يعتقد العديد من المحللين، خاصة الروس، أن معظم المشكلات مرتبطة بمفهوم "المليار الذهبي".
تلك النظرية التي تستند إلى تقسيم سكان العالم لدرجتين، أولى وثانية، بهدف الحفاظ على الظروف المعيشية المُريحة للأقلية "دول المليار الذهبي"، حتى سويسرا المزدهرة تعتبر من فئة "الدرجة الثانية" إلى جانب روسيا ومعظم أمريكا الجنوبية وعدد من البلدان الأكثر تقدمًا في آسيا وأفريقيا من حيث الفرص للحفاظ على الموارد البشرية داخلها.
المثير للدهشة أن هناك أماكن على كوكبنا لا يُفترض أن يعيش فيها الناس على الإطلاق من وجهة نظر أصحاب رؤوس الأموال، وفي اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية سابقًا كانت هذه التعاليم الرأسمالية تسمى "الاستعمار الجديد".
وفقًا لنظرية الخبير الديموغرافي والاقتصادي توماس روبرت مالتوس وأتباعه، فإن هذا الجزء من سكان الأرض هو الذي يستحق مصيرًا أفضل، أما البقية فيجب أن تبقى في حالة غير متطورة و"متخلّفة" غير قادرة على التنمية.
وقد وضع "مالتوس" "الأساس النظري للحكمة التقليدية، التي هيمنت على النقاش العلمي والأيديولوجي حول الجوع والمجاعة في العالم لما يقرب من قرنين من الزمان".
ففي نهاية القرن الثامن عشر، وتحديدًا عام 1798، وفي كتاب نشره "مالتوس" بعنوان "مبدأ السكان" -عُرف لاحقًا بمصطلح "المالثوسية" أي أتباع هذه النظرية- توصل توماس مالتوس إلى استنتاج مفاده أن زيادة عدد السكان غير المنضبط سيؤدي إلى الجوع على الأرض، حيث إن سكان الأرض يتزايدون بمتوالية حسابية سريعة كل 25 عامًا، أما الموارد على الأرض فتقل بمتوالية حسابية بطيئة، وهو الأمر الذي ينبئ بكارثة حتمية على البشرية بسبب قلة الموارد التي لا تكفي إلا لمليار إنسان.
ويعتقد "مالتوس" أنه يمكن إيقاف "التكاثر غير المنضبط للبشر" من خلال الموانع الرادعة والوقائية، مثل انتشار الأوبئة والجوع والحروب والكوارث والقيود الاجتماعية.
وبعد ذلك تأتي الموانع الذاتية من صنع الإنسان، مثل وسائل تحديد النسل والتعليم.
بدأ الحديث لأول مرة عن هذا المصطلح في منتصف عام 1970، بعد أول أزمة عالمية كبرى للموارد الطبيعية، انطلاقًا من مركز أبحاث غير حكومي يسمى بمنظمة "نادي روما" تأسس في أبريل 1968 في زيورخ بسويسرا، يضم مجموعة من العلماء من جامعات ودول مختلفة في مجالات الاقتصاد والسياسة، ولديهم اهتمامات مشتركة حول التحديات العالمية، مثل الزيادة السكانية، ووزعت المنظمة تقريرًا بعنوان "حدود النمو".
ويذكر التقرير أن المعدل الحالي للنمو الاقتصادي العالمي سيؤدي إلى استنفاد الموارد الطبيعية للأرض في غضون 20-50 عامًا، وبناءً على ذلك، فإن الانتقال إلى تقنيات توفير الطاقة والموارد وتحديد النسل في البلدان النامية "والحفاظ على التقدم" هو ضرورة حتمية، وكان الاستنتاج الضمني من هذا التقرير أن البُلدان المتقدمة، "بلدان المليار الذهبي"، ليس لديها مصالح للإسهام في تنمية البلدان "المتخلفة"، أي لا يمكنهم جميعًا أن يصبحوا متنافسين على الموارد الشحيحة في العالم بشكل متزايد.
هناك معانٍ عدة لمصطلح "المليار الذهبي"، أحدها يعتمد على عدم كفاية الموارد على كوكبنا، حيث إنه لن يكون هناك إلا ما يكفي لمليار إنسان من سكان الأرض، وهناك مصطلح آخر أقل انتشارًا يدعو إلى أن أولئك الذين ليسوا من بين أفضل ممثلي الإنسانية، "الدول المتخلفة"، يجب أن يعملوا على ضمان حياة مريحة للنخب التي تمثل "دول المليار الذهبي"!
وفي المنتدى الدولي لتنظيم السكان في ريو دي جانيرو عام 1992 ذكر أيضًا أنه إذا حققت جميع دول العالم الازدهار نفسه، الذي حققته الولايات المتحدة والدول المتقدمة الأخرى، فإن هذا يعني زيادة العبء على المحيط الحيوي والغلاف الجوي للأرض مئات المرات والموت الفوري من نقص الموارد.
هذا يعني أن مثل هذا المستوى من التطور هو ببساطة مستحيل، ما يعني أن دول العالم لم تعد مقسّمة إلى دول متقدمة ونامية، بل تم تقسيمها إلى دول يُسمح لها بالتطور ببطء، ودول لا يُسمح لها بالتطور أصلا، وذلك حفاظًا على فئة "المليار الذهبي" من سكان العالم.
إن دول " المليار الذهبي ذات الامتيازات" تستهلك الآن بالفعل ثلثي موارد العالم، ومضطرة للنضال من أجل الركود في البلدان "المتخلفة" للحفاظ على مستوى منخفض من التنمية.
وهذا يفسر السياسة مثلا تجاه أفريقيا المحتضَرة، وإغراق دول أمريكا الجنوبية وآسيا بالديون، وتقييد وإعاقة نمو روسيا والصين والهند بالعقوبات الاقتصادية والعسكرية، وإثارة الأزمات في كل مكان، وخلق "نقاط ساخنة" من أجل تدهور مناخ الاستثمار، ودعم ما يسمى "الثورات" في دول العالم الثالث ودول أوروبا الشرقية.
ولكن هذا لا يعني أن هذه النظرية حقيقة فعلية، فعلى العكس، هناك انتقادات عدة موجهة لها، حيث إنها لم تهتم بالتقدم التكنولوجي في إنتاج الموارد، بما فيها المستكشَفة حديثًا، فقد كتب "مالتوس" كتابه عندما كانت الموارد مقتصرة على الفحم الحجري، ولم يدرك أن هناك موارد جديدة كالنفط والغاز والطاقة البديلة.
وهناك زيادة في عدد سكان العالم، ولكن هناك موارد جديدة تُكتشف، ومصادر غذائية جديدة كالزراعة العمودية، والزراعة المائية، وتحلية مياه البحر، وغيرها من الموارد، التي يمكن استغلالها بفضل العقل البشري والتقدم التكنولوجي مع تطور الحياة وتزايد عدد السكان.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة