يلفت النظر فيما يجري وراء الكواليس في واشنطن أن يقوم رؤساء جمهوريون سابقون مثل بوش الأبن بتهنئة المرشح الديمقراطي بايدن.
لعل الأمريكيين خاصة، والعالم عامة لم ينشغل بانتخابات رئاسية أمريكية، بقدر ما انشغل بما يجري في انتخابات 2020، والتي دارت معاركها الحامية ولا تزال حتى الساعة، رغم الإعلان شبه الرسمي عن فوز المرشح الديمقراطي جوزيف بايدن بالرئاسة، انطلاقا من استحواذه على أكثر من 290 صوتا انتخابيا، ما يجعله الرئيس المنتخب بامتياز.
على أن المتابع المحقق والمدقق للداخل الأمريكي يمكنه أن يقطع بوجود حالة غليان عميقة في البيت الأبيض، وربما داخل أركان الحزب الجمهوري، عطفا على أنه من غير الواضح حتى الساعة ما إذا كانت القوى الشعبوية اليمينية المؤيدة للرئيس ترامب، سوف تقبل الهزيمة على هذا النحو، وبالكثير من الهدوء، أم أن هناك وراء الأكمة ما وراءها، وربما كان الهدوء البادئ للأعين في الأيام الماضية هو ما يسبق العاصفة؟
تقتضي كواليس واشنطن طرح بضع علامات استفهام، من خلالها يمكن للمرء الاقتراب مما يجري من وراء الستار، وفي مقدمتها "ماذا عن الرئيس ترامب؟ وهل استسلم لهزيمته أمام منافسه الديمقراطي بايدن؟
المؤكد أن التصريحات كافة التي صدرت عن الرجل حتى الساعة تؤكد رفضه هذه الهزيمة، وتأكيده على أنه فاز بنسبة كبيرة من الأصوات، لا سيما إذا تم الاعتراف بالأصوات الصالحة فقط والقانونية، واستبعاد الأصوات غير الشرعية، حسب تعبيره.
هنا تبدو المسالة أوسع وأعمق من رؤية ترامب للمشهد، وتمتد إلى كوادر عميقة وتقدمية في الحزب الجمهوري، والذي يبدو أنه يعاني بدوره من حالة انقسام، مثل تلك التي تشهدها أمريكا برمتها، لا سيما أن الفارق بين الذين صوتوا لبايدن وعددهم 74 مليون شخص، والذين صوتوا لترامب وعددهم 70 مليون شخص، قريب جدا، ما يعزز فكرة التشظي الأمريكي، وهيمنة روح الانشقاق بشكل غير مسبوق.
لم يعد ترامب وحده في حقيقة الأمر من يرفض التسليم بالهزيمة، وهناك من يرى أن الرجل محق في رفضه، فقد شهدت العملية الانتخابية مظاهر بعيدة كل البعد عن المسارات والمساقات الديمقراطية، كتصويت متوفين، وتكرار أسماء، ومد فترة التصويت إلى ما بعد يوم 3 نوفمبر، وهو أمر يقتضي رؤية دستورية من المحكمة العليا في البلاد.
في كواليس واشنطن اليوم يجد المرء رجالا من كبار أعضاء الحزب الجمهوري، مثل عضو مجلس الشيوخ ليندسي جراهام، والذي حث الرئيس ترامب على أن يرفض النتيجة ولا يقر بالهزيمة، وقد وصف جراهام عملية الاقتراع بأنها كانت فوضى عارمة.
جراهام كان أول المتبرعين لصندوق الإنفاق على القضايا التي ستقوم حملة ترامب بمواصلتها، فقد قدم تبرعا قيمته نصف مليون دولار، ضمن صندوق تصل قيمته الى 60 مليون دولار للصرف على 1000 محامٍ وخبير قانوني سوف نراهم يتحركون بطول البلاد وعرضها، ما يعني إمكانية إثبات حالات تزوير، إن لم تلغ نتيجة كل الولايات فبعضها على الأقل، وإن لم تحرم بايدن من الفوز برئاسة أمريكا، فعلى الأقل تجعل من فوزه مشكوكا فيه، ما يجعل الهدف الأهم الذي يسعى في طريقه -أي أمريكا الموحدة- أمرا بعيد المنال.
من الأصوات الجمهورية الثقيلة الوزن الرافضة لسيناريو الانتخابات الأخيرة، يأتي صوت السيناتور "تيد كروز "، والذي يعد أحد أبرز المرشحين الجمهوريين لسباق انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024، والذي يرى أن ترامب لا تزال أمامه فرصة للفوز بالانتخابات الرئاسية والبقاء في البيت الأبيض أربع سنوات أخرى، وقد توقع مؤخرا أن تصل المعارك القانونية الحالية بشأن فرز الأصوات واحتسابها إلى أروقة المحكمة الدستورية العليا، والعهدة على الراوي، موقع محطة "فوكس نيوز"، والتي كانت داعمة للرئيس ترامب في كل الأوقات، وعلى الرغم من ذلك فقد غيرت مؤخرا مواقفها، وأعلنت عن فوز بايدن بشكل طرح أسئلة عميقة عما وراء تغييرها لمواقفها السابقة.
كروز من الموقنين بأن الرئيس ترامب لا يزال أمامه فرصة للفوز والنصر عن طريق احتساب جميع الأصوات القانونية التي جرى الإدلاء بها، وإعدام أي أصوات دخلت صناديق الاقتراع بطرق أطلق عليها احتيالية أو غير قانونية، وقد طرح كروز مثالا على خطأ وقع في إحدى مقاطعات ولاية ميتشيجان، حيث جرى "فرز عدة آلاف من أصوات ترامب على أنها أصوات لصالح منافسه الديمقراطي بايدن".
والشاهد أن هناك إشكالية كبيرة تمثل عوارا حقيقيا في مسيرة الانتخابات، ذلك أن نفس برنامج عد الأصوات يستخدم في 47 مقاطعة في جميع أنحاء ميتشيجان، الأمر الذي يقتضي تدخلا وفحصا دقيقين من المحكمة الدستورية العليا في البلاد.
غير أنه وعلى الجانب الآخر من واشنطن تبدو هناك أصوات جمهورية لا توافق هوى ترامب، ومنها السيناتور الجمهوري الشهير والمرشح السابق للرئاسة الأمريكية ميت رومني، فقد أنكر الرجل على ترامب ادعاءه بحدوث تزوير في الانتخابات الرئاسية، بل اتصل مهنئا المرشح بايدن بالفوز، ما جعل وضع الحزب الجمهوري غير مستقر، ولا يعرف أحد إلى أين ستمضي بوصلة الجمهوريين في قادم الأيام.
ماذا عن عائلة الرئيس ترامب، وعن مستشاريه، وعن طاقم حكمه في البيت الأبيض؟ وما مواقفهم مما يجري من حولهم، خاصة رفض الرئيس ترامب نتائج الانتخابات وتعويله على تغيير الأوضاع، من خلال ما يمكن أن تراه المحكمة العليا من أوضاع مستجدة؟
يبدو أن هناك من المقربين من الرجل من لا يتفقون معه، ولا يوافقون على سيناريو إطالة الأزمة، بل يدفعونه دفعا في طريق الاعتراف بالهزيمة، وانتصار غريمه بايدن.
هذه الأنباء جاءت عبر شبكة "سي.أن.أن" الإخبارية الأمريكية، والتي قالت إن ميلانيا زوجة ترامب، وجاريد كوشنر صهره، يحاولان -بطريق ناعم غير خشن- دفع الرجل في طريق الاعتراف بالخسارة.
لكن مصادر أخرى متمثلة في المتحدث باسم حملة ترامب "جيسون ميلر" نفى ذلك الحدث، واعتبر أنها قصة غير صحيحة بالمرة، وفي الأثناء عينها يحاول أبناء ترامب، دونالد جونيور، وإريك، حشد الدعم الجمهوري للطعن في نتائج الانتخابات وإخبار الحلفاء بأنهم يعتقدون حقا أن الانتخابات كانت مزورة.
يلفت النظر فيما يجري وراء الكواليس في واشنطن أن يقوم رؤساء جمهوريون سابقون مثل بوش الابن بتهنئة المرشح الديمقراطي بايدن، وعدم الالتفات إلى دعاوى ترامب، ما يطرح سؤالا حساسا ومثيرا على الملأ "هل كانت هناك نوايا سابقة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي على حد سواء لقطع الطريق على الرئيس ترامب لإكمال أربعة أعوام أخرى في البيت الأبيض؟".
ذات مرة تحدث بايدن بأنه حان الوقت لوقف المتسللين إلى البيت الأبيض، فهل كان الرجل يعني أي أحد من خارج المؤسسة الحزبية التقليدية جمهورية كانت أم ديمقراطية؟
سؤال مطروح للتفكير إلى أن تستقر الأوضاع وراء وأمام الكواليس في العاصمة الأمريكية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة