غرينلاند تختار التغيير.. فوز مفاجئ للمعارضة في مواجهة ضغط ترامب

في سباق هيمن عليه تهديد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالضم وتزايد دعوات الاستقلال عن الدنمارك، فازت المعارضة بانتخابات غرينلاند.
ففي الانتخابات البرلمانية التي شهدتها الجزيرة الواقعة في القطب الشمالي، أمس الثلاثاء، فار حزب "الديمقراطيون" المعارض (يمين الوسط)، والمناصر لقضية الاستقلال بشكل تدريجي، بأكبر عدد من الأصوات، وهي نتيجة مفاجئة.
هكذا جاءت النتيجة
وقالت قناة "كي إن آر" التلفزيونية، إن الحزب "الديمقراطي" الذي يقدم نفسه على أنه ليبرالي اجتماعي يؤيد استقلال الجزيرة في نهاية المطاف، "تصدّر بفارق كبير لا يمكن معه لأقرب منافسيه أن يلحق به مما يجعله الفائز في الانتخابات".
ووفقا للنتائج الرسمية، فاز الحزب الذي يدعو إلى نهج أبطأ نحو الاستقلال، بنسبة 29.9% من الأصوات.
وقال زعيم "الديمقراطيون"، ينس فريدريك نيلسن، في حفل انتخابي عقب إعلان النتائج: "أعتقد أن هذه نتيجة تاريخية في تاريخ غرينلاند السياسي".
وكتبت صحيفة "سيرميتسياك" الغرينلاندية أن نيلسن، البالغ من العمر 33 عاما، بدا متفاجئا بمكاسب حزبه، حيث أظهرته صور وهو يبتسم ابتسامة عريضة ويصفق في حفل الانتخابات.
كذلك تميزت الانتخابات بتحقيق القوميين المطالبين بسرعة نيل جزيرتهم القطبية الشمالية استقلالها عن الدنمارك صعودا غير مسبوق في ظل هدف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المعلن بالسيطرة على الجزيرة بطريقة أو بأخرى.
ووفق وسائل إعلام أمريكية، يشير فوز المعارضة المفاجئ على الأحزاب التي حكمت الجزيرة لسنوات، إلى أن الكثيرين في غرينلاند يهتمون بالقدر نفسه بالرعاية الصحية والتعليم والتراث الثقافي وغيرها من السياسات الاجتماعية.
وحل في المرتبة الثانية، حزب المعارضة الرئيسي "ناليراك" (قومي وسطي)، الذي سعى جاهدا لقطع العلاقات مع الدنمارك بسرعة أكبر، بنسبة 24.5%.
قد اكتسب الحزب، الذي يتزعمه بيلي بروبيرج، وهو وزير سابق في الحكومة، زخما كبيرا بوعده بإجراء تصويت سريع على الاستقلال.
وهو الحزب الأكثر انفتاحا على التعاون مع الولايات المتحدة.
أما الحزب الحاكم الحالي "مجتمع الشعب" (يساري) وشريكه في الائتلاف "سيوموت" أو "إلى الأمام" (اشتراكي) فحصلا على 36.1% من الأصوات مجتمعة، بانخفاض عن 66.1 بالمئة في عام 2021.
ويرى الحزب الحاكم أن الاستقلال مشروع طويل الأجل يتطلب سنوات من التفاوض مع الدنمارك ومزيدا من التحسن الاقتصادي.
تفاوض على المسار السياسي
في هذه الأثناء، أفادت هيئة الإذاعة الدنماركية بأن زعيم "الديمقراطيون" نيلسن، قال إن حزبه سيتواصل مع جميع الأحزاب الأخرى للتفاوض على المسار السياسي المستقبلي لغرينلاند.
وقال نيلسن لقناة KNR التلفزيونية: "لم نتوقع أن تُسفر الانتخابات عن هذه النتيجة. نحن سعداء للغاية".
ومن المقرر أن يجري الآن محادثات مع أحزاب أخرى لمحاولة تشكيل ائتلاف حاكم.
وكان رئيس الوزراء، موتي بوروب إيجيدي، قد دعا إلى التصويت المبكر، قائلا إن البلاد بحاجة إلى التوحد خلال "فترة حرجة" لم تشهدها غرينلاند من قبل.
وبعد إعلان النتائج، اليوم الأربعاء، شكر إيجيدي الناخبين في منشور على فيسبوك على مشاركتهم، وقال إن الأحزاب مستعدة للجوء إلى المفاوضات لتشكيل حكومة.
يختلفون ولكن قضية واحدة تجمعهم
وتتفق جميع الأحزاب المهيمنة في غرينلاند، وهي منطقة دنماركية تتمتع بالحكم الذاتي وغنية بالنفط والغاز، على الرغبة في الاستقلال عن الدنمارك.
وفي كل الانتخابات تقريبا التي جرت في السنوات الأخيرة، وعد ساسة غرينلاند باتخاذ خطوات لتحقيق الحكم الذاتي، لكن لم يقدم أي منهم جدولا زمنيا ملموسا.
في حديثه عن غرينلاند في خطابه أمام الكونغرس الأسبوع الماضي، قال ترامب: "أعتقد أننا سنحصل عليها بطريقة أو بأخرى" - مما أثار مخاوف من محاولة الولايات المتحدة الاستيلاء على الجزيرة بالقوة أو بالإكراه الاقتصادي.
ويقول محللون إن موقف ترامب قد منح الإقليم الواقع في القطب الشمالي قوة تفاوضية أكبر مع الدنمارك، ودفع حركة الاستقلال إلى أقصى حد.
وحكمت الدنمارك غرينلاند كمستعمرة حتى عام ١٩٥٣، حين اكتسبت الجزيرة صلاحيات أوسع في الحكم الذاتي.
ثم في عام ٢٠٠٩، اكتسبت صلاحيات أوسع في مجالات المعادن والشرطة والمحاكم.
ومع ذلك، لا تزال الدنمارك تسيطر على الأمن والدفاع والسياسة الخارجية والنقدية. كما تستفيد غرينلاند من عضويتها في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو).
رافضون ولكنهم منفتحون
وفي حين أشار سياسيو غرينلاند مرارا وتكرارا إلى عدم رغبتهم في الضم، إلا أنهم منفتحون على إبرام صفقات مع الولايات المتحدة لتعدين المعادن النادرة، وتوسيع السياحة، وتقوية العلاقات الدبلوماسية، وغيرها من الاستثمارات. وفق ما طالعته "العين الإخبارية" في موقع "سي إن إن" الأمريكية
وللولايات المتحدة بالفعل قاعدة عسكرية في الدائرة القطبية الشمالية في أقصى شمال غرب غرينلاند.
وأظهر استطلاع للرأي أُجري في يناير/كانون الثاني، بتكليف من صحف دنماركية وغرينلاندية، أن ٨٥٪ من السكان لا يرغبون في الانضمام إلى الولايات المتحدة، حيث اعتبر ما يقرب من نصفهم أن اهتمام ترامب يُمثل تهديدا، وفقا لما ذكرته رويترز.