محلات الذهب وشركات السياحة.. وسطاء "مافيا الدولار" في مصر
سؤال مهم في سوق الصرافة بمصر، كيف تدار السوق السوداء للنقد الأجنبي، بعد حملات الإغلاق النهائي والمؤقت لشركات الصرافة؟
سؤال مهم يدور في سوق الصرافة بمصر، كيف تدار السوق السوداء للنقد الأجنبي، بعد حملات الإغلاق النهائي والمؤقت لشركات الصرافة في أرجاء البلاد؟.. السؤال أصبح أكثر أهمية مع الارتفاع الجنوني للدولار والذي وصل إلى أكثر من 15 جنيهاً وسجل أكثر من ذلك حسب متعاملين في هذه السوق.
حجم تجارة العملة في مصر ضخم، ويتجاوز 70% من حركة البيع والشراء اليومية في سوق الصرافة، وفق تقديرات خبراء ومؤسسات اقتصادية ومالية، ومنها اتحاد البنوك، ويقل ويزيد حجم السوق وفقاً لحجم العرض والطلب، والحالة الأمنية ضد تجار العملة وشركات الصرافة والوسطاء وكبار تجار هذه السوق.
في السنوات الخمس السابقة لثورة 25 يناير، كانت سوق تجارة العملة "السوداء" في أقل معدلاتها ولا تتجاوز 20% من حجم سوق الصرافة، وفقاً للدكتور نصر الدين يوسف المحمدي الأستاذ في جامعة المنوفية، موضحاً أن أسعار الصرف كانت شبة متوازية بين شركات الصرافة والبنوك، مع عدم وجود أزمة كبيرة في كميات النقد المتاحة للتجار والمستوردين، بخلاف قوة الدولة في المواجهة.
وقال اختلف الوضع في السنوات التالية لثورة يناير، حيث أصبحت السوق السوداء، وخصوصاً في آخر عامين، هي اللاعب الرئيسي في منظومة سوق النقد الأجنبي، خاصة مع تراجع دور الدولة المركزي في هذا الشأن، لأسباب عديدة، منها لعبة الصراع السياسي، والخلط بين دور الدولة في الاقتصاد وتحصينه، والخلاف معها، حيث أدت بعض من شركات الصرافة دوراً ضد الدولة في هذا الشأن.
وأصبح سعر الصرف تحدده شركات الصرافة وفقاً لحجم الطلب عليها، ووصل الأمر لما يشبه لعبة "القط والفأر" بين جهاز الدولة وهذه الشركات، ثم دخل لاعب ثالث، وهو إجراء تداولات سوق النقد من المنبع، أي في الدول التي تحتضن العمالة المصرية في الخارج، لتلتهم هذا اللاعب الجديد نسبة لا يستهان بها من حجم التحويلات.
وأشار دكتور المحمدي إلى أنه وبعد الدخول في المفاوضات مع صندوق النقد، وعزم الدولة على تحرير سوق الصرف للجنيه أو "تعويمه"، دخلت الدولة في مواجهة السوق السوداء، ومحاربة تجار العملة، وخصوصاً في شركات الصرافة التي تستحوذ على نصيب الأسد، وأغلقت عشرات الشركات والفروع.
يعمل في مصر 115 شركة صرافة، على الأقل تم غلق حوالى نصفها إما غلقاً نهائياً أو غلقاً جزئياً، حيث تشير بيانات المصرف المركزي إلى أنه تم غلق نحو 53 شركة، أكثر من نصفها تم إغلاقها نهائياً، والنصف الآخر إغلاقاً مؤقتاً، واللافت أن بعض شركات الصرافة التي تم غلقها، إما باعت مقاراتها، أو تم تصفيتها، خصوصاً تلك التي ألغيت تراخيصها.
وتساءل الدكتور المحمدي، من أين تدار سوق العملة السوداء هذه الأيام إذن، ومن يسيطر عليها؟ مؤكداً أن السوق لم تختفِ، ربما تحجمت قليلاً، لكنها تدار في الخفاء، ومن البيوت وبعض شركات الاستيراد والتصدير، وبخلاف السوق المهم لها، وهي محلات بيع الذهب والساعات والهدايا الخاصة، وشركات السياحة.
ويتفق مع هذا الطرح أحد أصحاب محلات الذهب "عزيز فؤاد"، والذي أكد أن عدد كبير من تجار الذهب يتلقون استفسارات من جمهور يسأل عن بيع نقد أجنبي، ومع الوقت بدأ أصحاب المحلات بالشراء ثم بيع العملات التي يشترونها، من خلال طرف ثالث، موضحاً أنها تبقى كميات ليست كبيرة، إلا أنه تصب في النهاية في أيدي تجار غير معلومين لنا، ليبيعوا كميات الدولار والعملات الأخرى بـ "الجملة".
وقال صاحب محل ذهب آخر، رفض ذكر اسمه أن بعض محلات الذهب كانت تشتري الدولار، ولكنها لا تبيعه للجمهور وذلك منذ سنوات، لكن مع إغلاق شركات الصرافة في الشهور الأخيرة اتسع دورها في هذه التجارة، لتصبح أحد الوسطاء الرئيسيين في جمع العملات الأجنبية من السوق، خصوصاً من عائلات العاملين في الخارج، مقابل نسبة أحياناً تصل إلى 10% عمولة.
وأشار إلى أن شركات السياحة وشركات الاستيراد والتصدير، تقوم هي الأخرى بدور رئيسي في القيام بدور شركات الصرافة، ولكن يتم هذا في حدود ضيقة وسرية، ولعملاء يثقون فيهم بشدة، ودخول أي زبون جديد غالباً يتم عن طريق عميل سابق لنفس التاجر أو الشركة، لتوفير الضمانات الأمنية.
شوكت الأتربي مسؤول في شركة سفر وسياحة يقول إنه ليس تاجر عملة، إلا أنه وبحكم عمله في قطاع السياحة يتعامل مع أفراد بحوزتهم نقد أجنبي، فمن لا يرغب في التوجه للتعامل بها مع البنوك، يقوم باستبدالها لهم، بسعر السوق المتعارف عليه، وبدوري أقوم ببيعها لطرف آخر بمكسب معقول، ولا أعرف شيئاً عن بقية دورة البيع، والتي غالباً ما تصب في إدارة ما يمكن أن نطلق عليه "مافيا العملة"، قائلاً: أنا مجرد "نملة صغيرة" في سوق خطير وكبير.
وتابع، أعلم خطورة مثل هذا السوق، ولكنه يمثل أحد دخول بعض الشركات، ولكنها حتماً ستخرج منه سريعاً، مع تحسن الوضع السياحي.
الدكتور أحمد ممتاز من أكاديمية السادات للعلوم الإدارية- فرع المنيا، يؤكد على أن تجارة السوق السوداء في النقد الأجنبي، ظاهرة لن تتوقف، وهي موجودة في كل الأنظمة، لكن حجمها يختلف من وقت إلى آخر، وقوة الاقتصاد أحد العوامل التي تحجمها، إلا أن "مافيا العملة" لن يخرجوا من السوق، وبقاؤهم في السوق منهج تجاري، حتى أن شركات الصرافة عندما تلعب هذا الدور، فإنها تلعبه تحت عباءة هؤلاء التجار الكبار، مستبعداً القضاء عليهم نهائيا، بل يمكن تحجيم نشاطهم، وهو ما تسعى إليه الدولة.
aXA6IDE4LjE5MS4yMDAuMjIzIA== جزيرة ام اند امز