ليبيا في عيون أردوغان.. رهان الفوضى لاستنزاف الثروات
لا شيء يثير رعب تركيا أكثر من تسوية سياسية في ليبيا، تحول الفوضى إلى استقرار يبعثر حساباتها ويجبرها على انسحاب مذل.
طرح يتفق عليه طيف واسع من الليبيين ممن يرون أنه لم يتبق أمام أنقرة اليائسة من انضمامها للاتحاد الأوروبي، والمحبطة من إخفاقاتها وأزماتها الداخلية، سوى الأزمة الليبية لتقتات منها وتملأ خزينتها من ثرواتها.
حيثيات يدعمها التصعيد التركي غير المسبوق على مختلف المسارات السياسية والعسكرية للملف الليبي، فاقمتها اعتداءات وتهديدات إعلامية على لليبيين وجيشهم الوطني، عبر مسؤولين أتراك ضمن مساعي أنقرة لإفشال المفاوضات الجارية، ولإشعال حرب في المنطقة الوسطى غربي مدينة سرت الساحلية.
والثلاثاء، قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، إن مرتزقة بلاده موجودون في ليبيا بموجب اتفاق مبرم ولا تستطيع أي قوة إخراجهم منها.
وفي ذكرى استقلال ليبيا الخميس الماضي، قال القائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، إنه "لا قيمة لاستقلال بلاده وأحذية الجنود الأتراك تدنس ترابها".
تصعيد
عثمان البدري، الخبير الليبي في العلاقات الدولية، يرى أن تركيا تسعى لابتزاز الاتحاد الأوروبي بورقة ليبيا، بعدما تعقدت المشاكل بينها وبين قبرص و اليونان فيما يتعلق بترسيم الحدود البحرية التي تعتبرها أنقرة إرث من الدولة العثمانية.
وأضاف البدري، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن تركيا تعتمد على التعامل غير الودي في تعاطيها مع مثل هذه القضايا، و هذا نتيجة فشلها بالانضمام للاتحاد الأوروبي.
وأكد خبير العلاقات الدولية الليبي أن تركيا تعلم أنها ستتعرض لأزمة اقتصادية، بالتالي توجب عليها البحث عن بدائل ووجدت في ليبيا الفرصة لتعويض خسائرها في مواجهتها للأوروبيين.
وتابع البدري أن تركيا رأت أن تقف مع الطرف الذي يضمن لها الإفلات من أزماتها، و هي حكومة الوفاق غير الشرعية المسيطرة على موارد الدولة خصوصًا في ظل وجود توافق إيديولوجي بينهما.
ولفت إلى أن هذا التوافق شجعها على الدخول في الصراع المسلح مع الجيش الليبي، مشددا على أن المجتمع الدولي لن يتوافق على الحل في ليبيا إلا بعد أن يمنع الأطراف الداعمة للفوضى من ممارسة أفعالها فيها.
أدوات خفية
بدوره، يرى المحلل العسكري الليبي محمد الترهوني أن "تركيا تراهن على عدم استقرار ليبيا للسيطرة على موارد البلاد، و في مقدمتها مصرف ليبيا المركزي".
وأضاف الترهوني لـ"العين الإخبارية" أن ثاني المراهنات التركية هي سيطرتها على منطقة الحقول النفطية، وعلى الغالب هدفها الحقول الواقعة بالجنوب الغربي خصوصا بعد تمركز مليشياتها في غدامس.
واعتبر الخبير أن تواجد الصف الوطني، وفي مقدمته القوات المسلحة الليبية على الساحة، لا يخدم الأطماع التركية، ولهذا تسعى حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان لإقصائه سياسيًا وعسكريًا.
واختتم الترهوني بأنه ما لم توجه ضربة عسكرية سريعة لتركيا في أغلب القواعد التي تسيطر عليها، فإنها لن تتوقف عن محاولاتها لعرقلة المسارات السياسية و العسكرية، خصوصا بعد تزايد نشاطها في نقل الإرهابيين و المرتزقة.
من جانبه، أكد المحلل السياسي الليبي أمبارك سعد الحاسي، أن أدوات تركيا المطيعة المتمثلة في تنظيم الإخوان الإرهابي يحاولون ضمان الاستفادة التامة لأنقرة من الأزمة الليبية على الصعيد الاقتصادي.
وأضاف الحاسي لـ"العين الإخبارية" أن تركيا تعتمد على ضخ المرتزقة والعتاد الحربي إلى ليبيا.
وأشار إلى "النجاح الباهر الذي حققته اللجنة العسكرية 5+5 و التي ترعاه القيادة العامة للقوات المسلحة الليبية"، مؤكدا أن تركيا تخشى توسع مشاركة القيادة العامة للجيش الوطني في المعترك السياسي.
ولفت إلى أن كل هذا التقارب بين الجانبين يؤرق الجانب التركي خصوصًا بعد تبادل الأسرى والمحتجزين بين الطرفين (الوفاق والجيش) وظهور الجيش الوطني الليبي في دور المنقذ للبلاد.
واختتم الحاسي مؤكدا أن ليبيا "لن تستكين وتطمئن إلا بعد القضاء على المليشيات الموجودة في طرابلس ومصراتة التي خلفت الكره والدمار والخراب".
وتحتل تركيا في ليبيا ثلاث قواعد عسكرية استراتيجية، في مقدمتها قاعدة الوطية الجوية التي تشهد إنزالا بشكل مستمر لأسلحة وعتاد حربي عن طريق جسر جوي يربطها بالقواعد العسكرية في أنقرة وإسطنبول.
أما ثاني القواعد العسكرية المستعمرة من قبل تركيا فهي معيتيقة الجوية الواقعة في العاصمة طرابلس، والتي تتولى حراستها مليشيات الإرهابي عبدالرؤوف كاره قائد مليشيا الردع.
وقرب المنطقة الوسطى، تقع قاعدة الكلية الجوية بمصراتة التي تتخذها تركيا وكرا لتدريب الإرهابيين والمرتزقة لاحتلال ما تبقى من ليبيا، إضافة إلى العديد من مراكز التدريب المختلفة والمعسكرات مثل القاعدة البحرية في أبو ستة بالعاصمة طرابلس، ومعسكرات المليشيات جنوبي العاصمة حيث يتم تدريب وتخريج العديد من الدفعات من وقت لآخر.