انطلقت نهاية هذا الشهر أعمال المؤتمر الدولي رفيع المستوى حول تسوية القضية الفلسطينية، وذلك بمشاركة واسعة من وزراء الخارجية، وممثلين من منظمات إقليمية ودولية، على رأسها الأمم المتحدة، الداعمة لحل الدولتين.
ويُعقد هذا المؤتمر في لحظة حاسمة تمر بها القضية الفلسطينية، خصوصًا في ظل التصعيد العسكري المستمر في قطاع غزة، وتدهور الأوضاع الإنسانية، واستمرار الجمود السياسي منذ سنوات.
يأتي انعقاد هذا المؤتمر الدولي في وقت يشهد فيه العالم تصاعدًا ملحوظًا في التوترات في الشرق الأوسط، وخصوصًا في الأراضي الفلسطينية، حيث استمرت الحرب في قطاع غزة لأشهر، مخلفة آلاف القتلى والجرحى، وتدميرًا شبه كامل للبنية التحتية. ومع تزايد الدعوات الدولية لوقف إطلاق النار، واستئناف المسار السياسي، يُعتبر المؤتمر خطوة مهمة نحو محاولة إعادة إحياء عملية السلام المتوقفة، ووضع أسس واضحة لتنفيذ حل الدولتين، الذي تُجمِع عليه معظم القوى الدولية كحل عادل ودائم للصراع. وأي خطة للحل لا بد لها أن تستند إلى المبادئ التالية:
وقف الحرب: وهو الهدف العاجل الذي يحظى بالأولوية القصوى، حيث تسعى الأطراف المشاركة إلى التوصل إلى هدنة إنسانية دائمة، تتيح دخول المساعدات الإنسانية، ووقف نزيف الدم، والعمل على إعادة الإعمار.
تنفيذ حل الدولتين بوضع خارطة طريق جديدة، بدعم دولي، لتنفيذ حل الدولتين، بما يضمن قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967، عاصمتها القدس الشرقية، تعيش جنبًا إلى جنب مع دولة إسرائيل في أمن وسلام.
إعادة إطلاق العملية السلمية: عبر توفير ضمانات دولية للطرفين، وإعادة بناء الثقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وإعادة إحياء المبادرات السابقة، مثل مبادرة السلام العربي، واستكشاف أدوات جديدة لدعم المسار التفاوضي.
ورغم الأجواء الإيجابية التي أحاطت بانطلاق المؤتمر، إلا أن العقبات التي تعترض طريق التسوية لا تزال كثيرة ومعقدة. من أبرزها:
الانقسام الفلسطيني الداخلي، وعدم وجود جبهة سياسية موحدة تتحدث باسم الشعب الفلسطيني.
رفض بعض الأطراف الإسرائيلية لحل الدولتين، واستمرار النشاط الاستيطاني.
غياب الثقة المتبادلة بين الجانبين بعد سنوات من العنف والمفاوضات المتعثرة.
التوازنات الإقليمية والدولية، وتأثير صراعات القوى الكبرى على مسار الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
يعوّل العالم كثيرًا على هذا المؤتمر باعتباره فرصة تاريخية للضغط على الأطراف المتصارعة، والفاعلين التي تتعارض مصالحهم، للتحرك الجاد من أجل وقف العدوان، وتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني، وتمكينه من نيل حقوقه المشروعة. وفي الوقت ذاته، يُنظر إلى المؤتمر كاختبار حقيقي لإرادة المجتمع الدولي في تحقيق السلام، وليس الاكتفاء بإصدار بيانات.
إن انعقاد هذا المؤتمر الدولي الرفيع يأتي في لحظة مصيرية، تتطلب شجاعة سياسية، وتحركًا دوليًا موحدًا لإنقاذ ما تبقى من الأمل في تحقيق السلام في الشرق الأوسط. ونأمل أن يحقق المؤتمر أهدافه، وعلى رأسها وقف الحرب، وتحقيق حل الدولتين، وتوفير حياة كريمة للفلسطينيين، في وطن مستقل وآمن، رغم ما تصر عليه الجماعات الإسلاموية من يحركها لوأد بادرة سلام في المنطقة، لأنهم لا يمكن لهم العيش إلا في أماكن الصراع والدم والحرب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة