الإمارات حصلت على المركز الأول «عالمياً» في 11 مؤشراً من مؤشرات التنافسية ولتفادي التشكيك فإن المعلومات وردت ضمن ستة تقارير للتنافسية.
سُئل أحد المتذاكين ذات مرة كما ترويها إحدى الطُرَف عمّن انتصر في الحرب العالمية الثانية، فأجاب بأنّ بريطانيا من انتصرت ومعها دول الحلفاء بينما خسرت ألمانيا ودول المحور، ثم سُئل من جديد عمّن فاز بين البرازيل وفرنسا في نصف نهائي كأس العالم فأجاب بأنها فرنسا، حينها أتاه السؤال الأخير: وماذا نستنتج من ذلك؟ ففكّر حضرته مليّاً ثم أجاب ذاك الجواب العبقري: «نستنتج أن البرازيل ستلعب مع ألمانيا ودول المحور على المركزين الثالث والرابع»!
إنْ خرجت صور حكامنا وهم يُصَلّون قالوا نفاق واستغفال للشعوب، وإنْ صلّى صاحبهم أسبغوا عليه من الفضائل ما لم يسبغوها على النبي صلى الله عليه وسلم نفسه، وإنْ قبّل ولي أمر لنا رأس شيخٍ أو طفل قالوا من أجل التصوير والتملّق، وإن فعلها صاحبهم بكوا وتباكوا على تواضعه ووفرة الخير والرحمة في قلبه
تذكّرت هذه الطرفة وأنا أتابع محاضرة على اليوتيوب، والذي يُغص بالكثير من الغث والسمين لرجلٍ، لا أكذب الله فإن لديه إلماماً جيداً بأحداث التاريخ القديم، لكن المشكلة عنده في الربط الغريب بين تلك الأحداث، إذ حاول إسقاط ذاك التاريخ رُغماً عنه على الحاضر وللدول التي ينتقيها هو شخصياً، وتحدّث كثيراً عن أسباب سقوط ملوك الطوائف بالأندلس واختصر السبب الرئيس في غياب الخلافة، ثم عَرَجَ على الحاضر وأسهب في ضرورة عودة الخلافة إن كان العرب يأملون في خلق حاضر مزدهر لهم، ثم كانت الصدمة بأنّ ذاك الخليفة الذي سينقل العرب لقمّة الحضارة ليس عربياً ولكنّه شخصٌ غير عربي قد نصّبه الإخوان والمطبلون خلفهم والمغرّر بهم من الباحثين عن أي قشّة للتعلّق بها، من أجل الحريّة كما يقولون يريدون غداً يكونون فيه عبيداً!
الأسبوع الماضي تم الإعلان عن حصول الإمارات على المركز الأول «عالمياً» في 11 مؤشراً من مؤشرات التنافسية العالمية، وحتى لا يخرج علينا الصغار بأنّ المعلومات غير موثوقة كعادتهم في التشكيك لكل نجاح من شأنه أن ينسف أطروحاتهم كلها، فإن هذه المعلومات وردت ضمن ستة تقارير للتنافسية لعامي 2017 و2018 صادرة من المنتدى الاقتصادي العالمي، والبنك الدولي، والمعهد الأوروبي لإدارة الأعمال INSEAD، والمعهد الدولي للتنمية الإدارية، وهو أمرٌ اعتدنا عليه والحمد لله في ظل قيادة لا تألو جهداً وإخلاصاً وتفانياً في رفع أسهم هذا الوطن العظيم ومَن به، فلماذا لا يرى أولئك المنقّبون عن خليفتهم نجاحات بلادنا ونجاحات بعض أشقائنا؟ لماذا لا يشكرون الـمُحسِن كما درجوا على جمع الجميع بالنقد والسخرية؟ أليس ربّ الأرض والسماء سبحانه يقول: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُو أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ»، فأين هو العدل الذي أمر به الله تعالى؟ كم هي صغيرة تلك النفوس التي لا تحركها إلا الأهواء والحزبيات!
يقول أحدهم في مقالةٍ طنانة له بعنوان (ملوك الطوائف وأنظمة العرب) عن دول الطوائف بالأندلس بعد سقوط الخلافة الأموية في القرن الخامس الهجري: «هل يتكرَّر التاريخ، ويعود بِنا الزمان، ويستحق حكامنا، الملوك والقادة والأمراء، النهاية المحتومة، ويقفون كأسلافهم فوق الأطلال، يبكون عليها كما النساء، وقد أضاعوا ملكاً لم يدافعوا عنه دفاع الرجال؟!»، المضحك أنهم لا يملكون حلاً حقيقياً لأنهم بالأساس فشلوا في التحليل السليم وغرقوا في الإسقاطات المزاجية مع بكائيات لاستدرار تعاطف القرّاء، وحتى لا أُتّهَم بالدخول في النيّات لمعرفة من يقصد هذا الكاتب وأمثاله من شلّة الردح وممن يصدق فيهم مثلنا الشعبي «عيوز ومصبَّحة بطلاقها»، نكمل معه لنعرف من يقصد بملوك الطوائف الحاليين: «أولئك كانوا يمنحون ملوك الحلفاء ذهباً ومالاً وأرضاً ونساءً، ودولنا اليوم تمنح دول الحلفاء نفطاً وذهباً ومالاً وقواعد عسكرية»، إذاً تم اختصار دول الطوائف التي ينتظرها المستقبل السيئ في دول الخليج فقط!
إنّ إحدى مآسينا هي في مَن نَصّبوا أنفسهم نُخباً مثقفة وروّاداً للرأي، وحصلوا بطريقة محيّرة على مزايا استثنائية طَبَعَت لهم الكتب ونشرت لهم المقالات طيلة سنين طويلة لكسر الروح العربية، وإغلاق كل المنافذ ما عدا منفذ العبودية الذي يريدون سوقنا إليه، فكُل حُكّامنا «حسب طرحهم» عملاء، وصاحبهم الذي يلهجون بحمده مُنزَّهٌ عن العيوب، إنْ خرجت صور حكامنا وهم يُصَلّون قالوا نفاق واستغفال للشعوب، وإنْ صلّى صاحبهم أسبغوا عليه من الفضائل ما لم يسبغوها على النبي صلى الله عليه وسلم نفسه، وإنْ قبّل ولي أمر لنا رأس شيخٍ أو طفل قالوا من أجل التصوير والتملّق، وإن فعلها صاحبهم بكوا وتباكوا على تواضعه ووفرة الخير والرحمة في قلبه، نحن في نظرهم عبيد لأننا نعيش بكرامة، وهم يدعون للحريّة بوضع رؤوسهم على الأرض لكي تطأها أحذية «الجندرمة» التي يستحقونها !
عندما خرج أمثالهم من الفلاسفة والمثاليين ممن يُطالب حكام العرب بأن يكون كالخلفاء الراشدين عليهم رضوان الله، وهنا أنا أتحدث عن حكامنا في الخليج تحديداً باستثناء نظام الدوحة، وَقَفَ لهم عبد الملك بن مروان ونادى في جموعهم: «أنْصِفونا يا معشر الرعيّة، تريدون مِنّا سيرة أبي بكرٍ وعُمَر ولا تسيرونَ فينا ولا في أنفسكم بسيرتهما، نسألُ الله أنْ يُعِينَ كُلّاً على كُلٍّ»، فيا من تريد مثل عمر لماذا لا نراك تصنع كما يصنع؟ هذه الشيزوفرينيا التي يعاني منها البعض أصبحت مزمنة، وغَمْط الناس ليس من الإسلام ولا من المروءة في شيء، ومَن أحب الخير للناس سعى فيهم بخير القول وخير العمل، أما المتباكي دوماً والمتوعد بالويل والثبور فلا يزيد الناس إلا بلاءً وحزناً، وقد حَذَّر من أمثال هؤلاء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عندما قال: «إذا قال الرجلُ هَلَكَ الناسَ فهو أهلَكُهُم»، أي من ادّعى النقص والسوء في الآخرين فهو أكثرهم نقصاً وأقربهم للسوء، فبياض القلب تترجمه الكلمة الطيبة، والنوايا الحسنة يؤكدها ظنّ الخير بالناس وترك الأحكام المسبقة جانباً، فلا خير فيمن لا يعدل.
نقلا عن "البيان"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة