فرار غصن.. الصدمة في اليابان ولا علم لفرنسا ولبنان
الخارجيتان الفرنسية واللبنانية تنفيان معرفتهما بطريقة خروجه من اليابان، والأخيرة أكدت أنه دخل بيروت بطريقة شرعية
يعمّ الذهول اليابان الثلاثاء، بعد تمكّن رجل الأعمال كارلوس غصن، أحد أشهر الشخصيات في العالم، من الفرار من البلاد دون أن يتم رصده، مثيراً تساؤلات حول كيفية نجاحه بتنفيذ ذلك وحول مصير محاكمته.
ونفت الخارجيتان الفرنسية واللبنانية معرفتهما بطريقة خروجه من اليابان، وأكدت الأخيرة أنه دخل بيروت بطريقة شريعة، لكن في ظل غياب اتفاقية لتسليم مطلوبين بين بيروت وطوكيو، ليس من المرجح أن تتم إعادة غصن إلى اليابان.
وأفلح قطب السيارات السابق البالغ من العمر 65 عاماً الذي يحمل 3 جنسيات (لبنانية وفرنسية وبرازيلية)، بالخروج من الأرخبيل، حيث كان قيد الإقامة الجبرية، دون أن يلحظ أحد ذلك.
بينما كان غصن يستعد لجلسة محاكمته بكل جدّ، وفق فريق دفاعه، ويبدو، بحسب مقربين منه، منكباً على تطبيق كل القواعد المفروضة عليه، (لا إقامة خارج منزله، ولا تواصل مع زوجته، وعدم مغادرة طوكيو لأكثر من ثلاثة أيام)، أذهل فراره العالم.
وقال محاميه الرئيسي جونيشيرو هيروناكا إنه علم بالخبر من "التلفزيون"، معربا عن "صدمته".
وصرح المحامي لوسائل الإعلام وقد بدا عليه التأثر: "طبعاً هذا غير مقبول، لأنه خرق لشروط إطلاق سراحه المشروط، وغير قانوني بنظر القانون الياباني. مع ذلك، فإن القول إنني لا أفهم مشاعره قصة أخرى".
وتمّ توقيف غصن في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2018 لدى هبوط طائرته الخاصة في طوكيو.
وقضى 108 أيام قيد الاحتجاز قبل أن يتم إطلاق سراحه بكفالة.
وبعد وقت قصير، أعيد توقيفه مع توجيه الادعاء تهما جديدة إليه، ليعاد إطلاق سراحه بكفالة مجدداً بعدما قضى 21 يوماً إضافياً في السجن.
وينفي غصن كل التهم الموجهة إليه، ويشير إلى أن عمليات الدفع التي قام بها من أموال نيسان كانت لشركاء في المجموعة، وتمت الموافقة عليها، وأنه لم يستخدم يوماً بشكل شخصي أموال الشركة.
وسمحت المحكمة لغصن الشهر الماضي بالتحدث إلى زوجته عن طريق الفيديو عبر الإنترنت.
وكانت تلك المرة الأولى منذ 8 أشهر، وفق ما أفاد متحدث باسم العائلة.
ومن جانبها، أكدت وزارة الخارجية الفرنسية الثلاثاء، في بيان، أن فرنسا لم تتلقَّ أي معلومات حول فرار الرئيس السابق لتحالف رينو-نيسان كارلوس غصن بعد وصوله المفاجئ إلى بيروت.
وأوضحت الوزارة في بيان مقتضب أن "السلطات الفرنسية تبلّغت عبر الصحافة بوصول كارلوس غصن إلى لبنان.. وهو ملاحق قضائيا في اليابان ويخضع لتدابير تهدف لمنعه من مغادرة الأراضي اليابانية".
وتابعت أن "السلطات الفرنسية لم تتبلّغ بمغادرته اليابان ولم تكن أبدا على علم بظروف هذه المغادرة".
وأوضحت الخارجية الفرنسية في بيانها أن غصن "استفاد من الحماية القنصلية على غرار كل الرعايا الفرنسيين، منذ لحظة توقيفه في اليابان".
وتابعت أن "وضعه وتطبيق عدد من المبادئ القانونية كانا محطّ اهتمام سفارتنا في طوكيو ومتابعتها"، مضيفة أن السفارة كانت على "تواصل منتظم" مع غصن ومحاميه.
ومن جهتها، أكدت السلطات اللبنانية، الثلاثاء، أن رجل الأعمال اللبناني - الفرنسي - البرازيلي كارلوس غصن الذي فرّ من اليابان، حيث كان قيد الإقامة الجبرية في انتظار محاكمته بمخالفات مالية، دخل لبنان "بصورة شرعية"، مؤكدة أن لا شيء يستدعي ملاحقته.
وصدر عن المديرية العامة للأمن العام بيان جاء فيه "كثرت في اليومين الماضيين التأويلات حول دخول المواطن اللبناني كارلوس غصن إلى بيروت".
وتابعت: "يهم المديرية العامة للأمن العام أن تؤكد أن المواطن المذكور دخل إلى لبنان بصورة شرعية، ولا توجد أي تدابير تستدعي أخذ إجراءات بحقه أو تعرضه للملاحقة القانونية".
وأكدت وزارة الخارجية اللبنانية بدورها أن كارلوس غصن "دخل إلى لبنان فجر أمس بصورة شرعية".
وتابعت، أن "ظروف خروجه من اليابان والوصول إلى بيروت غير معروفة منّا وكل كلام عنها هو شأن خاص به".
ظلم واضطهاد سياسي
وذكرت قناة "إن إتش كاي" اليابانية العامة نقلاً عن مصدر لم تذكر هويته، أن "وكالة خدمات الهجرة أكدت أنها لا تملك أي أثر" (معلوماتي أو فيديو) لشخص اسمه كارلوس غصن غادر البلاد.
ويحتجز محامو غصن اليابانيين جوازات سفره الرسمية الثلاثة لضمان احترامه شروط إطلاق سراحه.
وأكد الثلاثاء محاميه هيروناكا أن الجوازات لا تزال بحوزتهم، ما يدعو الى الاعتقاد أن غصن فرّ باستخدام أوراق أخرى.
وأكد مصدر في الرئاسة اللبنانية لـ"فرانس برس" في بيروت الثلاثاء، أن غصن وصل على طائرة جاءت من تركيا، مستخدماً جواز سفر فرنسيا وبطاقة هويته اللبنانية.
وظهرت انتقادات صادرة عن نواب يابانيين على وسائل التواصل الاجتماعي. وعدّ ماساهيسا ساتو من الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم أن "سماح بلد بمثل هذا الخروج غير القانوني يطرح إشكالية".
ويجد المدعون العامون اليابانيون أنفسهم عاجزين أمام الحدث.
ويرى هيروناكا أن النتيجة المنطقية لفرار غصن هي إلغاء إطلاق سراحه المشروط، وحجز القضاء للأموال التي سددها والبالغة قيمتها تقريبا 12 مليون يورو.
لكن في ظل غياب اتفاقية لتسليم مطلوبين بين بيروت وطوكيو، ليس من المرجح أن تتم إعادة غصن إلى اليابان.
وحتى ولو كافح المدعون لاستعادته ومحاكمته، فإنه سيكون من الصعب إثبات التهم الموجهة ضده في الخارج، خصوصاً في لبنان المستعد للدفاع عن مواطنه، وفق ما شرح لوكالة الأنباء الفرنسية المدعي العام السابق والمحامي نوبيو غوهارا غير المرتبط بالملف، لكن الذي يقوم بتحليل عناصر القضية منذ البداية.
ويرى غوهارا أن "هناك أمرا واحدا مؤكدا. بالنسبة للمدعين، الوضع شديد الخطورة. يجب أن تشعر شركة نيسان بالخوف، وكذلك المدعون".
ويضيف: "فريق الدفاع فقد اعتباره تماماً.. لقد تعهدوا للقاضي بأن غصن سيبقى في اليابان كشرط من شروط إطلاق سراحه، واحتفظوا بجوازات سفره، لكنه غادر مع ذلك".
وليست محاكمته غيابياً خياراً في اليابان، وفق المحامي الذي يعتبر أن فرار غصن هو نتيجة لنظام قضائي لا يترك أملاً بوجود منفذ.
واعترض غصن وعائلته منذ توقيفه على الأساليب اليابانية، واصفين النظام الياباني بـ"عدالة الرهينة". وكذلك اعتبر فريق دفاعه الفرنسي.
وبذل المدعون العامون من جهتهم أقصى جهودهم لكي لا يتم الإفراج عن غصن، مستندين خصوصاً إلى احتمال أن يغادر البلاد إذا أطلق سراحه.
وقال غصن في البيان الذي نقله المتحدثون باسمه في طوكيو مع رحيله: "أنا لم أعد بعد اليوم رهينة لنظام قضائي ياباني متحيز، حيث يتم افتراض الذنب، وحيث التمييز موجود على نطاق واسع وحيث حقوق الإنسان تنتهك، في تجاهل تام للقوانين والاتفاقات الدولية التي تصادق عليها اليابان والملزمة باحترامها".
وأضاف: "لم أهرب من العدالة، لقد حررت نفسي من الظلم والاضطهاد السياسي".
وتابع: "يمكنني أخيراً التواصل بحرية مع وسائل الاعلام، وهو ما سأقوم به بدءاً من الأسبوع المقبل".
aXA6IDMuMTM4LjM3LjQzIA== جزيرة ام اند امز