«الإغلاق» يضر بصورة أمريكا خارجيا.. الحلفاء قلقون

أسباب عديدة تدعو حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية إلى الشعور بالقلق، سواء على مستوى السياسات الخارجية أو حتى التماسك الدتخلي.
ففي سابقة لم تحدث منذ نحو سبع سنوات، دخلت الحكومة الفيدرالية الأمريكية في حالة شلل إداري بعد فشل الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) في التوصل إلى اتفاق حول الميزانية، ما أدى إلى تعطيل مؤسسات رئيسية وإجبار مئات الآلاف من الموظفين على إجازات غير مدفوعة الأجر.
ورغم استمرار آلاف العاملين في قطاع الأمن القومي في أداء مهامهم، إلا أن تداعيات الإغلاق تتجاوز الداخل الأمريكي لتنعكس على السياسة الخارجية وصورة واشنطن أمام خصومها وحلفائها على السواء، وفقا لمجلة "فورين بوليسي".
الأثر المباشر للأزمة بدا جلياً على الجبهة الداخلية بدءا من تأجيل صدور تقرير الوظائف الشهري، إلى تراجع الخدمات في المتنزهات الوطنية، واحتمال تعطل الرحلات الجوية إذا تغيب مراقبو الحركة الجوية وموظفو إدارة أمن النقل، فضلاً عن توقف أبحاث أساسية في الصحة العامة بعد تسريح موظفي المعاهد الوطنية للصحة ومراكز السيطرة على الأمراض.
لكن الخطر الأكبر يتمثل في مؤسسات الأمن والدبلوماسية. فقد أعلنت وزارة الحرب (المسمى الجديد لوزارة الدفاع - البنتاغون) تسريح أكثر من 334 ألف موظف مدني، أي ما يقارب نصف قوتها العاملة، فيما يواصل أكثر من مليوني جندي خدمتهم من دون أجر بانتظار اعتماد الكونغرس للمخصصات لاحقاً.
أما وزارة الخارجية، فستسرّح أكثر من ثلث موظفيها، وهو ما يعني شللاً جزئياً في نشاطها الدبلوماسي.
أولويات عسكرية محدودة
وقد حددت وزارة الحرب ستة مجالات ستبقى على رأس أولوياتها رغم الإغلاق هي: أمن الحدود، والعمليات في الشرق الأوسط، وصيانة المستودعات العسكرية، وبناء السفن، وإنتاج الذخائر الحيوية، إضافة إلى مشروع الدفاع الصاروخي المعروف بـ"القبة الذهبية لأمريكا".
ومع ذلك، فإن بعض مهام الاستخبارات الفنية، خصوصاً تلك المتعلقة بجمع المعلومات السياسية، ستتوقف، وهو ما يثير مخاوف من ثغرات استراتيجية في ظل المنافسة المحتدمة مع الصين وروسيا.
ويعتقد خبراء أن هذه الفوضى تمنح خصوم واشنطن مادة دعائية قوية. ويقول نيد برايس، المتحدث السابق باسم الخارجية الأمريكية: "لم نسمع يوماً أن الصين أغلقت مؤسساتها أو أن الكرملين توقف عن العمل. هذا المشهد يقدّم الولايات المتحدة كدولة غير مستقرة لا يمكن لحلفائها الوثوق بها".
إلى جانب الأثر الرمزي، هناك أيضاً البعد البشري. فالموظفون الفيدراليون في قطاعات حيوية يواصلون عملهم من دون أجر، ما يضعف معنوياتهم ويؤثر على إنتاجيتهم.
ويحذر برايس من أن "الإحباط والتراجع في الأداء لا يقتصران على أثر فوري بل يخلقان تأثيراً تراكمياً قد يهدد الأمن القومي على المدى البعيد".
ويرى أن هذه الأوضاع قد تفتح الباب أمام أجهزة الاستخبارات الأجنبية لاستقطاب عناصر محبطة أو مضغوطة مالياً، كما حدث في قضايا تجسس سابقة ألحقت أضراراً جسيمة بالأمن الأمريكي.
ارتباك لدى الحلفاء
أما على الصعيد الخارجي، فقد أعلن البنتاغون إلغاء جميع الزيارات الرسمية لوفود أجنبية والتي تصنف بأنها "غير ضرورية"، فيما تأجلت اجتماعات مقررة لمسؤولين أوروبيين مع الخارجية الأمريكية.
وأشار أحد الدبلوماسيين الأوروبيين إلى أن وفده قد يضطر لإلغاء زيارته إذا استمرت الأزمة، قائلاً: "قد لا نجد حتى من يستقبلنا أو يرافقنا في أروقة الوزارة".
ويحذر مسؤولون سابقون من أن إلغاء التدريبات العسكرية المشتركة أو تقليصها سيضعف الجاهزية القتالية ويضر بقدرة القوات الأمريكية على العمل بانسجام مع الحلفاء، وهو ما يثير شكوكا إضافية حول التزامات واشنطن الدولية.
وإجمالا، لا يقف الإغلاق الحكومي عند حدود شلل إداري داخلي، بل يترك بصمات واضحة على مكانة الولايات المتحدة العالمية.
وبينما يسعى الخصوم لاستثمار هذه اللحظة لإظهار أمريكا كقوة "في حالة انحدار"، يجد الحلفاء أنفسهم أمام أسئلة صعبة حول مدى موثوقية الشريك الأمريكي في وقت تتصاعد فيه التحديات الأمنية حول العالم.