استقبلت فرنسا ضيفها الكبير، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، في زيارة هامة له دلَّ عليها استقبال سموه في ثلاثة من أعرق قصور فرنسا، "الإليزيه والأنفاليد وفرساي".
وهذا بالطبع يعكس عمق العلاقة التاريخية بين الإمارات وفرنسا لأكثر من خمسة عقود، وما أكد رسوخ العلاقة هو اختيار سموه فرنسا لتكون الوجهة الدولية الأولى له بعد حضور "قمة جدة للأمن والتنمية" منذ توليه رئاسة الدولة، في توقيت دقيق يتزامن مع الأزمة الأوكرانية وتداعياتها السياسية والاقتصادية، بالإضافة لملف مفاوضات الاتفاق النووي.
العلاقات الاقتصادية بين الإمارات وفرنسا قوية جدا على جميع الأصعدة والمجالات، ويجسد ذلك معدلات النمو للتبادل التجاري بين البلدين، والذي تجاوز 25 مليار درهم في نهاية عام 2021، وتجاوز حجم التجارة غير النفطية بين البلدين 256 مليار درهم خلال عشر سنوات، فالإمارات تعد الشريك الثالث "عالميا" والشريك الثاني "خليجيا" مع فرنسا، وشكّلت الصادرات الفرنسية إلى الإمارات 3.1 مليار يورو في عام 2020، بينما بلغت الواردات الفرنسية من الإمارات قيمة 750 مليون يورو، وتعتبر الإمارات موطنا لغالبية الشركات الفرنسية في منطقة الشرق الأوسط، والتي يصل عددها إلى 600 شركة، وتستضيف على أرضها أكبر جالية من المغتربين الفرنسيين والفرانكوفونيين بمنطقة الخليج، بحسب "إذاعة مونت كارلو الدولية"، التي ذكرت كذلك أن "الإمارات موطن للفرع الأجنبي الوحيد لمتحف اللوفر".
وذكرت صحيفة "لوموند الفرنسية" أن الإمارات أصبحت ركيزة السياسة الفرنسية في العالمين العربي والإسلامي، في دلالة على أن زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى فرنسا ستكون نقطة انطلاق لتحالفات خليجية عربية أوروبية بشكل أوسع، في ظل ظروف استثنائية تشهدها أوروبا وتحديدًا أمن الطاقة الأوروبي، ولا شك أن الزيارة لها أبعاد سياسية، فمن جانب آخر من الممكن أن تكون فرنسا بوابة التنسيق السياسي والاقتصادي والعسكري لباقي الدول الأوروبية.
وعليه، فإن العلاقة السياسية المميزة بين الإمارات وفرنسا ستكون في صالح المنطقة العربية وأوروبا.
لقد لعبت السياسة الإماراتية دورا كبيرا في إحداث التوازن في سياسة منطقة الشرق الأوسط، برغم التحديات الراهنة، وتشكل النظام الدولي الجديد الذي برزت فيه أقطاب الشرق والغرب، ما جعل الإمارات إحدى نقاط الارتكاز في المنطقة، بكل ما تملكه من الديناميكية السياسية والاقتصادية.
فعلى الصعيد الاقتصادي تملك الإمارات اقتصادا متنوعا وصفته "بلومبيرج الدولية" بـ"الأكثر تنوعا" في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى دورها الفعال في أمن الطاقة العالمي من خلال دورها الرئيسي في منظومة أوبك+.
وأسهمت استراتيجية دولة الإمارات في مد الجسور وتصفير الأزمات، والانفتاح السياسي والاقتصادي على الشرق والغرب، وابتعادها عن منهج المَحاور دعما للاستقرار الإقليمي والدولي، فالدولة التي تملك علاقات مفتوحة مع الجميع ستكون مفتاح خفض التصعيد ونقطة الاستقرار في ظل منطقة عانت كثيرا من الصراعات عديمة الجدوى، ومنطقة الشرق الأوسط بالتحديد تحتاج إلى رافعة تخرجها من خانة الأزمات إلى خانة التنمية، والدور الإماراتي المميز بمثابة المحرك لمقاربات جديدة في المنطقة، مبنية على ثوابت التعايش والتعاون والتكامل، والتي ستسهم في إنهاء التوترات وستضع دول المنطقة في طريق التنمية والازدهار.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة