حرب أوكرانيا.. نجوم الروك يودعون الغيتار إلى البندقية

رغم تصعيد أوكرانيا من هجماتها بعيدة المدى على القرم في الأشهر القليلة الماضية، فإن تقدم روسيا على جبهات القتال، أثر بشكل كبير على معنويات جنودها.

وفي محاولة من أوكرانيا، لمواجهة تلك الأزمة، دفعت بما يعرف بـ«القوات الثقافية» لدعم معنويات جنودها، من خلال تسع مجموعات متجولة، تقدم حوالي عشرين عرضًا يوميًا على خطوط المواجهة، وفي مستشفيات إعادة التأهيل في جميع أنحاء البلاد.

لكن «القوات الثقافية» ليست مجرد مجموعة من الموسيقيين المحترفين المسافرين الذين يرفهون عن القوات ويشجعونها، فقط، بل إنها تسعى لمكافحة الروايات الروسية عن أوكرانيا والأوكرانيين ومواصلة النضال من أجل تحرير البلد الأوراسي، بحسب صحيفة «ذا ناشيونال إنترست».

فـ«بدون القوات المسلحة الأوكرانية، الأمر سيئ للغاية»، يغني ميكولاي سييرغا وهو يجلس على جذع شجرة في منطقة لفيف ويعزف على جيتار مارتن، محاطًا بخمسين جنديًا أوكرانيًا.

وبينما يعزف نجم الروك الذي تحول إلى جندي الأغنية، يضحك الجنود، وهم مجموعة متنوعة من الرجال ذوي البطن الممتلئة في منتصف العمر، تتراوح أعمارهم بين الثلاثينيات والخمسينيات.

فبينما المزاج قاتم والابتسامات مصطنعة، في اللواء رقم 100 من القوات المسلحة الأوكرانية الذي بات على بعد أيام من إعادة نشره في شرق أوكرانيا لشن هجوم آخر على الروس، يراقب مغني الروك لغة جسد الجنود، قائلا: «إذا نظروا إلى أسفل أو أغمضوا أعينهم، فهذا أمر إيجابي. إنهم يتجهون إلى مكان داخل أنفسهم، مكان للتأمل».

حفلات يومية

ويقدم مغني الراب اليوم، ثلاث حفلات موسيقية غير رسمية مدتها عشرون دقيقة للقوات المسلحة، وتتضمن قائمته ثلاث أغنيات بالإضافة إلى الشعر الذي يلقيه عن الوطن.

وتقول الصحيفة الأمريكية، إن اللواء 100 سئم من الحرب، فيما يريد جنوده فقط العودة إلى ديارهم.

فولوديمير، وهو جندي يبلغ من العمر أربعة وأربعين عامًا من فولين تطوع بعد اندلاع العملية العسكرية الروسية يقول، إن التحدث مع ابنه يوميًا والكحول يحافظان على سلامته العقلية.

ويحصل الجنود الأوكرانيون على ثلاثين يومًا إجازة سنوية، لكن بعد أكثر من 800 يوم من القتال، أصبحت أعصابهم ضعيفة.

وبحسب «ذا ناشيونال إنترست»، فإن قانون التعبئة الأوكراني الأخير من شأنه أن يمنح الجنود مثل فلاديمير فرصة للتخفيف من الضغوط الملقاة على عاتقه. فقد خفض سن التجنيد من سبعة وعشرين إلى خمسة وعشرين عاما، ومنح الأوكرانيين مزيدا من اليقين بشأن التزاماتهم. وكان لزاما على جميع الرجال الأوكرانيين التوجه إلى مكتب التجنيد بحلول منتصف يوليو/تموز 2024 للتحقق من وثائقهم.

ونتيجة لهذا، أصبح عدد أكبر من الرجال الأوكرانيين يدركون أن أيام حريتهم باتت معدودة. فقد سافر الآلاف منهم إلى الخارج، وكثيراً ما سبحوا عبر الأنهار أو قدموا رشى لحرس الحدود.

وبعد إقرار قانون التعبئة الجديد، قرر المزيد من الرجال الأوكرانيين التطوع بدلاً من انتظار إشعار التجنيد الحتمي. والواقع أن التطوع له مزاياه؛ فبوسع الجندي أن يختار لواءه إذا تطوع.

ولم يكن المغني الذي تسببت الحرب في اشتعال رأسه شيبا قبل الأوان، يتوقع أن يقضي الثلاثينيات من عمره مرتديًا زيًا عسكريًا يغني للجنود.

لكن حياته قبل ذلك لم تكون أكثر سعاة، فقبل العملية العسكرية الروسية، كانت حياته عبارة عن جولات موسيقية لا نهاية لها، بل إنه عاش حياة مترفة في موسكو حتى عام 2017. وحقق نجاحًا كبيرًا.

وبعد سيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم في عام 2014، لم يفعل أي شيء، فقد بقي في موسكو وتجاهل هجوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتن على وطنه لسنوات. ولسوء حظه الشديد، قام حتى بالغناء في شبه جزيرة القرم.

نقطة التحول

إلا أن الرابع والعشرين من فبراير/شباط 2022، كان نقطة التحول، فمغني الراب ابن مدرس الرياضيات وضابط الجيش، التحق بالجيش في اليوم التالي واستبدل غيتاره بمسدس.

وانتهى به الأمر في لواء مشاة وبدأ الغناء ليلاً عندما كان الجنود الآخرون يعانون من الأرق. وسرعان ما تلقى العديد من الدعوات للغناء لوحدات أخرى.

ومن خلال هذه التجارب، ولدت القوى الثقافية في أوكرانيا، فالجنرال فاليري زالوزني، القائد الأول للقوات المسلحة الأوكرانية أعطى مغني الراب تفويضًا ومهمة وموارد لإنشاء فرقته.

والآن، تستغل القوات الثقافية قوة الفنون لدعم معنويات جنود أوكرانيا.

أولجا روكافيشنيكوفا، عازفة الكمان التي أصيبت خمس مرات أثناء الحرب، كانت واحدة من المجندين، إلا أن مغني الراب ميكولاي سييرغا أقنعها أخيرًا بترك الخدمة العسكرية الفعلية والعزف.

كان يوري إيفاسكيفيتش، الذي كان اسمه «بافاروتي»، مغني أوبرا قبل حرب أوكرانيا. ورغم أنه فقد ساقه اليسرى من الركبة إلى أسفل بعد أن انفجر لغم أرضي في جسده إلا أن الموسيقى أعادته مجددا للحياة.

ولم يكن الدعم المعنوي الوسيلة الوحيدة التي يقدمها مغني الراب لموطنه، بل إنه على بعد أيام قليلة من بدء جولة مدتها أربعون يوماً في الولايات المتحدة، والتي من المفترض أن تستمر في حشد الدعم الأمريكي لأوكرانيا.