سوق الأغذية العالمي 2025.. نمو متسارع في ظل تحديات متزايدة
شهد سوق الأغذية العالمي توسعاً مطّرداً، مدفوعاً بتغيرات ديموغرافية وتطورات تكنولوجية، جعلته أحد أكبر القطاعات الاقتصادية عالمياً.
ويُقدَّر حجم سوق الأغذية العالمي في عام 2025 بنحو 9.45 تريليون دولار، مما يعكس الدور المتزايد لهذا القطاع في الاقتصاد العالمي. ويشمل هذا السوق مجموعة واسعة من المنتجات الغذائية، من السلع الأساسية مثل الحبوب والزيوت والسكر، إلى الأغذية المصنعة والمعلبة والوجبات الجاهزة. النمو في السوق مدفوع بعوامل متعددة، أبرزها ارتفاع عدد السكان، وزيادة الطلب على الأغذية الصحية والمستدامة، وتطور سلاسل الإمداد. كما تلعب الابتكارات في تكنولوجيا الزراعة والإنتاج الغذائي دورًا مهمًا في تعزيز الكفاءة وتحسين الجودة. وتشير التوقعات إلى استمرار توسع السوق عالميًا في السنوات المقبلة.
أبرز المساهمين في القطاع
ويتصدر سوق الغذاء العالمي مجموعة من الدول المنتجة والمصدّرة الكبرى، إلى جانب شركات عملاقة تتحكم بجزء واسع من سلاسل الإنتاج والتوزيع، وجهات استثمارية تلعب دورًا متزايدًا في رسم ملامح مستقبل الأمن الغذائي.
وتأتي الولايات المتحدة في طليعة المساهمين العالميين، باعتبارها منتجًا ومصدرًا رئيسيًا للذرة، القمح، فول الصويا، واللحوم، تليها البرازيل التي تنافس بقوة في صادرات الحبوب واللحوم والسكر. وتُعد الصين لاعبًا حاسمًا، ليس فقط لكونها منتجًا ضخمًا، بل بسبب ثقلها الاستهلاكي، خاصة في قطاعي الأرز والأسماك. أما الهند، فتبرز كمصدر رئيسي للأرز والسكر، إلى جانب إنتاجها الكبير من الألبان. في السياق نفسه، يواصل الاتحاد الأوروبي أداءه كمركز رئيسي لصادرات القمح ومنتجات الألبان، بينما تحافظ روسيا وأوكرانيا على موقعهما كدولتين محوريتين في تجارة القمح والزيوت النباتية، رغم التحديات الجيوسياسية.
وعلى الجانب الصناعي، تسيطر شركات متعددة الجنسيات على جزء كبير من سلسلة الإمداد الغذائي، أبرزها Nestlé السويسرية، وCargill وADM الأمريكيتين، وJBS البرازيلية، إلى جانب Danone الفرنسية وUnilever الأوروبية، وكلها تلعب أدوارًا حاسمة في تصنيع وتوزيع الأغذية عالميًا.
وفي الوقت نفسه، تتزايد مساهمة الجهات الاستثمارية، بما في ذلك صناديق الثروات السيادية والمؤسسات المالية العالمية مثل BlackRock وVanguard، في توجيه الاستثمارات نحو الزراعة المستدامة والتقنيات الزراعية الحديثة. كما تتوسع بعض الدول، خصوصًا في الخليج، في الاستثمار بالأراضي الزراعية ومشاريع الأمن الغذائي عبر شراكات دولية.
وبهذا، يتكوّن سوق الغذاء العالمي من شبكة معقّدة من الفاعلين، تجمع بين الإنتاج الزراعي والصناعي، والتجارة الدولية، والاستثمار طويل الأجل، مما يجعله من أكثر القطاعات ترابطًا وتأثرًا بالتغيرات السياسية والاقتصادية والمناخية.
تقديرات السوق
وتشير التوقعات الحديثة إلى تحسن ملحوظ في أداء الأسواق الزراعية العالمية، مع زيادة في إنتاج الحبوب وخاصة الأرز والحبوب الخشنة. ورغم المخاطر المناخية والبيولوجية والاقتصادية، تُظهر المؤشرات الكلية مرونة واستقرارًا في توازن العرض والطلب. ووفقًا لتقرير نصف سنوي حديث صادر عن منظمة الفاو، من المتوقع ارتفاع الإنتاج والتجارة لمعظم السلع الغذائية الرئيسية باستثناء السكر الذي يواجه تراجعًا في الإنتاج.
وفي قطاع الحبوب، يُتوقع زيادة إنتاج القمح مدعومة بتحسن الطقس وتوسعة المساحات المزروعة، مع نمو الحبوب الخشنة بنسبة 3.4% بدعم من الولايات المتحدة والبرازيل والاتحاد الأوروبي. أما الأرز، فيتوقع أن يصل إنتاجه إلى مستوى قياسي جديد عند 551.5 مليون طن بزيادة 0.9%، مدفوعًا بارتفاع الطلب في إفريقيا وتوسع الصادرات من آسيا وأمريكا اللاتينية. مع ذلك، من المتوقع انخفاض طفيف في تجارة الحبوب العالمية بنسبة 3%، رغم زيادة المخزونات بنسبة 1.3%.
ويستمر قطاع الزيوت النباتية في النمو، لكن مع تشديد محتمل في التوازن بين العرض والطلب، خصوصًا في الزيوت النهائية، رغم تراكم كُسب الزيوت مثل كُسب الصويا.
أما أسواق اللحوم ومنتجات الألبان، فتُظهر مرونة نسبية رغم تفشي إنفلونزا الطيور، مع استقرار صادرات الدواجن وإنتاج البيض الذي بلغ 91 مليون طن عام 2023، وزيادة كبيرة في تجارة البيض عام 2024. في المقابل، يُتوقع تباطؤ نمو إنتاج الألبان مع تراجع طفيف في التجارة الدولية بنسبة 0.8% بسبب ارتفاع الأسعار وضعف الإمدادات.
ويواجه قطاع الأسماك تحديات متزايدة في مكافحة الغش التجاري والتزوير، مما يزيد الضغوط على الجهات الرقابية والمستهلكين.
أما السكر فهو الاستثناء الوحيد، إذ يُتوقع انخفاض إنتاجه بنسبة 3.9% إلى 175.6 مليون طن، مما يؤدي إلى عجز يقدر بـ 2.2 مليون طن، نتيجة تراجع الإنتاج في دول رئيسية مثل البرازيل والهند رغم تحسن جزئي في دول أخرى.
واردات الغذاء.. فاتورة قياسية
وارتفعت فاتورة واردات الغذاء عالميًا خلال 2024 بنسبة 3.6% مقارنة بالعام السابق، لتصل إلى نحو 2.1 تريليون دولار، في ظل ارتفاع أسعار الغذاء عالميًا، خصوصًا اللحوم والزيوت.
وكانت أسعار الغذاء العالمية قد شهدت خلال العام الجاري مستويات مرتفعة تُعد الأعلى منذ عامين، مدفوعة بارتفاع أسعار اللحوم والزيوت النباتية. ومع ذلك، سُجلت تراجعات مؤقتة في بعض الأشهر، نتيجة تحسّن التوقعات الزراعية. وتتابع الأسواق عن كثب مؤشرات الأسعار، بما في ذلك أسعار الشحن والعقود الآجلة، وسط ترقب للاتجاهات المقبلة في ظل استمرار التحديات العالمية.