الإغلاق الحكومي الأمريكي.. ترامب يعيد ترتيب أولويات الإنفاق والسيطرة

تشهد الولايات المتحدة حالة من الجدل والتوتر مع توجه الحكومة الفيدرالية نحو الإغلاق، في وقت لا يظهر فيه الرئيس دونالد ترامب أي نية للتراجع عن أجندته الاقتصادية.
على العكس، يبدو أن البيت الأبيض يعتبر الإغلاق فرصة استراتيجية لإعادة ترتيب أولويات الإنفاق الفيدرالي وتوسيع نفوذ الرئيس على مؤسسات الدولة، ما أثار نقاشًا سياسيًا واسعًا وقلقًا بين الموظفين الحكوميين.
وبحسب تحليل نشره موقع "ياهو فاينانس"، فرغم توقف العديد من الخدمات الحكومية، تسمح خطط الطوارئ التي أعدتها الإدارة باستمرار عدد من البرامج الاقتصادية الرئيسية، أبرزها تنفيذ التعريفات الجمركية الجديدة وخطة إنقاذ بقيمة 20 مليار دولار لصالح الأرجنتين.
وأعلنت وزارة التجارة أن التحقيقات المرتبطة بالأمن القومي، والتي تندرج تحت المادة 232 من قانون توسيع التجارة، ستستمر، ما يتيح الاستعداد لفرض تعريفات جمركية جديدة على سلع استراتيجية مثل المعادن وأشباه الموصلات.
كما بدأ تنفيذ تعريفات بنسبة 100% على بعض المنتجات الصيدلانية، و25% على الشاحنات الثقيلة، على أن تلحقها رسوم جديدة على الأخشاب ومنتجاتها في وقت لاحق من أكتوبر الجاري، لتؤكد الإدارة حرص الرئيس على الحفاظ على زخم سياساته التجارية حتى في ظل غياب التمويل الحكومي الكامل.
وعلى الصعيد المالي الدولي، أعلنت وزارة الخزانة خطة لتقديم دعم مالي ضخم للأرجنتين عبر اتفاق مبادلة عملات يفوق 20 مليار دولار، بهدف دعم حكومة الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي، الحليف السياسي المقرب من ترامب.
ورغم أن الدعم لم يُربط صراحة بالإغلاق الحكومي، إلا أن أثار انتقادات، إذ يعتبره البعض منحًا في وقت تُعلق فيه خدمات محلية أساسية وتتوقف رواتب الموظفين الفيدراليين، ما يعكس انحيازًا سياسيًا وتجاوزًا لأولويات المواطن الأمريكي وسط حالة من عدم اليقين الاقتصادي.
ولم يُخفِ ترامب نواياه في استغلال الإغلاق كأداة لتحقيق مكاسب سياسية، فقد صرّح عشية الإغلاق بأن "الإغلاق يمكن أن يساعدنا في التخلص من برامج لا نريدها.. وغالبًا ما تكون ديمقراطية الهوى". ويعكس هذا التصريح توجهًا واضحًا لإعادة ترتيب المشهد الفيدرالي بما يخدم أولويات إدارته حتى على حساب الاستقرار المؤسسي.
وبالفعل، بدأت بعض التحركات التنفيذية في إطار هذا التوجه، أبرزها إعلان مدير الميزانية راسل فوغت عن تعليق تمويل نحو 18 مليار دولار للبنية التحتية في نيويورك، وإلغاء 8 مليارات دولار مخصصة لمشروعات الطاقة النظيفة في ولايات ديمقراطية، ما فسّرت على نطاق واسع كجزء من استراتيجية ضغط سياسي ضد خصوم ترامب في الكونغرس.
ومن أبرز المخاوف حول خطة ترامب، تلويحه بإجراءات جذرية ضد الموظفين الفيدراليين، بما في ذلك إمكانية فصل موظفين أو تقليص برامج بشكل "لا رجعة فيه"، مستغلًا صلاحيات استثنائية متاحة خلال الإغلاق. وأوضح نائب الرئيس جي دي فانس أن القرارات النهائية بشأن تسريح الموظفين لم تُتخذ بعد، فيما سارعت نقابات الموظفين بتقديم دعاوى قضائية معتبرة هذا التهديد "انتهاكًا للسلطة" ويهدف إلى ترهيب العاملين والضغط على الكونغرس.
كما أكدت مراكز الفكر القانونية أن الإغلاق لا يشكل مبررًا لفصل جماعي دائم، بل يفرض على الحكومة تقليص الضرر وضمان استمرارية الخدمات الأساسية.
وفي ظل تعثّر جهود تمرير أي من خطط تمويل الحكومة في مجلس الشيوخ، يبدو أن إدارة ترامب مصممة على المضي قدمًا في تنفيذ رؤيتها الاقتصادية، معتمدة على قرارات تنفيذية واسعة النطاق، حيث يسعى مدير الميزانية راسل فوغت لتنفيذ ما لم تستطع مبادرات سابقة — مثل "وزارة كفاءة الحكومة" بإشراف إيلون ماسك — تحقيقه، فيما أُطلق على هذه الحملة اسم "DOGE 2.0" لما تتسم به من جرأة وفاعلية.
حتى الآن، لا توجد مؤشرات على قرب التوصل إلى اتفاق لإعادة تمويل الحكومة الفيدرالية، ما يعني أن الرئيس ترامب سيواصل استخدام فترة الشلل المؤسسي لفرض رؤيته السياسية والاقتصادية. وبينما يرى البعض هذا براعة سياسية، يحذر آخرون من التبعات الطويلة الأمد على استقلالية المؤسسات الحكومية وثقة الجمهور في الحوكمة الفيدرالية.
وفي ظل استمرار هذا المشهد، يترقب الأمريكيون القادم بين إدارة لا تتوقف عن التوسع، ومؤسسات ديمقراطية تبدو عاجزة عن كبح جماحها.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuOTYg جزيرة ام اند امز