توجهات بايدن القادم إلى البيت الأبيض تتسم بالسلبية تجاه أردوغان.
كان أمراً لافتاً تأخير إعلان الرئيس التركي أردوغان تهنئته للرئيس المُنتخب بايدن على فوزه في الانتخابات الأمريكية. فخلافاً لمصر والإمارات وأغلب الدول العربية، ولفرنسا وبريطانيا وألمانيا وأغلب دول الاتحاد الأوروبي التي سارعت بتوجيه التهنئة للرئيس الجديد في نفس يوم إعلان النتيجة، فإن تركيا تأخرت وعلَّقت على ذلك شبكة CNN الأمريكية يوم الأحد 8 نوفمبر، بأن أردوغان أرسل برقية تهنئة لرئيس غينيا على إعادة انتخابه ولم يُعلّق على نتائج الانتخابات الأمريكية. هذا في الوقت الذي قام فيه قليجدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري المُعارض بتوجيه التهنئة لبايدن. وبرَّر مسؤول بحزب الحرية والعدالة الحاكم هذا الموقف بأن نتائج الانتخابات الأمريكية لم تُعلن بعد بصفة رسمية، وعلى الرغم من ذلك فقد قام أردوغان يوم الثلاثاء 10 نوفمبر بإرسال برقية التهنئة المتأخرة إلى بايدن.
نستطيع أن نفسِّر هذا التأخير بعاملين: الأول هو أن خسارة ترامب تُمثِّل فقدان أردوغان حليفا رئيسيا له في البيت الأبيض، والثاني أن فوز بادين سوف يجلب عليه انتقادات من الساكن الجديد في البيت الأبيض.
أما بالنسبة للعامل الأول فقد ربطت أردوغان وترامب علاقات وثيقة، واعتقد الرئيس الأمريكي بأن سياسات أردوغان تخدم المصالح الأمريكية، وعلى الرغم من أن ترامب سمح لوزير خارجيته بومبيو وبعض المسؤولين في وزارة الدفاع بانتقاد تركيا والتلويح بفرض عقوبات عليها، فإنه خالف نصيحة كل مستشاريه بضرورة معاقبة تركيا بسبب شرائها منظومة الصواريخ الروسية "إس 400" لأنها تُمثِّل خطراً على نظام دفاع حلف الأطلنطي.
وكشف جون بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق في مذكراته التي نشرها بعنوان "الغرفة التي شهدت الأحداث" عن هذه العلاقة التي جمعت الرجلين، والتي وصلت إلى حد طلب أردوغان من ترامب التدخُّل في أعمال القضاء الأمريكي لوقف التحقيق في دعاوى الفساد الموجهة ضد بنك "خلق" الذي تمتلكه الحكومة التركية.
وبخصوص العامل الثاني، فإن توجهات بايدن القادم إلى البيت الأبيض تتسم بالسلبية تجاه أردوغان. فقد وصفه في ديسمبر 2019 بأنه "مستبد"، وانتقد انتهاك السُلطات التركية حقوق الإنسان ضد الأكراد والمُعارضة، وذلك في تصريحات له نشرتها جريدة النيويورك تايمز. وورد فيها أن على الولايات المتحدة دعم المُعارضة التركية لهزيمة أردوغان من خلال صناديق الانتخابات. وعلى أردوغان أن يدفع ثمن الأضرار التي ألحقتها سياساته بالمصالح الأمريكية.
لم تكن هذه الانتقادات جديدة وعبَّر عنها بايدن من قبل، ففي عام 2014 عندما كان يشغل منصب نائب رئيس الجمهورية اتهم الحكومة التركية بتمويل الإرهابيين وتسليحهم في سوريا. وكان يُشير بذلك إلى المعلومات التي توافرت عن العلاقة بين أجهزة الأمن التركية وتنظيم داعش وتوفيرها لممرٍ آمن لانتقال مقاتلي داعش من وإلى سوريا، وكذلك رفْض تركيا المُشاركة في التحالف الدولي ضد داعش. ووقتها أقام أردوغان الدنيا غضباً وصخباً مُطالباً الحكومة الأمريكية بالاعتذار عما بدر من بايدن.
وكرر بايدن ذلك في17 أكتوبر 2019، عندما بث على صفحته الرسمية في موقع تويتر مقاطع من تسجيل تلفزيوني ذكر فيه أن القادة العسكريين الأمريكيين الذين عملوا في سوريا والعراق يشعرون بالعار لما يشاهدونه على أرض الواقع. وقال بالنص إن "تركيا هي المشكلة وإن أردوغان يجب أن يدفع ثمناً باهظاً لذلك". وعلَّق فؤاد أوقطاي نائب الرئيس التركي على هذه التصريحات بأنها "مؤسفة".
انتقد بايدن أيضاً سياسات تركيا في شرق البحر المتوسط، وقيام سفنها بالتنقيب عن الطاقة في مناطق تابعة لقبرص واليونان، ودعا تركيا إلى وقف هذا السلوك معلناً تأييده للبلدين في هذا الخلاف. وكرر موقفه هذا في 6 أكتوبر 2020، حيث قال إن على إدارة ترامب "أن تضغط على تركيا للامتناع عن ممارسة مزيد من الأعمال الاستفزازية في المنطقة ضد اليونان". وفي نفس السياق انتقد بايدن التدخُّل التركي في الحرب الدائرة بين أذربيجان وأرمينيا بشأن إقليم ناغورنو قره باغ.
وفي ضوء ذلك، فمن المؤكد أن أردوغان لم يستبشر خيراً بفوز بايدن ولم يجد سبباً لتهنئته مُبكراً، متحججاً بأن النتائج الرسمية للانتخابات لم تُعلن بعد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة