الغنوشي يعتبر الرئاسة جزءا منه، فهل يُعقل أن يطلب من رجل التخلي عن جزء منه؟ لا سيما أنه يرى بأنها السبيل للوصول للسلطة والهيمنة.
في الوقت الذي ركزت فيه الأطراف السياسية الداعمة لحكومة المشيشي على أهمية الوحدة الوطنية في مواجهة الوضع الصحي والاقتصادي الصعب، ورغم دعوات البعض إلى سحب الثقة من وزير الصحة الحالي بعد تفاقم عدد الإصابات المؤكدة بوباء كورونا، وفشل الوزارة في الحد من الوفيات، يرى الكثير أن تونس تواجه ظروفاً دقيقة وصعبة، وأزمة صحية واقتصادية خانقة، لذلك من الضروري أن يكون أعضاء البرلمان وكل الأطراف السياسية في مستوى مطالب الشعب في ظل الخطر الصحي والوضع الاقتصادي المتأزم، فأهمية رص الصفوف والتحلي بأعلى درجات التوافق تأتي لتحقيق الانسجام الكامل بين مؤسسات الحكم، فعلى الرغم من هذه الأوضاع، فإن الانقسامات والسجالات والمناوشات البرلمانية ما زالت مستمرة، فبعدما أثار رئيس كتلة ائتلاف الكرامة في البرلمان التونسي سيف الدين مخلوف موجة غضب واسعة، لا سيما في صفوف النساء، بعد مهاجمته زميلته عبير موسي "رئيسة الحزب الدستوري الحرّ" ونعتها بكلمات نابية وفاسدة ومنحطة، وعديمة التربية، وغيرها من ألفاظ وسط دعوات لإيقافه، حيث شدّدت جمعية النساء الديمقراطيات على أن تهجم مخلوف على عبير موسي "يؤكد وجود انقلاب على مكتسبات الانتقال الديمقراطي، ويمثل عودة لمسرح العنف واستهداف النساء البرلمانيات ودورهن السياسي، بما يعمق تشويه الحياة السياسية ويفقدها ثقة المواطنات والمواطنين".
إن ما يزيد المشهد التونسي الديمقراطي تعقيداً هو حالة التمرد الداخلية لحركة النهضة التونسية، والمطالبة لرئيسها راشد الغنوشي بالتراجع عن الترشح لرئاسة الحركة واعتزال العمل السياسي، والتي تُعتبر امتدادا للنار التي أضرمتها المعارضة بمقعد راشد الغنوشي في رئاسة البرلمان التونسي، وها هي تصل إلى موقعه في رئاسة حركة النهضة الإخوانية وجردته من سطوته في عقر داره، ما دفع الرجل "العجوز" إلى الاستعانة بأوراقه المحترقة والقديمة لتفادي نهاية كانت تلوح في الأفق، والفرار من شبح ليلة السقوط، لكنه نجا بشق الأنفس من معركة سحب الثقة رئيسا للبرلمان بفضل الديمقراطية التي يتشدق ويتباهى بها في المؤتمر المباشر بعد انتهاء تصويت منح الثقة، حيث يقابل ذلك تصميم على البقاء ورفض وتعنت وامتناع ومقاومة شرسة لهذا المسار الديمقراطي الطبيعي والانقلاب الداخلي، وهو ما يؤكد أن المتعصّب لا يفكّر ولا يمكن أن يتطوّر أو يتنازل، وهو ما يميّز الإخوان عموماً عن غيرهم مهما تظاهروا وأعلنوا أن الديمقراطية شعار لهم، لذا لا أحد يهتمّ ويتمسك برأيه أو قوله المعلوم مثلهم، فهم يَرَوْن بأنه لا يمكن أن يكون الإنسان وطنيّا أو متحضّرا، أو حتّى إنساناً سويًّا ما لم يكن تحت جناحهم وإرادتهم.
الغنوشي البالغ من العمر عتيا، يواجه انتقادات كبيرة داخل حزبه واتهامات باحتكار الحزب وتمويلات، والتفرّد بالرأي من قبل قيادات معارضة والتي باتت تشكل أغلبية بالحركة وتدعوه إلى التنحي عن منصبه واحترام النظام الداخلي للحزب، إلا أنه متمسك برئاسة حركة النهضة، مخالفا بذلك لباس الديمقراطية الذي يرتديه وقتما يشاء ويتظاهر بها ثم بالفرار منها بأساليب غير ديمقراطية وملتوية، لأنه يعتبر الرئاسة جزءا منه، فهل يُعقل أن يطلب من رجل التخلي عن جزء منه؟ لا سيما أنه يرى بأنها السبيل للوصول للسلطة والهيمنة، والوصول إلى أهدافه ومشاريعه الشيطانية المرتبطة بتركيا وقطر والخراب الإخواني، حتى لو بلغ به الأمر خوض حرب طاحنة لقمع نظرائه في الحزب، والتمرد على الجماعة والدولة معاً حتى لو بات معزولاً داخل حركته، فقد يذهب إلى أن يغامر بإنشاء حزب جديد ليعود إلى المشهد من جديد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة