في السابع من مايو المقبل، تسدل القرية العالمية، الوجهة الترفيهية والثقافية البارزة في دبي، والرائدة على مستوى الشرق الأوسط،ستار موسمها الأطول والأهم في مسيرتها الممتدة لـ26 عاماً.
كانت القرية خلال هذه السنوات بمثابة النموذج المتفرد في صناعة الترفيه، لا سيما من حيث مواءمته لغايات ثقافية تستهدف التعريف بحضارات العالم، وفلكلور شعوبه الثري والمتنوع.
هو الموسم الأطول لهذه الوجهة التي تمتد لأول مرة على مدار 192 يوماً، والأكثر إثارة بمواكبتها الحدث العالمي "إكسبو 2020 دبي"، والذي لم يكن يفصلها عنه سوى كيلومترات معدودة، وهو أيضاً الموسم الأهم باعتباره التجمع، الذي أكد عودة التعافي العالمي من جائحة كورونا، ومن ثم عودة الروح للفعاليات والأحداث الكبرى الجاذبة للزوار، لا سيما وأن تاريخ انطلاق القرية جاء في توقيت تنامى فيه الشك العالمي في هذه العودة المحمودة، فضلاً عن دخولها لأول مرة ضمن الوجهات الترفيهية بإمارة دبي المتاحة لروادها خلال إجازة عيد الفطر السعيد.
هو الأهم كذلك لمصادفته احتفالات الدولة بمرور 50 عاماً على تأسيس الاتحاد، وكالعادة، جاءت أجندة القرية على الوعد والموعد، حافلة بقائمة من الفعاليات والاحتفالات المهيبة، تجمّلت بعطر القرية العالمية الأخّاذ، وطابع بصمتها الفريدة، وفي الوقت الذي كان فيه مقر "إكسبو 2020 دبي" عامراً بضيوفه، كانت "القرية العالمية" تستقبل ذات الضيوف وآخرين، لتُطلعهم على جانب مختلف من جوانب سحر دبي وعبقريتها.
عالم من الروائع، يفتح بابه للباحثين عن التسوق، والترفيه، والاطلاع على ثقافات وحضارات الأمم والشعوب المختلفة، ويعد الجميع بأن تكرار الزيارة لا يعني مطلقاً تكرار مشاهدة العروض نفسها، حيث تتجدد أجندة فعالياتها المتنوعة بشكل شبه يومي، وتتعدد منصات الترفيه، ما بين المسارح الرئيسية والمتخصصة، وعروض الهواء الطلق الخارجية، ومسارح الأجنحة، والتي تصل إلى 26 جناحاً، تستقطب 80 دولة مشاركة من مختلف أنحاء العالم، بالإضافة إلى العروض الجوَّالة، أما العروض الموسيقية والاستعراضية والغنائية فكانت محطة لاستقطاب العديد من النجوم، ليجد رواد القرية العالمية أنفسهم أمام متوالية هائلة من الاختيارات، تؤكد أن زيارة واحدة لهذه الوجهة حتماً لن تفي بالغرض.
الوجوه المنتشية في دروب القرية العالمية، التي يسهل رصدها، بنظرة سريعة أينما يمّمت بصرك، سواء صوب منطقة "كرنفال"، أو "سوق القطارات"، أو متحف "ريبليز" "صدق أو لا تصدق"، أو "شارع السعادة"، أو البحيرات الجديدة في "أفينيو الألعاب النارية"، أو "السوق العائم" وغيرها، تؤكد أن الترفيه صناعة جادة تؤتي ثمارها حينما ترتكن إلى أسس مهنية سليمة، وهي رغم مقوماتها الترفيهية بمثابة القاطرة القادرة على صنع المعجزات، ليس فيما يتعلق بإنعاش القطاع الاقتصادي فقط، بل أيضاً في بناء جسور بين جمهور متعدد الثقافات، وبث الثقة واليقين لدى الجميع بأن الحياة يجب أن تستمر، بل يجب أن تسير إلى الأفضل.
وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يدر قطاع الترفيه والتسلية الإقليمي سنوياً إيرادات تقدر بنحو 30 مليار درهم، وذلك حسب مجلس الترفيه والجذب السياحي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، "مينالاك"، فيما يشكل السياح نسبة 40% من رواد الوجهات الترفيهية بالإمارات.
غير أن تلك الصناعة يمكن أن تشكل في مجملها قيماً أخرى مضافة لا تقل أهمية عن القيمة الاقتصادية، تسهم في تعزيز التنمية الشاملة، وترسيخ مفاهيم حضارية مهمة، عندما تتواءم مقوماتها مع رؤية ثقافية استراتيجية واعية وشاملة.
وإذا أخذنا "القرية العالمية"، الوجهة الترفيهية والثقافية البارزة في دبي، والرائدة على مستوى الشرق الأوسط، نموذجاً للاستدلال على إمكانات هذا القطاع الواعد، وتأثيره الفاعل، سنجد أنها نجحت في إضافة 6 مليارات درهم خلال عامين للاقتصاد الوطني الإماراتي، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، حيث حققت عائداً اقتصادياً قدره 3 مليارات درهم خلال العام المالي الحالي، حسب ما خصّنا به الرئيس التنفيذي للقرية العالمية بدر أنوهي، وهو ذات الرقم، الذي كشف عنه بشأن الموسم الماضي، مؤكداً أيضاً أن استفادة "القرية العالمية" من إقامة "إكسبو 2020 دبي" جاء نتاج منهجية مدروسة تمت صياغتها وتنفيذها بعناية.
التعارف الثقافي، الذي تتيحه القرية العالمية لزوارها وعارضيها، وحتى من استقطبتهم منصاتُها لعروضهم الإبداعية والفنية، بمثابة دائرة مدهشة لا حدود فاصلة بين المتحلقين داخلها، وإن اختلفت خلفياتهم الحضارية، فهي حلقة إذابة الاختلافات، وصياغة الوشائج، حلقة بناء جسور التسامح والتقارب، بل والتلاحم الإنساني، وكأن مَن بداخلها يهتف بيقين: كلنا في الكون بشر.. كلنا في الكون واحد.
نعم ينجح الترفيه فيما قد يستعصي على المؤتمرات والنقاشات الأكاديمية الجادة في أكثر مقرات إقامتها صرامة، بشرط أن يكون ترفيهاً نوعياً هادفاً مدروساً، يحمل الرسالة، ويُعلي القيم الإنسانية والمجتمعية على سواها، وتنجح الثقافة في إذابة النعرات، وتعزيز قيم التسامح والتعايش، وترسيخ فكرة أن كوكبنا هو "قرية عالمية" كبيرة.
غير أن هذه المواءمة بين ما هو ترفيهي اقتصادي بحت وبين الثقافي، ليست بالمواءمة اليسيرة، أو في المتناول الذي يمكن تَكراره أو حتى البناء عليه بشكل منتظم، فقطاع الترفيه هو أحد القطاعات الواعدة والأكثر تجدداً، كما أن التحديات الثقافية متحورة ومتشعبة، وعثراتها يُعاد تشكيلها بسرعة هائلة، لذلك يبقى التطور الدائم لمعادلة الترفيه/الثقافة بحاجة دورية إلى إعادة ضبط ملهمة، لضمان تحقيق العائد، رغم المتغيرات.
وفي اليوم الختامي لموسم القرية العالمية، الذي يشهد تكريم الشركاء وأصحاب الإنجازات، التي أسهمت في إنجاح موسمها، اعتاد عشاقها ترقب الكشف عن الدورة التالية، وكلما بدأ خيال المتابعين بالتساؤل عن صعوبة التجديد، في أعقاب دورة ناجحة، تأتي الأنباء لتؤكد أن تحدي الإجادة لا يزال مستمراً، وأن "القرية العالمية" قادرة على إثارة شغف روادها دائماً، بحُلة جديدة، وأفكار ومبادرات نوعية، فما الذي يمكن أن تكشفه "القرية العالمية" مساء السابع من مايو القادم؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة