الاجتياح البري لغزة.. كلمة السر في «الأكوام» وخبراء يرسمون «خط السير»
احتمال حدوث توغل بري وشيك لغزة، يثير بالنسبة للجنود الإسرائيليين تساؤلات حول ما ينتظرهم في القطاع المكتظ، وكيف سيكون اليوم التالي
عندما تصل الدبابات الإسرائيلية إلى مشارف شمالي قطاع غزة ستجد أمامها أكواما من الكتل الإسمنتية التي كانت يوما منازل وحولتها أطنان من المتفجرات التي ألقتها الطائرات الحربية على مدى الأيام الماضية إلى الركام.
ولكن في حين قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري إن من شأن هذه الأكوام أن تسهل العملية البرية فإنها ستشكل عائقا أمام تقدم الدبابات وبالتالي فتح الطريق أمام حرب شوارع بين الجنود ومسلحين فلسطينيين.
يقول محللون وخبراء عسكريون إسرائيليون إن المخاطر التي تحدق بالجيش ستكون هناك تحديدا. فمن جهة فإن الركام قد يخفي عبوات ناسفة شديدة الانفجار فيما أن الركام والمنازل المهجورة ستشكل مخبئا مثاليا للقناصة والمسلحين.
وبحسب هؤلاء ليس فقط الشوارع والمباني وإنما أيضا أنواع الأسلحة التي بحوزة المسلحين وأولها صواريخ الكورنيت.
وليس سرا، أن لدى الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة صواريخ كورنيت إذ استخدمتها في السابق وأدت إلى تفجير دبابات، ويعتبر عددها المفاجأة الأكبر للحرب البرية.
في تحليل طالعته "العين الإخبارية" في صحيفة "هآرتس" العبرية، يقول المحلل العسكري عاموس هارئيل " يستمر الجيش الإسرائيلي في استعداده للدخول البري مع قصف جوي كثيف في شمال القطاع، حيث غادر أكثر من نصف السكان في أعقاب طلب من إسرائيل".
وأضاف: "يمكن الافتراض أن دخول فرق عسكرية إلى المنطقة سيكون عملية بطيئة وعنيفة، سيضطر خلالها المزيد من السكان إلى المغادرة نحو جنوب غزة".
ويفترض هارئيل بذلك أن شمالي قطاع غزة سيكون المركز الأساسي لقتال الشوارع بين الجيش الإسرائيلي والمسلحين من الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها "حماس".
«الغوص في الوحل»
والقتال في قطاع غزة ليس مثل الاشتباكات التي تحدث بين الفينة والأخرى بين الجيش الإسرائيلي ومسلحين بالضفة الغربية، وليس عبثا أن بعض المحللين الإسرائيليين يحذرون على القنوات التلفزيونية من "الغوص بالوحل" في قطاع غزة.
ومع توغل الجيش الإسرائيلي أكثر فأكثر في شمالي قطاع غزة فإن المزيد من المدنيين سيغادرون، إما قتلى أو نازحين، ولكن المنطقة ستتحول إلى مدينة أشباح أو ما أسماها وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت نفسه "جيوب مقاومة".
ويدرك الجيش الإسرائيلي أن القتال على الأرض ليس مثل إلقاء حمم القنابل من السماء، ولذلك فإن المحللين يجهزون الشارع الإسرائيلي لتلقي أنباء سقوط الجنود القتلى ولكن يحاولون أيضا الرفع من معنوياتهم.
وقال ألون بن دافيد، المحلل العسكري الشهير في مقال نشره في "معاريف" العبرية وطالعته "العين الإخبارية": "عندما تبدأ المعركة البرية لن تكون سريعة وحادة، مثلما نحب، بل بطيئة، عميقة، وأليمة. ستتطلب منا كل المقدرات وكل القوى التي لدينا، والكثير من الحظ".
وتابع "في كل يوم أنزل فيه إلى الجنوب وألتقي مقاتلي النظامي والاحتياط الذين يوشكون على الدخول إلى غزة، أعود متأثراً بالقوة والتصميم لدى شعبنا. أناس يعرفون بأنهم قد لا يعودون من غزة، لكنهم يفهمون عظمة اللحظة".
واستطرد بن دافيد: "إنهم يخرجون إلى هذه المعركة ليس فقط انطلاقا من نزعة الثأر والغضب بل انطلاقا من المعركة الباردة بأن هذه هي حرب على مجرد وجودنا؛ أن نكون أو لا نكون".
وتشير التقديرات بأن العملية البرية ستؤدي إلى مقتل أعداد كبيرة من الجنود الإسرائيليين.
ولربما تفسر هذه التقديرات تردد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في إطلاق هذه العملية مؤخرا، إذ ينتظره حساب عسير على إخفاق 7 أكتوبر/تشرين الأول، والوضع سيكون أصعب في حال كانت أعداد الجنود القتلى في الحرب البرية كبيرة.
وليس ثمة من يتوقع أن نتنياهو أو حكومته أو قادة الجيش والمخابرات والاستخبارات الإسرائيلية سيبقون بمناصبهم إثر الحساب المرتقب ما بعد الحرب.
ولكن نتنياهو يفتش عن نصر ينهي به مسيرته السياسية، فيما يبحث قادة المخابرات والجيش على صورة مشابهة. هكذا يردد الكثير من المحللين والأوساط السياسية في إسرائيل.
ولذلك فإن النصيحة التي وجهها الرئيس الأمريكي جو بايدن لهم "ترووا كثيرا وأعدوا الخطط ولا تتحركوا من منطلق الرغبة بالانتقام وإنما منطق العزم على تحقيق الأهداف"
التركيز على الشمال
يمكن بناء السيناريوهات، إلى حد ما، على أساس الأهداف التي حددتها إسرائيل لهذه العملية وهي إنهاء حكم "حماس" في غزة والقضاء على قدراتها العسكرية.
وتفترض إسرائيل أن مركز القوة الرئيسي لحركة "حماس" هو في المنطقة الشمالية لقطاع غزة حيث تتواجد مؤسساتها ومباني حكومتها وأيضا مخازن سلاحها وأماكن تواجد مسلحيها.
وفي نظر إسرائيل فإنها إذا تمكنت من السيطرة على شمالي قطاع غزة فإن هذا يعني إنهاء قدرة حماس على الحكم والقضاء على مخزونها من السلاح.
ومع ذلك فإن المحللين العسكريين الإسرائيليين يفترضون أهمية عدم التسرع بالحكم، فعلى الرغم من التسليح المتفوق للجيش فإنه سيدخل إلى منطقة ليست ساحته وإنما ساحة المسلحين الفلسطينيين أساسا.
وكتب ليلاخ شوفال في مقال طالعته "العين الإخبارية" في صحيفة "إسرائيل هيوم": "في هذه الأثناء، تستغل وحدات الجيش الإسرائيلي كل لحظة كي تستعد لما سيأتي. في شعبة الاستخبارات وفي "الشاباك" مثلاً يحاولون أن يستخلصوا أكبر قدر ممكن من المعلومات من قوات النخبة الذين وقعوا في الأسر".
وأضاف: " سيُعد سلاح الجو لمساعدة القوات البرية، وسلاح البحرية جاهز على طول خط الشاطئ للدفاع عن مواقع استراتيجية، ومئات آلاف المقاتلين في النظامي وفي الاحتياط يستغلون كل يوم يمر لصالح التسلح، التدريب، إعداد الخطط التفصيلية، ترتيب الأوضاع، وتوزيع مجموعات الأوامر التي لا تنتهي. قبل لحظة من المعركة تلقى بعض الجنود في النظامي والاحتياط إجازة لبضع ساعات للانتعاش على افتراض أنهم في الفترة القريبة القادمة لن يروا أحبتهم".
ونقل عن ضابط في الاحتياط قوله "أعرف أنه يمكن أن أموت في المعركة، كما أعرف أن رفاقي يمكن أن يسقطوا، وتوجد إمكانية أن نعود بدون نصف الكتيبة. لكننا ملزمون بعمل هذا. لأننا إذا لم ننتصر، وإذا لم نعد إحساس الأمن لكل المواطنين، فإن أبناءنا لن يتمكنوا من العيش هنا في هذه البلاد".
وهذه هي تحديدا التعليمات التي يتلقاها الجيش الإسرائيلي وهي أن هذه معركة حياة أو موت ويعتمد عليها مستقبل البلاد.
اليوم التالي للحرب
بيْد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ما زال غير قادر على تقديم رد على سؤال اليوم التالي للحرب، وإن كان قد أكد بأنه لا يريد العودة لاحتلال غزة.
وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت حدد بأن الهدف هو إنهاء حكم حماس وقدراتها وإقامة نظام أمني جديد في غزة لم يحدد معالمه.
ولكن هناك أصواتاً خافتة تدعو لتحويل اليوم التالي للحرب إلى اليوم الذي يعم فيه السلام حقا في المنطقة وأساسا مع الفلسطينيين.
غير أن عوفر شيلح، القيادي في حزب "هناك مستقبل" المعارض كتب في "معاريف": " إذا كانت إسرائيل تريد ليس فقط توجيه ضربة شديدة للقدرة العسكرية لحماس وحكمها، بل أيضا تريد تحويل الإنجاز إلى إنجاز ثابت، وتقديم إجابة حقيقية للمرة الأولى منذ سنوات على الشلل الاستراتيجي الذي وصلت إليه، فإنه يجب عليها تبني الرؤية التالية: حرب غزة يجب أن تكون الحدث التأسيسي لشراكة حقيقية في الشرق الأوسط والتي ستغير وجهه".
وبالنسبة لشيلح، فإن "هزيمة حماس، ستكون مكافأة للسلطة الفلسطينية، وسيحصل الشركاء الآخرون هم أيضا على تحقيق مصالحهم السياسية والاقتصادية والأمنية، وبالأساس سيكون هذا البديل المفضل لتشكيل إنجاز ثابت للأمن على الحدود الجنوبية. البديل الآخر الذي يتحدث الكثير من الإسرائيليين عنه ولكنهم لا يفهمونه حقا هو السيطرة العسكرية على القطاع مع سفك متواصل للدماء والأضرار السياسية الجسيمة".