غرينلاند.. من جزيرة منسية إلى محور صراع جيوسياسي

لطالما كانت غرينلاند، الجزيرة الشاسعة التي يغطيها الجليد، بعيدة عن الأضواء، لكنها وجدت نفسها فجأة في خضم صراع عالمي على النفوذ.

وبينما تتسابق القوى العظمى، من الولايات المتحدة إلى روسيا والصين، لتعزيز مكاسبها في القطب الشمالي، تحاول غرينلاند استغلال هذا الاهتمام العالمي لصالحها.

انتخابات مبكرة في غرينلاند وسط تهديدات ترامب

خلال رحلة استمرت أسبوعين، تحدث صحفيون من «نيويورك تايمز» مع عشرات السكان، من الصيادين وأصحاب الحانات إلى السياسيين، لمعرفة آرائهم حول طموحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. والنتيجة كانت أن 85% من سكان غرينلاند لا يريدون أن يكونوا جزءًا من الولايات المتحدة، لكن في الوقت نفسه، هناك رغبة متزايدة في إقامة علاقات أقوى مع واشنطن.

لكن إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن رغبته في شراء الجزيرة، بل وعدم استبعاده اللجوء إلى القوة، أثار موجة من القلق بين سكانها.

صراع القوى الكبرى 

وأشعلت تحركات ترامب قلق القادة الأوروبيين، خاصة مع تصاعد التقارب الأمريكي-الروسي، مما دفع دولًا مثل فرنسا إلى اقتراح إرسال قوات لدعم الدنمارك.

في الوقت نفسه، تخوض القوى العظمى سباقًا للسيطرة على الموارد المعدنية الثمينة في غرينلاند، من النيكل والحديد إلى العناصر الأرضية النادرة المستخدمة في التكنولوجيا الحديثة.

وبدأت الشركات الأمريكية، وبعضها مقرب من ترامب، استكشاف المعادن المخزونة تحت الجليد الذي يصل سمكه في بعض المناطق إلى ميلين. وتحاول الصين، بدورها، الدخول في اللعبة، ما يجعل سكان غرينلاند يشعرون وكأن الجميع يريد "قطعة منهم".

علاقة معقدة 

ومع تزايد الضغط الأمريكي، اضطرت الدنمارك إلى تقديم تنازلات لغرينلاند، مثل تسهيل صادراتها السمكية والاعتراف بهويتها الوطنية على جوازات السفر. لكن الغرينلانديين لا يزالون حذرين من أمريكا، خصوصًا مع الطريقة التي تعامل بها ترامب مع القضية.

تقول إنوك بيدرسن، وهي شابة غرينلاندية تعمل في مجال السياحة: "لا نريد أن نصبح أداة في لعبة الكبار. نريد أن نقرر مصيرنا بأنفسنا، بعيدًا عن تأثير ترامب أو الدنمارك أو أي دولة أخرى".

ويقول أحد السكان، بعد أن قام ممثلون عن حملة ترامب بتوزيع قبعات "اجعل أمريكا عظيمة مجددًا" وأوراق نقدية بقيمة 100 دولار في شوارع نوك: "تعتقدون أنه يمكنكم شراؤنا؟".

أما الناشطة كوبانُك أولسن فتقول: "نحن لسنا قطعة أثاث يمكن بيعها. لقد تعرضنا للاستعمار بما يكفي، ونحن سئمنا منه."

الجزيرة المنسية

تمتد غرينلاند، أكبر جزيرة في العالم، عبر القطب الشمالي بمساحة شاسعة تفوق مليوني كيلومتر مربع، لكنها بالكاد مأهولة بالسكان. ورغم ارتباطها سياسيًا بالدنمارك منذ القرن الثامن عشر، إلا أن سكانها الأصليين -معظمهم من الإنويت- لطالما كافحوا للحفاظ على هويتهم وثقافتهم الفريدة في وجه النفوذ الأوروبي.

تتشابه قضية غرينلاند مع حركات الاستقلال الأخرى حول العالم، مثل إسكتلندا التي تطمح للانفصال عن المملكة المتحدة، أو كتالونيا التي تطالب باستقلالها عن إسبانيا. لكن الفارق الرئيسي هو أن غرينلاند، رغم رغبتها في الاستقلال، لا تزال تعتمد اقتصاديًا على الدنمارك، مما يجعل قرار الانفصال أكثر تعقيدًا.