تسود حالة انقسامات حادة في تيارات الحركات الإسلامية تنذر بانشطارات متعددة في سياق التخاصمات الشديدة بين القيادات الحزبية.
الاستقطابات في "التنظيم الدولي للإخوان المسلمين" يوازيها التخاصم في العراق بين مقتدى الصدر ونوري المالكي.
مجمل التخاصم السياسي يرتكز على صراعٍ على مكتسبات ما تحقق للتيارات الإسلاموية خلال العقود الأخيرة من نفوذ وأموال، وهو ما يبدو عليه التخاصم الحاصل بين القوى الإسلاموية، غير أن ما يحصل يضعنا أمام أسئلة متعددة إنْ كانت أولا: النظم الوطنية استفادت من هذه الوقائع بتوعية الشعوب.. وثانيا إن كانت هذه الصراعات ستؤدي لنهاية تلكم التيارات؟
ليس بالقدر المطلوب تعمل النظم الوطنية لإظهار فحوى صراعات القوى الإسلاموية لاعتبارات متعددة، لا شك منها اختراق تلكم القوى للأنظمة الوطنية ولقدرتها على توظيف الإرهاب الفكري، نظرًا لاختطاف العقل العربي على مدى عقود متوالية، ومهما يكن فإن من الواقعية الحديث أن إرهاصات ما يحدث من انقسامات بين تلكم القوى الإسلاموية يتطلب إرادة سياسية واضحة نحو التعامل معه بدلا من الاكتفاء بدور المراقبة، فسيل المعلومات حول القضايا المتعلقة بالأموال والجرائم تفتح ملف الفساد السياسي والمالي والجنائي في الأنظمة الوطنية.
ما يحدث وسيحدث فرصة سانحة لكشف حقيقة التيارات الإسلاموية وزيفها أمام المجتمعات، فهذا واجب وطني لازم لفضح أن هذه التيارات استخدمت الدين لتحصل على ما ليس لها فيه حق، بالإضافة إلى أنها وسّعت من نفوذها وحصل المنتمون لها على وظائف على حساب آخرين لانتمائهم الحزبي، وليس على أساس الكفاءة، في إسقاط صريح للعدالة الاجتماعية، التي يسوقون لها في دعاياتهم وخطاباتهم.
حققت الأحزاب ذات المرجعية الدينية ثروات هائلة، سواء من الابتزاز السياسي، الذي مارسته طويلاً، أو من خلال استثمارها في القضايا السياسية والاجتماعية، وهذه الثروات تحفز القيادات على الصراع حولها، فهي بمثابة "الغنائم"، بحسب تعريفاتهم الفقهية، وهم يمتلكون من الحُجج لإيجاد النصوص، التي "تُشرعن" ما حققوه، ولو كان دون حق قانوني، فهم يمتلكون حصرية ما يرونه "التوكيل الإلهي"، وعليه لن يعجزوا عن إيجاد التشريعات اللازمة، التي تمكّنهم من الأموال العامة.
من الخطأ الجسيم أن تعتقد النظم الوطنية ما يحدث من انقسامات وصراعات سيؤدي لنهاية التيارات أو حتى أحدها، فالتاريخ وحده يمتلك إحابة قاطعة، فمنذ القرن الهجري الأول وظهور حركة الخوارج لم ينتهِ تيار الإسلام السياسي، بل إنه ينشطر ويتعدد، فهو أشبه ما يكون بالمتحورات، التي لا يمكن القضاء عليها دون إجراءات قطعية تُضعف من قوتها وتمنعها من الوصول إلى أهدافها، بما فيها السيطرة على المجتمعات وتسييرها لتحقق القبض على مقاليد الحكم.
الاعتقاد بنظرية التآكل هو السائد، وهو ما يحاول مريدو تلك التيارات إظهاره للعامة خشية اتخاذ الإجراءات القانونية المحاسبية بما يتوفر من معلومات تنشرها القوى المتناحرة، والتي قد تصل بها إلى استخدام العنف بين أفرادها، لكنها لن تمس بقياداتها، وهو ما يُستنتج من تجارب سابقة في رصد هذه التيارات ونزاعاتها والكيفية، التي ستضطر معها إلى الانكفاء حتى تعود لها فرصة العودة، فهي أدوات تُستخدم لمصالح قوى دولية للفتك وإضعاف الدول الوطنية العربية.
معارك ذات الغنائم هي معارك ضارية تؤكد أن هذه التيارات ليس لها علاقة بسماحة الدين الإسلامي، إنما هي تيارات انتهزت فترات الجهل لتصنع فيها أفكارها المسمومة، التي شوّهت الإسلام كدين الرحمة والتسامح.
هذه التيارات عملت على اختطاف الإسلام واحتكاره لمصلحة محددة تصل بها إلى سلطة الحكم في مناهضة للدولة الوطنية، من صراعات الخوارج ومرورًا بالحشاشين، وحتى حرب أمراء "القاعدة" و"داعش"، تحدث هذه المعارك، فهي متلازمة تيارات الإسلام السياسي عبر التاريخ.
نقلا عن الاتحاد الإماراتية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة