المطلوب جهد دولي ترعاه المؤسسات الأممية المعنية لمواجهة هذا الخطر، والتصدي له بكل الإمكانات
لا أظن أن خطراً واجه ويواجه البشرية، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، كالخطر الذي يواجهها الآن جراء تفشي فيروس كورونا، حيث بدأت منظمة الصحة العالمية تقرع ناقوس الخطر بشدة بسببه وتقترب من إعلانه جائحة تهدد العالم.
كورونا أسقط بما يحمله من مخاطر كل الحسابات العرقية القومية والأيديولوجية، والسقوط فيه لن يستثني أحداً إذا توافرت الظروف المواتية لانتقاله من شخص إلى آخر. كما أسقط كل التصنيفات الأخرى، فهو لا يفرق بين الاقتصاد المفتوح أو الاقتصاد المحمي أو الاقتصاد الرقمي، وضرب عرض الحائط بكل الاتفاقات ذات الصلة، وانعكست آثاره السلبية على أسواق المال والسندات والسلع بمختلف أنواعها؛ سواء الاستهلاكية منها أو الاستراتيجية.
المطلوب جهد دولي ترعاه المؤسسات الأممية المعنية لمواجهة هذا الخطر، والتصدي له بكل الإمكانات. ولا بأس من تأسيس مركز بحوث عالمي يتم من خلاله تبادل الخبرات بين المتخصصين في جميع أنحاء العالم
لا يراعي فيروس كورونا في هجومه النظريات السياسية أو الاقتصادية، ولا يفرق بين ماركسي أو إمبريالي أو اشتراكي أو ديني أو ملحد.. الجميع عنده سواسية، وإذا حلّ في أرض سينتقي فريسته الأضعف من أي توجه كانت.
شاشات التلفزة العربية والعالمية اصطبغت باللون الأحمر، وهي تتابع غزارة الأخبار العاجلة عن آخر تطورات تغلغل هذا الفيروس واقتحامه أمنع الأسوار، إن كان أحد لا يزال يظن أن أسواره منيعة أمامه. هو يذكرنا بأفلام الخيال العلمي التي تحدثت عن الأطباق الطائرة القادمة من الفضاء حاملة مخلوقات غريبة للقضاء على الإنسان.. وهذه المخلوقات لا تفرق في هجومها بين عرق ولون أو حضارة وحضارة أخرى. وبإسقاط ذلك على واقعنا الحالي، نرى أن هذه الأطباق الطائرة هي طائرات النقل والشحن والركاب التي تجوب سماء الأرض.. مع فارق بسيط أن كورونا طوّر نفسه وعدّل طرائق هجومه من خلال تخفيه في أجساد آدمية، للهجوم على الآخرين.
المتداول من أخبار هذا الفيروس المستجد، هو أن المختبرات العالمية لن تصل إلى دواء فعّال له قبل حلول شهر يونيو/حزيران المقبل، وستتم تجربته أولاً على الحيوانات ومتطوعين ودراسة فاعليته وإن كانت له أضرار جانبية قبل تعميمه، وبالتالي لن يتاح الدواء الشافي له قبل حلول نهاية هذا العام في أكثر السيناريوهات تفاؤلية، وبالتالي علينا البقاء على مدرجات المراقبين والمتابعين بضعة أشهر أخرى، وإن بقي كورونا بهذه "الحيوية" لا أحد يعلم الى أين سيصل بنا وبهذا العالم المتخم أصلاً بجروح ومصائب وقضايا لا حصر لها.
ما يؤسف أن بعض الدول اتبعت في تعاملها مع فيروس كورونا سياسة النعامة "دفن الرأس في الرمل"، وهي في ذلك ترتكب إثماً لا يُغتفر، فهذا الفيروس، وبحسب ما يؤكده الخبراء، هو نتاج اندماج بين عناصر في الخفاش وأخرى في الأفعى، وبرمزية هذين الكائنين نستطيع تلمس صفات و"أخلاقيات" كورونا من معرفتنا بصفات و"أخلاقيات" مصدره؛ فالخفاش طائر الليل والعتمة الكاره للنور، والأفعى تلك الحريرية الملمس القاتلة الأنياب، وسياسات الإخفاء والتلطي ودفن الرأس في الرمل تعتبر أرضاً خصبة لكورونا.
وإذا كان من مطلب حق في هذا الأمر، فهو التزام الشفافية الكاملة في الإفصاح والإعلان عن المصابين وحجم الإصابات ومداها ومدى السيطرة عليها من جميع حكومات العالم، فهذه الجائحة كما وصفتها منظمة الصحة العالمية، ليست قضية أمن قومي ولا قضية مؤشر اقتصادي يرتفع وينخفض، بل هي قضية إنسانية بامتياز، والدول عندما تبني ميزانياتها تعطي الصحة الأولوية الثانية بعد الدفاع والأمن، ودون ذلك كل شيء قابل للنقاش. والشفافية هنا لا تعني إشاعة أجواء الخوف والذعر بين الناس، بل على العكس، حيث أثبتت التجارب أن غياب الشفافية ينعش بورصة الأخبار الكاذبة والإشاعات، وبالتالي تخسر الدول ثقة مواطنيها بها، في عالم باتت فيه وسائل التواصل الاجتماعي غير المُسيطر عليها تشكل الرأي العام وتتحكم به.
وإذا كانت الأزمات تنتج فرصاً، كما في حالات الرخاء، فإن أزمة كورونا من المأمول أن تفتح باباً واسعاً للتفاعل الإنساني الإيجابي والبنّاء، وتكون فرصة مواتية لتأجيل كل الملفات بين الدول والعمل معاً لمواجهته بعيداً عن الحسابات السياسية والاقتصادية والأيديولوجية.
حسناً فعلت إيطاليا بدعوتها إلى قمة لدول جوارها لمناقشة الخطط الواجب وضعها لمواجهة هذا الفيروس، بعدما صارت حديث الإعلام من حيث عدد الإصابات، ولكن هذا لا يكفي لأن المطلوب جهد دولي ترعاه المؤسسات الأممية المعنية لمواجهة هذا الخطر، والتصدي له بكل الإمكانات. ولا بأس من تأسيس مركز بحوث عالمي يتم من خلاله تبادل الخبرات بين المتخصصين في جميع أنحاء العالم ووضع آليات لتبادل نتائج الاختبارات وتعميمها.
ولنتذكر دائماً أن رسالة أفلام الخيال التي عالجت غزو المخلوقات الفضائية، كانت دائماً هي أن العدوان لا يمكن صده والقضاء عليه إلا بتكاتف جهود الجميع، وغير ذلك فإن الخسائر ستكون مدمرة للجميع.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة