، دولة يزيد عدد سكانها قليلاً على 8.5 مليون نسمة، 14 هجوما في عام 2023، وفقا لمشروع بيانات موقع وأحداث الصراع المسلح.
وأسفرت هذه الهجمات عن مقتل 66 شخصا في المجموع، مما يدل على قدرة الجماعات المتطرفة المستمرة على تنفيذ ضربات دامية، كما ارتفعت عمليات الاختطاف من قبل الجماعات المتطرفة في شمال بنين.
ورغم التدخلات الكبيرة التي قامت بها الدول الإقليمية فإن النهج الحالي لمكافحة التطرف العنيف في غرب أفريقيا لا يزال ضعيفا.
ووفق المجلة إذا استمر النهج دون معالجة الأسباب الجذرية للتطرف، بما في ذلك الإقصاء الممنهج للجماعات العرقية المهمشة، وأبرزها الفولاني، من المجتمع، سيستمر الوضع الأمني في التدهور.
في المقابل، اتخذت غانا -جارة بنين وتوغو الأكبر- تدابير واسعة النطاق لمنع تنفيذ مثل هذه الهجمات، بما في ذلك السعي إلى الحصول على مزيد من المساعدة من الشركاء الدوليين، مثل حزمة الدعم الثنائية بقيمة 20 مليون يورو (22 مليون دولار أمريكي) من الاتحاد الأوروبي، والانضمام إلى مبادرات مختلفة لمنع الصراعات.
لكن وجود وامتداد المنظمات المتطرفة المرتبطة بكل من تنظيمي القاعدة و"داعش" يشهد نموا في جميع أنحاء شمال البلاد، وجندت هذه الجماعات مئات الغانيين للقتال في الصراعات الإقليمية وخارجها، بما في ذلك كانتحاريين.
نمو التطرف
يأتي تصاعد التطرف في هذه الدول الواقعة في غرب أفريقيا على الرغم من الجهود المكثفة لمنع انتشار الجماعات المتطرفة من منطقة الساحل إلى المناطق الشمالية بمنطقة الغرب.
وجميع الدول الثلاث، بنين وغانا وتوغو، أعضاء في مبادرة أكرا، وهو تحالف إقليمي تأسس في عام 2017 بهدف صريح هو: منع انتشار التطرف.
وشهدت المبادرة تبادلا مكثفا للمعلومات الاستخباراتية، وعمليات عبر الحدود، وخططا لإنشاء قوة مهام قوامها 10 آلاف فرد مقرها غانا.
لكن أبرز العوائق التي تحول دون نجاح سياسة مكافحة الإرهاب هو أن حكومات الدول الثلاث ترى التطرف واردا من الخارج، وبالتالي يجب معالجته من خلال زيادة أمن الحدود والتدابير المماثلة. وتضع سياساتها في مواجهة هذه القضية كتهديد خارجي، وتلقي باللوم على دول الساحل.
وعلى الرغم من أنه لا يمكن إنكار أن توسع الجماعات المتطرفة مثل جماعة نصر الإسلام والمسلمين (JNIM) وتنظيم "داعش" هو نتيجة مباشرة لعدم الاستقرار في منطقة الساحل فمن غير الممكن إنكار أن التهديد يأتي الآن من داخل غانا وتوغو وبنين، وفق فورين بولسي.
المجلة فسرت ذلك قائلة "المجتمعات الريفية في جميع أنحاء غرب أفريقيا معرضة بشكل فريد لتوسع مثل هذه الجماعات".
جغرافيا التطرف
على الرغم من أن كل دولة لديها مجموعات عرقية مختلفة، لكن الأقليات، بما في ذلك المجموعات ذات الأغلبية المسلمة وغيرها من المجموعات الأصلية تسكن المناطق الشمالية في كل دولة.
ففي غانا يتكون هذا الجزء من السكان في المقام الأول من المجموعات العرقية مثل المولي داجبون والهاوسا والماندي، بينما في بنين وتوغو يسكن هذه المناطق مجموعات مثل الهاوسا والتيم والفولاني شبه الرحل.
ورغم اختلاف خصوصيات كل من هذه المجموعات فإنها تشترك في العديد من الخصائص التي تؤدي إلى التهميش، بما في ذلك نقص التمثيل في الحكومة، وصعوبة الحصول على الوثائق الرسمية، والنظر إليهم باعتبارهم "ليسوا من السكان الأصليين"، والانخراط في صراعات مع السكان الآخرين على الأراضي والموارد.
الأكثر من ذلك هذه المجتمعات غالبا ما يكون لها روابط أقوى مع أقاربها العرقيين في البلدان المجاورة، مقارنة ببقية التركيبة العرقية للبلد الأصلي، وغالبا ما يكون ذلك بسبب الروابط الأسرية والعرقية.
"دوافع ديموغرافية"
يركز الاقتصاد في هذه المناطق الشمالية بشكل كبير على وسائل خارج الاقتصاد الرسمي، مع تجارة واسعة النطاق عبر الحدود مع البلدان المجاورة، بما في ذلك المعادن المستخرجة بشكل غير قانوني، وبيع المنتجات، والرعي الموسمي، وصناعة الأسلحة.
هنا فورين بولسي قالت "هذا يعكس إلى حد كبير الروابط التجارية والطرق التي كانت موجودة لقرون قبل إدخال الحدود الاستعمارية التي خلقت الحدود الحديثة لغرب أفريقيا".
ونتيجة لذلك فإن المناطق الشمالية في البلدان الثلاثة منفصلة إلى حد ما عن المناطق الجنوبية من الناحية الاجتماعية والاقتصادية، وبالتالي فهي منفصلة عن السلطة السياسية والثروة.
يضاف إلى ذلك أن العديد من مواطني غانا وتوغو وبنين ينظرون إلى هذه المجموعات باعتبارها مجتمعات دخيلة ويشار إلى الأحياء التي يسكنها أفراد من الشمال في غانا، باسم "زونغوس" التي لها ترجمات مباشرة مختلفة تعني "أحياء الغرباء" و"المستوطنات المؤقتة".
لذلك، جعلت هذه الديناميكيات الإقصائية مجموعات في جميع أنحاء شمال هذه البلدان، عرضة للتجنيد من قبل المتطرفين، وهذا ما تدركه التنظيمات الإرهابية التي لعبت على المظالم المحلية في التجنيد.
سبل الحل
فورين بولسي ترى أن النهج الحالي في التعامل مع التطرف "فشل في معالجة المشكلة، وفي بعض النواحي يؤدي إلى تفاقمها".
وتابعت "ما لم يتم استبدال النهج العسكري بنهج يركز على التخفيف من الإقصاء الاجتماعي الذي جعل المجتمعات فريسة للتنظيمات الإرهابية، فإن الوضع الأمني سوف يستمر في التدهور".