النفخ في الزجاج.. تراث لبناني يقاوم الانصهار في أفران أزمة اقتصادية
هنا معمل زجاج يدوي يقف محافظا على استمرارية صناعة تواجه خطر الاختفاء، خاصة في ظل اعتبار صناعة الزجاج بواسطة النفخ جزءا من التراث اللبناني، لكن عراقتها هذه لم تمنع شبح الاندثار من تهديدها.
المعمل المتواجد في الصرفند - جنوبي لبنان، يعود إلى عائلة "خليفة"، الذي اشتهر بصناعته المتقنة وقطعه المبهرة، إذ تنتج أيدي العاملين تحفا فنية تجذب الأنظار بأشكالها وألوانها.
"تقتصر عائلة خليفة في فتح معملها على الطلبيات، من هنا قد يمر أشهر دون إنتاج، وزادت الأوضاع الصعبة من فترات الإغلاق". هكذا تقول نسرين خليفة لـ"العين الاخبارية"، مضيفة: "عند كل طلبية، يجري تسخين الفرن المؤلف من حجر قرميد ناري على مدى 48 ساعة لكي يصل إلى حرارة 1400 درجة، ويحتاج في اليوم الواحد إلى 3 براميل من المازوت".
وواصلت: "بعدها نضع الزجاج المهشم الذي يستغرق 24 ساعة كي ينصهر ويصبح كالعجين، ويمكننا حينها تطويعه، ثم تٌلتقط كرة ذائبة على طرف أنبوب من الفولاذ المزيبق ليبدأ النفخ فيها بهدف صنع الشكل الذي نريد، مع إعادة تسخين هذه الكتلة للحفاظ على مرونتها والتلويح بها في الهواء".
وتضيف: "عندما تأخذ القطعة شكلها النهائي يبدأ تبريدها تدريجيا كي لا تتحطم، فنقلها من درجة حرارة 700 إلى 20 درجة مئوية يؤدي إلى كسرها خلال ثوان، من هنا نضعها في مشواة تخفض حرارتها تدريجيا من 700 إلى 600 درجة، ثم 500، وهكذا حتى الـ100، وكل مرحلة تستغرق ساعة، وذلك قبل نقلها للخارج".
تحتاج هذه المهنة، بحسب نسرين، إلى "صبر لتحمل شدة نار الفرن، إضافة إلى الدقة والاتقان"، لافتة إلى أنه "ليس من السهل تعلمها، فالأمر يستغرق سنوات".
وأردفت: "في معلمنا يعمل 11 شخصاً يتميزون بحرفيتهم العالية"، مشددة أنه "على عكس المصانع الحديثة التي تعتمد على قوالب جاهزة، نحن نصنع قطعنا يدوياً من الألف إلى الياء، ننتج أشكالاً مختلفة عديدة، معتمدين على الفن والإبداع، كما يتم صبغ هذه القطع الزجاجية بواسطة المواد الأوكسيدية، ما يمنحها اللون الذي نريد".
وأشارت: "نصنع البلورات المزركشة، والأباريق الخزفية، والمناضد والكؤوس الزجاجية الملوّنة، لمختلف المناسبات مثل الأعراس وتذكارات الولادة، وكذلك نلبي طلبيات للمطاعم والفنادق وغيرها".
أهم ما في هذه الصناعة، بحسب نسرين، أنها "صديقة للبيئة، كونها تعتمد على مخلفات الزجاج، إضافة إلى بعض الملونات"، ومع ذلك، وفقا للسيدة ذاتها "هذه المهنة مهددة بالانقراض لأسباب عدة؛ أهمها الأوضاع الاقتصادية الصعبة، ومنافسة البضائع الأجنبية التي تغزو الأسواق، وغياب دعم الدولة".
واختتمت حديثها مشددة: "رغم ذلك سنبقى نقاوم لتوريثها إلى أبنائنا كونها من تراث العائلة".