يبدو أن هذا وقت باذخ في سخاء الاعتبار بالتاريخ، وباذخ أكثر حد الإفراط في القراءة الموضوعية لمآلات وحصاد السنين.
ففيما تتشظى قيادات جماعة "الإخوان" بين جبهات ثلاث في لندن وإسطنبول وجبهة شباب "الإخوان" في العالم الافتراضي، تعيش الجماعة واقعًا أكثر مرارة من ذلك التشظي وتلك الانقسامات العمودية والأفقية.
ميراث الجماعة كاملاً، الذي نشأ على يد حسن البنا، يبدو في مهب الريح بعد انكشاف عوار فرع الجماعة في اليمن، لما يمثله هذا الفرع من قيمة معنوية ومادية للتنظيم الدولي عبر قرن كامل.
عندما انعقد المؤتمر العربي الإسلامي في العاصمة السودانية، الخرطوم، عام 1991، كان التنظيم مطمئنًّا على الدور الذي كلف به فرعه في اليمن لاعتبارات موضوعية، فهذا الفرع هو أول فروع الجماعة بعد أن تأسست في الإسماعيلية المصرية، باعتبارها ظهرت بعد عام واحد فقط في 1929 وتوغلت في النسيج القبلي والمجتمعي اليمني، وشاركت في كل الانقلابات السياسية هناك من 1948 حتى 1962.
وهو الانقلاب السياسي، الذي منه تناصف فرع الجماعة السلطة مع القوى العسكرية، فيما اشتهر على أنه "تزاوج الملكيين بالجمهوريين".
ذلك الإرث مكّن جماعة "الإخوان" اليمنية من الحصول على طمأنة قيادات التنظيم الدولي، وهو ما عملت عليه الجماعة بانتهازها حرب صيف 1994، لتمسك بقوة على ما أتيح لها من الحكم، فعملت على استقطاب الأفغان العرب من مناطق الحروب والنزاعات آنذاك، ووفرت لهم جوازات السفر والرتب العسكرية وحتى الوظائف المدنية، حتى إنها منحت معسكرات الجيش والأمن في محافظات الجنوب لتلك العناصر التي أسست تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب"، الذي استهدف في أول عملياته الإرهابية العاصمة السعودية، الرياض، عام 1995.
ما تلا ذلك تفصيلات طويلة ودقيقة كرست قوة فرع الجماعة اليمني، وهو ما زاد عند قيادة التنظيم الدولي للجماعة، ثقة بأن يكون اليمن وطنًا بديلاً يمكن أن يكون مقرًّا آمنًا لقيادات الجماعة، وهو ما تم بالفعل التهيئة العملية له بعد سيطرة الشمال اليمني على الجنوب العربي، فلقد نجح التنظيم في استثمار حقول النفط والغاز بمحافظات حضرموت وشبوة.
لقد كان الجنوب مستباحًا للقوى القبلية والمذهبية، التي تحالفت مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وهو ما وفّر للتنظيم الدولي وفرة مالية لا يمكن تقديرها، فلقد كانت الإيرادات تذهب لحسابات بنكية خاصة، تم بإحكام تغطيتها بما توافر لحزب "الإصلاح" من تشريعات قانونية حزبية.
تفجرت الخلافات بين الرئيس صالح و"حزب الإصلاح" من بعد وفاة عبد الله بن حسين الأحمر في 2007، وتوجت بمواجهة مفتوحة بعد ما يسمى "الربيع العربي"، فلقد كان "الإصلاح" يعتقد أنها فرصته المواتية للانقضاض على السلطة بعد أن اهتزت بعض الكيانات العربية.
التحولات الحادة إقليميًّا بما شكّلته ثورة 30 يونيو 2013، والتي أسقطت حكم "الإخوان"، انعكست على اليمن بعدما وَكَل التنظيم الدولي و"الحرس الثوري الإيراني" المهمة لفرع الجماعة في اليمن بتحويل الجغرافيا اليمنية منطقة استنزاف للسعودية والإمارات، ردًّا على موقفهما المؤيد لثورة الشعب المصري.
تمكن حزب "الإصلاح" في 2016 من الانقلاب على خالد بحاح واختطاف الشرعية اليمنية بالكامل وأخذ مخطط الاستنزاف في التنفيذ.
فبعد أن كانت المسافة بين ما يفترض أنه جيش يمني وطني بمسافة أمتار من مطار صنعاء تراجعت القوات في تسليم الجبهات للحوثيين دون طلقة رصاص واحدة، ووضعت تعز كنقطة استنزاف إعلامية لتلعب المدينة وسكانها دور النائحة المستأجرة في الكيد على التحالف إعلاميًّا في مهزلة أخلاقية ستظل مثلبة عبر الزمن لا يمكن أن تُمحى من ذاكرة التاريخ العربي والإنساني.
"إخوان" اليمن خدعوا الجميع بما في ذلك التنظيم الدولي، فسرقوا الأموال ونهبوا الخزائن، وهربوا بعباءات نسائهم بعد أن تسلّم المجلس الرئاسي زمام الأمور وظهر عيدروس الزبيدي بعصاه، وكأنها عصا موسى، فقد كشف حقيقة دجلهم وأكاذيبهم، وها هي الوقائع تكشف أن "إخوان اليمن" خدعوا الكل وسرقوا الكل، فهذه من مكائدهم التي علمهم إياها شيطانهم الأكبر، فزين لهم سوء أعمالهم.
نقلا عن الاتحاد الإماراتية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة