في ومضةٍ قيادية متميزة، وبأخلاق الفرسان الأوفياء، أكّد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله..
على أنّ جميع ما وصلت إليه دولة الإمارات العربية المتحدة من سُمعة طيبة، وإنجازٍ متفرد على المستوى العالمي هو بفضل المغفور له طيّب الذكرى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيّان رحمه الله، رئيس الدولة الأول.
والمؤسس لمجد الوطن الراسخ الذي وضع اسم الإمارات على الخارطة العالمية، ووضع كل السبل الكفيلة بمواصلة السير في الطريق المتميز الذي اختاره لوطنه عن وعي وبصيرة حتى وصل إلى هذه المنزلة المحترمة بين الدول والشعوب.
إنّ النظر المتبصّر في محتوى هذه الومضة المتميزة يكشف عن أنّ صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد يطرح مفهوماً ميدانياً لشخصية القائد، وأن فكرة القيادة عنده ليست مجموعة من الأفكار المثالية، أو المناصب المحددة بل يريد تعميم فكرة القيادة بحيث تصبح جزءاً من الثقافة العامة للشعب، وممارسة طبيعية للحياة التي لا يمكن أن تتقدم إلا إذا برز فيها نموذج القائد المِقدام الذي يتحمل مسؤولياته بجسارة، ولا يختبئ خلف مرؤوسيه عند مواجهة الصعاب والتحديات.
يفتتح صاحب السمو هذه الومضة بقوله: (اللي توصلت له دولة الإمارات من سُمعة طيبة، والتقدم اللي صار هو بفضل الشيخ زايد طيب الله ثراه) ليكون هذا النمط الرائع من الوفاء للجيل المؤسس هو الضابط الأخلاقي لفكرة القيادة، فالقائد الشجاع المتبصر هو الذي يعترف بإنجازات الآخرين، ويقدم للقادة الجدد نموذجاً في أخلاقية القيادة، فلا يوجد قائد نبت في أرض الصحراء دون أن يتلقى تدريباً من قادةٍ سابقين، ودون أن يكون مسبوقاً بإنجازات متميزة كانت هي مصدر إلهامٍ له، ونموذجاً يجب الاستفادة منه على أقل تقدير.
فضلاً عما تَعنيه هذه الإشارة الثمينة إلى الإسهام الأعظم للشيخ زايد من أن قصة التقدم في الإمارات هي سلسلة متماسكة الحلقات، وأنّ أجيال التقدم والبناء متلاحمة على مستوى الفكر والإنجاز.
وهذا مما تتميز به مسيرة هذه الدولة المظفرة، فحتى هذا اليوم ما زال رجال الدولة الكبار شديدي الوفاء والامتنان للجهود المبكرة التي بذلها الرجال المؤسسون، ليكون في ذلك أبلغ الدروس للأجيال القادمة من القادة الذين لم يتيسر لهم معرفة جهود السابقين عن قرب، فتأتي مثل هذه الومضات لتؤكد عمق التلاحم الوطني بين رجالات الوطن في مختلف المراحل التي شهدتها مسيرة البلاد المباركة.
(وصار في كل دول العالم اسم دولة الإمارات معروفاً) وهذه هي الثمرة الطبيعية لكل جهد متميز في الإعمار والبناء، أن يكون اسم الدولة معروفاً بالخير والتقدم واحترام القيم الحضارية، وهذه هي صورة الإمارات المرسومة في الوعي الإنساني.
حيث تسهم هذه الدولة المؤسسة على فعل الخير ومشاركة الإنسانية في التخفيف من أوجاع الإنسان، فضلاً عن المراكز المتقدمة التي حققتها الدولة في مسارات يتنافس عليها عشرات الدول، فهي ليست معروفة بالمعنى الفارغ للشهرة بل هي معروفة بإنجازاتها التي جعلت منها دولة قوية الحضور عميقة التأثير في المشهد العالمي.
بعد ذلك يتوجه صاحب السمو إلى المخاطبين بقوله: (فأنتم الوجهاء وتمثلون الدولة، ونحن نريدكم تمثلونها في كل المجالات، هناك فرص كبيرة جِدّامنا أن نكون) في هذا المقطع يضع صاحب السمو المسؤولية المباشرة لتمثيل الدولة في مرمى النخبة القيادية التي يفترض فيها أن تمثل الوطن وبكفاءة واقتدار في جميع المجالات.
وهذا يعني أنّ الوطن ليس حكراً على مجموعة محددة من الرجال الذين يحتكرون الإدارة بل هو ساحة مفتوحة للتنافس الشريف الذي يستخرج أفضل الطاقات الحريصة على مجد الوطن والتقدم به في سُلّم الحضارة والمدنية، مؤكداً سموه أن هناك فرصاً كبيرة للتقدم والإعمار تنتظر القادة الذين يريدون للوطن أن يتقدم، وأن يكون لكل قائدٍ منهم شخصيته الحضارية الفاعلة في مسيرة الحضارة الإنسانية.
بعد ذلك يلقي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد ضوءاً كاشفاً وبنكهة جديدة على مفهوم القائد حين يفرّق بدقة عميقة بين المفاهيم المتداولة لفكرة القائد وبين فكرته هو عن القيادة حيث يقول:
(القائد مب لازم إنه يقود جيش، القائد يقول: أنا القائد، وأنا أقود مجموعتي وأقود عملي، وأصبح قائداً) لتكون هذه العبارة من الومضة هي الجوهر العميق لِما أراد صاحب السمو أن يوصله للمستمع والقارئ، وهو أن فكرة القيادة ليست سلوكاً نمطياً يتمثل في قيادة المناصب الكبرى في الدولة.
حيث ضرب مثالاً على ذلك قيادة الجيش باعتبارها أصعب مهمات القيادة على الإطلاق، ليؤكد أنّ القيادة هي سلوك نابع من شعورٍ صادق بالثقة بالنفس، والقدرة على تنظيم المجموعة التي تعمل معه وإطلاق طاقاتها مهما كان حجم العمل صغيراً أو متواضعاً.
فالأبُ قائد ناجح في بيته إذا كان يديره بحكمة وشجاعة ومسؤولية، والمعلم قائد في مدرسته، والمدير في إدارته، فالقيادة نموذج في التفكير، ونمطٌ من الوعي المتقدم الناضج ينتج عنه سلوك وممارسة يكون لهما أكبر الفضل في غرس روح التقدم في جميع مسارات الحياة، بحيث يمتلك القائد إحساساً رائعاً من الثقة بالنفس يدفعه لأن يقول وبنبرة عميقة الدلالة على الفخر: «أنا القائد، وأنا أقود مجموعتي»، ليكون هذا النموذج الصحيح في العمل هو النموذج المطلوب لترسيخ فكرة القيادة، وتعميق وجودها في الحياة.
ثم ختم صاحب السمو هذه الومضة الرائعة بوصية لجميع القادة في شتى مواقعهم، بأن يكونوا هم ضمير الوطن، وقادة التغيير فيه، وأن يحافظوا على سمعته الطيبة، بل وأن يتقدموا بهذه السمعة الطيبة إلى الأمام، فالإمارات هي بلد الخير والعطاء، وتستحق أن يقدم لها أبناؤها أفضل ما لديهم من المواهب والطاقات، فقد منحتهم وعن طيب نفس أفضل ما يمنحه الوطن لأبنائه البررة.
فكان حقاً واجباً عليهم أن يقابلوا هذا العطاء بعطاء زائد وهو ما تمثل بقول صاحب السمو في نهاية الومضة، حيث ختمها بقوله: (وأنا أحاول أن تكون سمعة دولة الإمارات طيبة، وأرجو منكم أن تكونوا فريقاً واحداً) ولقد كانت السمعة طيبة بفضل الجهود الحثيثة المثمرة التي بذلها صاحب السمو في شتى المجالات، ليؤكد في نهاية الومضة على فكرة الفريق الواحد.
وذلك لعُمق خبرة صاحب السمو بأنّ الأعمال الكبرى تكون في أفضل حالاتها حين يقوم على تنفيذها فريق منسجم في الرؤى والتصورات، متلاحم الأيدي والسواعد والقلوب، لتكون هذه هي الصبغة العامة للحياة في الإمارات، الإمارات التي وضعها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد في سويداء قلبه، وغنى لها أعذب الألحان وكتب في محبتها أصدق الكلمات.
نقلا عن البيان الإماراتية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة