هل كان 2021 عام الذهب حقا؟.. رحلة البريق المثيرة

بين الصعود والهبوط والتقلبات، كانت رحلة الذهب، المعدن الأصفر النفيس والملاذ الآمن وأداة التحوط المفضلة بالأزمات، مثيرة خلال 2021.
كانت بداية تعاملات العام هي الأسوأ، وفي المنتصف (تحديدًا في يونيو) كسر المعدن النفيس حاجز الـ1800 دولار، ثم عاد لمستويات يناير مرة ثانية، إلى أن جاء التضخم المتسارع في اقتصادات العالم الكبرى كمحفز قوي في الربع الأخير من العام للذهب ليحمله فوق مستويات يونيو، إلا أن تصريحات مجلس الاحتياطي الفيدرالي "البنك المركزي الأمريكي" في نهاية العام بعزمه رفع الفائدة بنحو 3 مرات في 2022 وعمله على تسريع تقليص برنامج شراء السندات التحفيزي أدخلت الذهب مرة أخرى مرحلة التقلبات والمخاوف ليتداول أدنى الـ1800 دولار بعد أن كانت توقعات الازدهار لامست حدود الـ1900 دولار للأوقية.
يعتبر العديد من المتداولين سلعًا مثل الذهب أدوات "ملاذ آمن" مما يعني أنه في فترات عدم الاستقرار الاقتصادي أو التضخم المرتفع، تميل أسعارها إلى التصرف بشكل عكسي، ونتيجة لذلك، يفكر البعض في الاستثمار في أسعارها.
برامج كورونا التحفيزية وسقوط الذهب
خلال شهر يناير 2021، هبط سعر الذهب بسبب حزمة الإغاثة من فيروس كورونا بقيمة 1.9 تريليون دولار والتي قدمتها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن.
لقد كان من الممكن أن يكون الربع الأول من العام أفضل بالنسبة للمعدن النفيس، إلا أنه استهل العام بأسوأ بداية له منذ 39 عامًا، حيث انخفض بنسبة 10%، أي بمقدار 190 دولارًا في الربع الأول.
ويبدو أن سعر الذهب كان يتراجع في كل مرة تعلن فيها الحكومة الأمريكية عن برامج وخطط لمكافحة فيروس كورونا.
خلال شهر مارس 2021، هبط السعر بسبب التعافي الاقتصادي، والذي كان ممكنًا بفضل اللقاحات. وقد وصل السعر حتى مستويات 1696.25 دولار، وهو أقل من يناير.
وبشكل عام، في الفترة من يناير إلى مارس 2021، يمكننا أن نرى انخفاضًا في سعر الذهب بسبب ارتفاع أرقام التوظيف الأمريكية.
انتعاشة قرب مستويات الـ1900دولار
وشهد شهر أبريل انتعاشًا، حيث ارتفعت العقود الآجلة للذهب في بورصة Comex إلى 1728 دولارًا أمريكيًا حتى بعد انخفاضها إلى ما دون 1680 دولارًا أمريكيًا.
كان الدافع وراء تحسن الطلب هو الانتعاش الاقتصادي على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم.
وفي الربع الثالث، ارتفع طلب المستهلكين في الولايات المتحدة بنسبة 12% على أساس سنوي إلى 32 طنًا. وفي أوروبا أيضًا، تحسن الطلب على الذهب بشكل كبير، حتى وصل إلى مستويات ما قبل جائحة الكورونا.
في الصين، كان الطلب في هذا الربع قويًا ووصل إلى 157 طناً، لكن الاخذ بعين الاعتبار من أن مشاكل الطاقة والتحديات المستمرة في قطاع العقارات قد تضعف الطلب في الربع الرابع.
في الهند، ارتفع الطلب في الربع الثالث بنسبة 60% على أساس سنوي. وارتفع إنتاج المناجم على مدار العام باستمرار، مع تحسن بنسبة 5% منذ بداية العام.
في مايو 2021، أظهر المستهلكون من الصين طلبًا كبيرًا على الذهب بسبب بداية موسم العطلات والزفاف. ومع ذلك، أدى تصاعد جائحة كوفيد-19 إلى تعطيل الشراء في الهند -وهي إحدى الأسواق العالمية الرئيسية للذهب.
وقد أشار بقاء سعر الذهب أقل من 1800 دولار للأوقية إلى «عدم وجود قوة دفع فورية لشراء المعدن الأصفر»، «حيث أوضح بنك الاحتياطي الفيدرالي وظيفته فيما يتعلق بسيناريو ارتفاع التضخم».
ومع بداية يونيو، ارتفع السعر إلى 1896.60 دولار -وعاد مرة أخرى إلى أرقام يناير- لكنه فشل في الحفاظ على هذا المستوى وتراجع إلى مستويات 1755.45 دولار بسبب التغيرات في سعر الدولار الأمريكي.
وهبط سعر الذهب بنسبة 4.7% ليصل إلى 1774.80 دولار للأوقية في 16 يونيو، وهو أدنى مستوى له منذ أواخر أبريل. وجاء التراجع بعد بيان من اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة بدا متفائلاً بشأن تعافي الاقتصاد الأمريكي.
هيمنة على سلوك المستثمرين بالربع الأخير
أما في النصف الأول من أكتوبر 2021، فقد تصاعد الحديث عن الذهب إلى حد الهيمنة على سلوك المستثمرين، وكذلك الأفراد، في أسواق العالم أجمع، وذلك بعد إعلان مجلس الاحتياطي الفيدرالي في أغسطس الماضي نيته بتقليص برنامج التحفيز الكمي الذي دشنته الولايات المتحدة بغرض تعافي الاقتصاد من تداعيات جائحة “كوفيد-19” الوبائية، وعاد في اجتماع سبتمبر ليؤكد أن البدء في خفض التيسير الكمي سيبدأ منتصف نوفمبر، وربما يصاحبه رفع في أسعار الفائدة.
وقد سجلت أسعار الذهب خلال تعاملات يوم الخميس الموافق 14 أكتوبر 2021، وتخطى المعدن حاجز 1800 دولار للأوقية بعد صدور بيانات اقتصادية، وهو المستوى الأعلى في 7 أشهر.
وفي أوائل نوفمبر من عام 2021، لم يكن التضخم في الولايات المتحدة مرتفعًا فحسب، بل كانت التوقعات تشير إلى أن الاحتياطي الفيدرالي سيواصل إبقاء أسعار الفائدة منخفضة حتى عام 2022، كما قرر بنك إنجلترا، من جانبه، إبقاء أسعار الفائدة منخفضة عند 0.1%.
ويمكن القول؛ إن التضخم والوظائف الضعيفة وتراجع مؤشرات الاقتصاد الأمريكي مؤخرًا جعلوا الذهب يستفيد أعلي دعم 1750 دولار ويعود من جديد في محاولات لتجاوز 1800 دولار.
ويبقى صراع الذهب مع قرارات الفيدرالي بتقليص التيسير الكمي من جهة وصراع التضخم وتراجع المؤشرات من جهة أخرى، بمثابة فرصه للذهب لمواصلة الصعود والاستفادة من المخاوف الحالية للتضخم لزيارة مستويات 1850 ثم 1900 دولار للأونصة من جديد قبل عودة تقليل أحجام التيسير الكمي التي تدعم موقف الفيدرالي في محاربة التضخم، ومن ثم حرب أخرى على الذهب برفع أسعار الفائدة في عام 2022.