صدمة الطاقة الخضراء.. خطة ماكرون لمليون مضخة حرارية تنهار

بينما كانت الحكومة الفرنسية تراهن على مضخات الحرارة كحجر زاوية في تحولها البيئي، يأتي الإعلان المفاجئ عن تسريح مئات الموظفين في شركة رائدة ليكشف هشاشة هذا الرهان.
فبعد عام من وعد إيمانويل ماكرون بإنتاج مليون مضخة حرارية "صنع في فرنسا"، يخيّم الشك على قدرة البلاد في تحقيق هذا الطموح، وسط انهيار السوق وتراجع الاستثمارات.
وأعلنت شركة التدفئة الفرنسية، أنها تفكر في إلغاء نحو 370 وظيفة في فرنسا في إطار عملية إعادة هيكلة تهدف إلى إنقاذ نشاط فرعها الفرنسي الذي تكبّد "خسائر فادحة"، بحسب محطة "بي.إف.إم" التلفزيونية الفرنسية.
- خطر الإخوان في فرنسا.. خريطة رقمية وجغرافية
- فرنسا تقتل وحش المكالمات الدعائية.. «كفى إزعاجًا» بعد اليوم
ضربة قوية لقطاع إنتاج مضخات الحرارة الفرنسي
فقد أعلنت شركة BDR Thermea، أنها تدرس تسريح ما لا يقل عن 370 موظفًا ضمن خطة لإعادة تنظيم تهدف إلى إنقاذ نشاط فرعها الفرنسي الذي يمر بـ"وضعية مقلقة للغاية".
المجموعة، التي توظف نحو 7 آلاف شخص حول العالم، كشفت أمام لجانها الاجتماعية والاقتصادية الأوروبية والفرنسية عن خطة استراتيجية تهدف إلى معالجة الوضع الحرج الذي يمر به فرعها في فرنسا.
وتقضي الخطة بتقليص عدد مواقع الإنتاج "لتجميع الأنشطة على عدد أقل من المصانع"، وهو ما قد يؤدي إلى "وقف تدريجي للإنتاج في فرنسا خلال العامين المقبلين".
ومن المنتظر أن يشمل الجزء الأكبر من التسريحات، أي حوالي 320 وظيفة، موقع ميرتسفيلر (في منطقة الراين الأسفل)، مهد العلامة التجارية التاريخية "دي ديتريش". كما تعتزم الشركة بيع موقعين لإنتاج المشعات، أحدهما في فرنسا بمدينة لا شارت سور لو لوار، مشيرة إلى أن "البحث عن مشترين محتملين قد بدأ بالفعل".
منافسة متصاعدة واندماجات في السوق الأوروبية
وتُعتبر مضخات الحرارة أحد أعمدة نشاط فرع الشركة في فرنسا، والذي تأثر بسياق اقتصادي معقد. تقول الشركة: "الحلول التقليدية للتدفئة فقدت تدريجياً جاذبيتها أو تم حظرها بسبب التغيرات التنظيمية"، موضحة أن القطاع استثمر بكثافة في تطوير مضخات الحرارة "الأكثر صداقة للبيئة وذات الإمكانيات الكبيرة".
لكن تنفيذ التحول الطاقي لم يسر بالوتيرة المتوقعة. "وبسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، انهار سوق مضخات الحرارة في فرنسا وأوروبا خلال السنوات الأخيرة"، تضيف الشركة. وقد صاحب هذا الانهيار تصاعد في حدة المنافسة، خصوصًا مع دخول شركات آسيوية جديدة إلى السوق، إلى جانب موجة من عمليات اندماج المجموعات الأوروبية، مما أدى إلى خفض الأسعار.
اتهامات باستغلال الدعم العام
أعرب إيريك بورزيك، الأمين العام لنقابة "Force Ouvrière" في منطقة الراين الأسفل، عن استيائه قائلاً: "هذه الشركة استفادت بطريقة غير مباشرة من الدعم العام عبر الإعفاءات الضريبية عندما طُلب من المواطنين الفرنسيين الاستثمار في مضخات الحرارة".
وأضاف: "اليوم، تتخذ الدولة إجراءات تقشفية، ويدفع عمال موقع ميرتسفيلر الثمن مجددًا".
خطة حكومية طموحة… لكنها متعثرة
في 15 أبريل/نيسان 2024، كشف وزير الاقتصاد برونو لو مير والوزير المكلف بالصناعة والطاقة رولان ليسكور عن خطة لإنتاج مليون مضخة حرارة بحلول عام 2027. الهدف منها هو خفض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 55% بحلول 2030 عبر تحفيز العرض المحلي وتشجيع استخدام هذه التكنولوجيا النظيفة.
وحسب تقديرات نقابتي Uniclima وAfpac، يتطلب تحقيق هذا الهدف استثمار 5 مليارات يورو وتوظيف 50 ألف شخص حتى عام 2030.
ولتحقيق ذلك، وضعت الحكومة خطة من ثمانية إجراءات، من أبرزها إنشاء مصانع جديدة بدعم من ائتمان ضريبي للاستثمار في الصناعة الخضراء (C3IV).
كما شملت الخطة توجيه الطلب العام والمساعدات الحكومية نحو مضخات الحرارة ذات الأداء البيئي الأفضل، وتبسيط المعايير لتسهيل تركيب المضخات في المباني السكنية الجماعية، إلى جانب دعم تدريب الكوادر.
الفرنسيون يفضلون الغلايات الغازية رغم كلفتها البعيدة المدى
لكن الخطة لم تؤت ثمارها بعد. فقد تراجعت مبيعات مضخات الحرارة بنسبة 30% العام الماضي، بينما ارتفعت مبيعات الغلايات الغازية بنسبة 15%، وفقًا لاتحاد البناء الفرنسي.
وبات هدف إنتاج مليون وحدة بحلول 2027 يبدو بعيد المنال، خاصة وأن فرنسا لم تنتج سوى 170 ألف مضخة حرارة في عام 2024.
ويعود السبب الرئيسي إلى أن الغلايات الغازية أقل كلفة في البداية، على الرغم من أن مضخات الحرارة أكثر ربحية على المدى الطويل، لا سيما مع انخفاض أسعار الكهرباء بنسبة 15% في فبراير 2025، في مقابل ارتفاع أسعار الغاز وارتفاع ضريبة القيمة المضافة على الغلايات الغازية من 5.5% إلى 10%.
أداة التدفئة الأنسب بيئياً واقتصادياً… لكنها ضحية للظرف الاقتصادي
تلخص شركة Hello Watt المتخصصة في الطاقة الموضوع بقولها: "مضخة الحرارة هي وسيلة التدفئة الأكثر فاعلية من حيث البيئة والاقتصاد". رغم تكلفتها المبدئية العالية، فإنها توفّر على المدى البعيد بفضل كفاءتها العالية.
وأضافت أن "مضخة الهواء-هواء تستهلك حوالي ثلاث مرات أقل من الكهرباء مقارنة بالرادياتور الكهربائي العادي لإنتاج نفس الكمية من الحرارة. أما مضخة الهواء-ماء، عند تركيبها بشكل مناسب، فتستهلك ثلاث مرات أقل من الطاقة مقارنة بالغلايات الغازية"، تضيف الشركة.
ومع ذلك، فإن انخفاض المبيعات يعود أساساً إلى أسباب ظرفية. فبعد جائحة كوفيد، أولويات الأسر الفرنسية تغيرت، وأصبحت الأولوية للإنفاق الأساسي في ظل التضخم. ويأمل القطاع في أن يُعيد انتعاش سوق العقارات بعض الزخم لمبيعاته المتعثرة.