قادة البلد هم أبلغ مثال على مفاتيح الخير، ومَن لا يتأسى بهم من المسؤولين، فعليه أن يُراجِع نفسه.
من طريف ما يُنقَل عن الأديب الأيرلندي الشهير أوسكار وايلد، قوله: «يوجد لدينا الكثير من الأغراض التي نرغب برميها بعيداً، لولا أننا نخشى أن يأخذها الآخرون ويستفيدوا منها»!
أحياناً قد يكون السبب، أنّ المرء «يستكثر» ذاك الشيء كقيمة على غيره، وأحياناً يكون السبب لخلل في تركيبته النفسية، وكون مساحات الخير في قلبه أراضي جدباء، ينعق فيها البوم، وتحوم فوقها العقبان، ولسنا هنا بصدد محاكمة أحد، أو التدخل في شؤونه، ما دام أثره محصوراً في نطاقه الشخصي الضيق، لكن لا بد من طرق الموضوع، إن وُجِدَ في النطاق العام أمثال هذا الشخص، الذي «يتفنّن» في إيذاء الآخرين، مستغلاً سُلطَةً مُنِحَت له ليوجّهها في مسارات إيجابية تنفع المجتمع، فاستغلها لضعف نفسه في «الفرعنة» والإيذاء!
قادة البلد هم أبلغ مثال على مفاتيح الخير، ومَن لا يتأسى بهم من المسؤولين، فعليه أن يُراجِع نفسه، وكما يقول مثلنا المحلي: «اللي ما يسنِّع نفسه بتسنّعه الرجال»، فلم يَعُد هناك ما يخفى، والأخطاء المتعمّدة لا مكان لها، وهو ما جعل كلمات القادة مباشرة وصريحة، لا تقبل اللبس.
قبل أيام، خرجت علينا تغريدتان رائعتان لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وفقه الله تعالى، تصف صنفين من المسؤولين، كما تراهما القيادة الرشيدة للدولة، أولهما مطلوب، والآخر مرفوض، فبالصنف الأول تُبنَى النجاحات، ويعلو الرهان، وتتقدّم الأُمَم، وبالثاني تُغتال الأحلام، وتتردّى الأمور، وتتخبّط المسارات.
يقول سموّه: «علمتني الحياة أنّ المسؤولين نوعان. النوع الأول هم مفاتيح الخير. يحبون خدمة الناس. سعادتهم في تسهيل حياة البشر. وقيمتهم في ما يعطونه ويقدمونه. وإنجازهم الحقيقي في تغيير الحياة للأفضل. يفتحون الأبواب، ويقدمون الحلول. ويسعون دائماً لمنفعة الناس، والنوع الثاني.
مغاليق للخير. يصعّبون اليسير. ويقلّلون الكثير. ويقترحون من الإجراءات ما يجعل حياة البشر أكثر مشقة. سعادتهم في احتياج الناس لهم، ووقوفهم بأبوابهم وعلى مكاتبهم. لا تنجح الدول والحكومات، إلا إذا زاد النوع الأول على الثاني».
إنّ مغاليق الخير هم من براعة التمثيل والادّعاء بمكان، إنْ لم ينتبه أحد أو يكتشف حقيقة معدنهم، حتى وصلوا إلى مراكز السلطة، فانكشفوا تماماً، تقول الحكمة القديمة: «إذا أردتَ أن تعرف إنساناً فامنحهُ سُلطة»، وهم بعد أن تمكّنوا، لم يألوا جهداً في إيذاء مَنْ حولهم، أو محاولة اختلاق هالة قداسة تحيط بهم، وبأنهم لم يصلوا لهذا المكان إلا لأنهم يفوقون غيرهم، ولا بد أن يُعامَلوا بطريقة مغايرة للبقية، وأن يعي البقية أنهم أقل منهم، وإنْ تجرّأوا على مخالفة ذلك فالويل لهم، فمغاليق الخير لهم طرقٌ في الإيذاء، يخجل منها حتى الأبالسة!
مرّ عليّ قبل سنوات موظفٌ في إحدى المؤسسات، عُرِف باجتهاده وأمانته، ولكن انقطعت عنّي أخباره لفترةٍ ليست بالقصيرة، ليقول لي: «عضّني الفقر يا فلان»، عندما سألته مستغرباً، أخبرني بقصته العجيبة مع مسؤوله مغلاق الخير، عندما وقف على خلل متعمّد في الأمور المالية، ورفع الموضوع إليه باعتباره المرجعية الرئيسة بالمؤسسة، لكن بدلاً من الشكر وجد «الهزاب» و«أنت منو تفكّر عمرك»، أمر بتحويله لوظيفة ميدانية، إذلالاً له، عندما أخبره أنه سيستقيل إنْ حدث له ذلك، قال له: «دامني حي ما بتتوظّف لين تشحت»، وفعلاً استغل علاقاته لإيقاف إجراءات تعيين هذا الشخص في العديد من المؤسسات، حتى عضّه الفقر فعلاً، قبل أن يأتيه الفرج والإنصاف من جهات عليا.
مثل هذا الشخص الـمُحارَب كثيرون، وأمثال هذا المسؤول المتفرعن ليسوا بِقِلّة، والقصص عن وقوف بعضهم كحجر عثرة أمام تعيين من لا «يدخل لهم في زور» كثيرة، بعضهم لأنه يريد «كسر خشم» موظف لم يُساير «سعادته» كما يريد، حتى لو كان على حساب الأمانة الوظيفية، وبعضهم لأنه لا يريد لهذا الشخص أن يتعيّن، لأنه يملك كاريزما مختلفة وقدرات عالية، قد تخطف الأضواء منه، وتلفت له أنظار المسؤولين الكبار، وما يمكن أنْ يُشكّله ذلك من تهديد لمنصبه واحتمال خسارة كل هذه المكانة، وفقدان هذا «البرستيج» بين الناس!
قادة البلد، حفظهم الله، وضعوا تمكين الشباب كأولوية من أولويات الحكومة، وفي كل مناسبة يؤكدون هذا الأمر، ووجّهوا منذ زمنٍ بعيد بتسهيل تأهيلهم تأهيلاً عالياً، ورُصِدَتْ لذلك الميزانيات الطائلة لبعثاتهم الدراسية وبرامج التدريب المتخصصة، وتم ُخَلْق أعداد كبيرة من الوظائف لاستيعابهم، حتى يسهموا مع إخوانهم وأخواتهم في دعم مسيرة التنمية، وليحملوا الراية في قادم الأيام، فهم الرهان وليس سواهم، وهم الثروة الحقيقية وليس النفط.
كما قال ذلك صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في كلمته الملهمة لهم: «شبابنا هم أمل المستقبل، وثروة الوطن الحقيقية وفخره الدائم.. إن رهاننا الحقيقي أنتم يا أبنائي، ولدينا إيمان بأن التقدم في هذه الدولة لن يتم إلا بكم، أنتم أمل هذه البلاد ومستقبلها والسلاح الحقيقي، وليس الـ3 ملايين برميل نفط يومياً».
قادة البلد هم أبلغ مثال على مفاتيح الخير، ومَن لا يتأسى بهم من المسؤولين، فعليه أن يُراجِع نفسه، وكما يقول مثلنا المحلي: «اللي ما يسنِّع نفسه بتسنّعه الرجال»، فلم يَعُد هناك ما يخفى، والأخطاء المتعمّدة لا مكان لها، وهو ما جعل كلمات القادة مباشرة وصريحة، لا تقبل اللبس، وصالح الوطن ونهضته هو المطلوب، ومَن لم يعمل لخدمة هذا الأمر، فإنّ «إخوان شمّا» غيره كُثْر!
نقلا عن "البيان"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة