رئيس وزراء اليونان الجديد.. زعيم المحافظين يقلب عرش اليسار
كيرياكوس ميتسوتاكيس يتصدر نتائج الاقتراع بحصوله على 158 مقعدا من أصل 300 مقعد بالبرلمان ويختطف السلطة من اليسار.
سليل عائلة عريقة، لكنه لم يعول على ذلك كثيرا، وإنما حاول جاهدا الاستفادة من إفلاس الرصيد السياسي لسلفه أليكسيس تسيبراس، ليطيح به في انتخابات برلمانية مبكرة، فاتحا بذلك طريق الحكم أمام المحافظين.
كيرياكوس ميتسوتاكيس، زعيم حزب "الديمقراطية الجديدة"، الذي تصدر نتائج الاقتراع بحصوله على 158 مقعدا من أصل مقاعد البرلمان الـ300، يختطف السلطة من اليسار، ليقود بلدا مثقلا بأزمة مالية خانقة، ومكبلة بسياسات تقشف خانقة.
فمن هذا السياسي المحافظ الذي اختطف السلطة من اليسار، وما سر شعبيته التي منحته تذكرة دخول قصر الحكومة بالعاصمة أثينا، والأهم ما خططه لمواجهة إحباط شعبه من السياسات المالية والاقتصادية لسلفه؟
فيما يلي، ترصد "العين الإخبارية" المحاور الكبرى بالمسار الذاتي والسياسي لرئيس وزراء اليونان الجديد.
ولد ميتسوتاكيس (51 عاما) وترعرع في العاصمة أثينا، وينتمي إلى عائلة سياسية عريقة، فهو نجل رئيس الوزراء السابق كونستانتين ميتسوتاكيس.
ولم تكن العائلة في أفضل ظروفها عندما رزقت بابنها كيرياكوس في مارس/آذار 1968، فقد وضعت حينها قيد الإقامة الجبرية من قبل المجلس العسكري الذي أعلن أن ميتسوتاكيس الأب شخص غير مرغوب فيه وسجنه.
مرحلة صعبة جعلت من الأشهر الأولى في حياة الابن "سجنا سياسيا" على حد وصفه في مقابلات تلفزيونية سابقة.
وبمساعدة بعض الأطراف، تمكنت العائلة من الهرب من هذا السجن إلى تركيا ثم انتقلت بعد فترة إلى العاصمة الفرنسية باريس، وبقيت هناك حتى عام 1974، حين استعادت اليونان حكمها الديمقراطي، فقررت العودة إلى الديار.
بلدان وثقافات مختلفة كان لا بد أن تؤثر في بناء شخصية ذلك الطفل الذي لم يكن يدرك الكثير بداية، حول وضع عائلته، إلا أنه استوعب لاحقا أن ثمن خوض عالم السياسة غالبا ما يكون باهظا، ومع ذلك أصر على المضي قدما فيه.
ورث ميتسوتاكيس الابن رئاسة حزب "الديمقراطية الجديدة" عن والده ليتسلم قيادته رسميا مطلع 2016 بعد أن أشرف على قيادته منذ 2006.
أما شقيقته الكبرى دورا باكويانيس، فقد دخلت معترك الحياة السياسية من بابها الواسع، وتقلدت مناصب رفيعة كثيرة، بينها نائبة بالبرلمان ووزيرة للثقافة وللخارجية، كما ترأست أيضا بلدية أثينا.
يقول عنه المقربون منه إنه كان مولعا بالتحصيل الأكاديمي، مسكونا بهاجس الحصول على الشهادات العلمية من أعرق جامعات العالم، وهذا ما قد يفسر التحاقه بجامعة "هارفارد" الأمريكية، حيث درس العلوم السياسية، وحصل منها على درجة البكالوريوس في الدراسات الاجتماعية.
ومن 1992 إلى 1993، التحق بجامعة ستانفورد الأمريكية، وحصل منها على درجة الماجستير في العلاقات الدولية، قبل أن يعود من جديد إلى "هارفارد"، بين عامي 1993 و1995، ليحصل على درجة الماجستير في إدارة الأعمال.
وبإبحاره أكاديميا في عالم الأرقام، فتحت أمامه أبواب عالم المال، ليبدأ مشواره المهني محللا ماليا في العاصمة البريطانية لندن، ومن ثمة مستشارا لبعض البنوك ببلاده.
وفي 2004، أصبح عضوا لبرلمان بلاده، قبل تعيينه وزيرا للإصلاح الإداري بين عامي 2012 و2014.
المراهنة على فشل اليسار
قد لا يكون ميتسوتاكيس أفضل الخيارات المتاحة أمام الناخبين اليونانيين، وفق تقارير إعلامية محلية، لكن سياسات التقشف الصارمة التي واصل سلفه بالمنصب أليكسيس تسيبراس (44 عاما)، تبنيها، مخلفا بذلك وعودا خلال حملته الانتخابية بإلغائها، شكلت منعطفا حاسما في المسار السياسي للرجلين.
فاليونانيون الذي أحبطهم عدم إيفاء تسيبراس بوعوده، وأرهقتهم سياسات تقشفية أتت على مقدرتهم الشرائية، واستدعت دعما ماليا من شركائها في الاتحاد الأوروبي في 3 مناسبات، أرادوا معاقبة رئيس الوزراء السابق عبر التصويت لصالح ميتسوتاكيس.
والأخير بدا أنه مدرك تماما لدوافع الناخبين، فلعب على هذا الوتر، متعهدا خلال حملته بإلغاء التقشف، وإنعاش الاقتصاد بما يوفر فرص عمل، ويزيد من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
وفي بلد يعاني من ظاهرة "المحسوبية"، وفق تقارير إعلامية محلية، تعهد ميتسوتاكيس أيضا بعدم تعيين أي فرد من عائلته في حكومته، مقدما نفسه على أساس أنه "نخبوي" ويدافع عن الكفاءة كمعيار للتعيينات.
ومن منطلق إدراكه بأن انحداره من عائلة عريقة قد يمنح المجال للتشكيك في كفاءته بالمنصب، لطالما كان يقول: "أحكموا عليّ من خلال سيرتي الذاتية وليس اسمي"، مستعرضا شهاداته العلمية التي حصل عليها من أعرق الجامعات الأمريكية كما يردد دائما.
ومنذ خلافته لوالده على رأس المعارضة المحافظة بالبلاد، متقلدا رئاسة حزب "الديمقراطية الجديدة"، ركز ميتسوتاكيس برنامجه الانتخابي على كل ما يمس جوانب حياة اليونانيين، كما أنه لم يغفل التخلي عن ربطة العنق، ليظهر في الساحات العامة بقميصه الأبيض، نابضا بمظهر حيوي بسيط منحه لاحقا الكثير من الدعم والأصوات.
وعود انتخابية ارتكزت في مجملها على إفلاس سلفه السياسي، مكنته من المضي قدما بحزبه المعارض، وأعادته إلى الواجهة السياسية من جديد بعد الأزمة المالية التي عصفت باليونان.
ما بعد النكسات
من أكثر الأشياء التي لم يغفرها اليونانيون لـ"ميتسوتاكيس" كانت حين جرى تكليفه عندما كان وزيرا للإصلاح الإداري في 2014، بإقالة 15 ألف موظف، جراء الضغوط المالية التي كانت تعاني منها البلاد بسبب أزمة الديون السيادية.
تكليف أثار موجة من الاستياء الشعبي العارم، وحرك النقابات العمالية ضد الوزير، ومع أنه تم وقف تنفيذ القرار عقب الانتخابات التشريعية المبكرة المقامة في يناير/كانون الثاني 2015، إلا أن صورة ميتسوتاكيس ظلت مقترنة بذلك القرار المحبط، وخسر جراء ذلك الكثير من التأييد الشعبي، ما أجبره على فترة تقاعد قصيرة، لعبا على وتر سرعة نسيان الشعوب.
وبالفعل، نجح الرجل في استعادة شعبيته سريعا، ليس استنادا إلى إنجازاته، وإنما استثمارا للإحباط الشعبي من تسيبراس، فكان أن توجهت الأنظار إليه كخيار يمكن التعويل عليه لتجاوز أهم عقبة ألا وهي التقشف الحكومي المفروض.
وهنا، لعب ميتسوتاكيس على وتر الخبرة، عبر الترويج لصورة الأكاديمي الذي يجر وراءه سنوات من الخبرة، والسياسي المحنك القادر على التأقلم مع مختلف الوضعيات، والرجل الذي تخلى عن ربطة عنقه ما منحه صورة تقاطعت عندها الكثير من الجوانب التي بدا لليونانيين أنهم يمكن التعويل عليها للخروج من أزمتهم.
تجول في الشوارع واختلط باليونانيين، واقترب من مشاغلهم، فملأ الفجوة التي أحدثها سلفه، ومسح أي انطباع سلبي سابق عنه، فامتدت أيادي الناخبين تدون اسمه بصناديق الاقتراع، لتفوضه بتقلد منصب يأملون في أن يكون بداية لنقطة تغيير حقيقي بأوضاعهم.